بعد سبعة أشهر من حربه الانتقامية، يجد نفسه بعد كل هذا التقتيل والتدمير والتهجير والتجويع لشعب أعزل أمام فشل أكبر مضافًا إلى فشل السابع من أكتوبر/تشرين الأول الذي أسقط أوهام إسرائيل بإمكانيّة إزاحة قضيّة فلسطين عن الأجندة العالميّة.
نتنياهو اليميني القح يخوض معركته الأخيرة، وقد ربط مصيره السياسي باليمين القومي الديني الذي يُصر على استمرار الحرب، واحتلال غزّة، وبناء مستوطنات يهودية هناك، حتى لو كان الثمن التخلي عن الأسرى.
خطوة "حماس" التي بدت مفاجئة لنتنياهو، كان من المفترض أن تنقل الضغوط الدولية، خاصة الأمريكية إلى الطرف الإسرائيلي، فيما ظلّ نتنياهو يصرح بأنه سيدخل رفح سواءً تمت الصفقة أو لم تتم، واستخدم كل قدراته على المناورة حتى لا يُجبَر على وقف الحرب الذي يعني قرب نهاية اللعبة المدمّرة التي استمر فيها ما يزيد على الشهور السبعة.
الذهاب إلى وقف الحرب بمثابة تجهيز لنعش نتنياهو السياسي
مأزق نتنياهو يتجلى بوضوح أمام حقيقة حاول التغافل عنها طويلًا، أنه سواءً باقتحام رفح أو بدونه سيجد نفسه مرة أخرى مرغمًا على التفاوض مع "حماس" من أجل الأسرى الذين بحوزتها.
لم يدرك نتنياهو أنّ المخططات لا تضمن المآلات، أغرق في الدعاية لما يسميه "النصر المطلق"، وأغفل العوائق التي تقف في وجه مخططاته، جعبته خالية من أي تصوّر عن مآلات حربه التي بلا أفق سياسي، يهرول باتجاه إعادة السيطرة على غزّة، بما فيها حدودها مع مصر، مجازفًا بعلاقته مع أول دولة عربية أبرمت اتفاق سلام مع بلده.
مأزق نتنياهو المزدوج أنه لا يمتلك إجابة على أسئلة "اليوم التالي" لحربه المسعورة ضد غزّة وشعبها، ثم هو يواجه مصيرًا يتهدده بإسدال الستار على أسوأ نهاية لمشواره السياسي.
مشكلة اليمين الديني الذي يقوده نتنياهو أنّ مطلوبه الذي لا يقبل التنازل عنه هو الأمن الكامل لإسرائيل بدون أن تدفع أية أثمان سياسية مقابل هذا الأمن، ومأزقه اليوم على أرض غزّة أنه يصارع الفكرة أكثر مما يواجه تجسيدها الحالي الذي يأخذ عنوان "حماس" و"الجهاد" وبقية الفصائل المنخرطة في صفوف المقاومة الفلسطينية.
أجندة اليمين الإسرائيلي طرحت أهدافًا تبدو مستحيلة التحقق، حتى صارت حكومته "الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل" حسب وصف جو بايدن نفسه، عبئًا على أي مسار سياسي في المنطقة، فضلًا عن أنها تثير في المجتمع الإسرائيلي انقسامات لا يمكن إغفال أثرها على تماسك الدولة العبرية وقدرتها على تحقيق سلام في منطقة اكتوت من حروب لا تتوقف.
تصادم الأهداف والرؤى بين إسرائيل والمقاومة تبدت نتائجه في إطالة أمد الحرب فوق طاقة الأطراف المنغمسة فيها، وفوق احتمال المجتمع الدولي الذي يتورط فيها أكثر فأكثر كل يوم زيادة في عمرها.
استمرار الحرب ما يزال رهينًا بصعوبة تحديد سيناريوهات المستقبل وما تزال كل الأطراف المنخرطة في يوميات هذا الصراع تسعى كل منها إلى تصورات "اليوم التالي" بكل ما يحمله معه من تحديات وتكاليف ومهمات وضروريات وتسويات وأحوال على الأرض لا يمكن تخيّل مدى مأساويتها قبل وقف القتال.
هذه المعادلة الصفرية للخيارات في حرب غزّة فرضت على كل المنخرطين فيها أصعب الأسئلة التي تتعلق باليوم التالي للحرب، سواء على الأوضاع في إسرائيل، أم على الأوضاع التي سيكون عليها الحال في غزّة وعلى صعيد القضية الفلسطينية وكذلك على الحالة العربية برمتها.
لا يُخفي نتنياهو رفضه القاطع لـ"حل الدولتين"، ويضع ألف فيتو على الحلول السياسية، يُفضّل التطبيع الاقتصادي عوضًا عن الحل السياسي، يعيش على أوهام تسييد إسرائيل على منطقة تنبذ وجودها ذاته فضلًا عن معاناتها المستمرة من هذا الوجود الهمجي والمدمّر والذي يعيد إحياء النازية في أشد صورها انحطاطًا وأكثرها لا أخلاقية.
العالم سيكتشف حين تتوقف الكوابيس التي خلّفتها سياسات نتنياهو ما يجعل وجه "هتلر" نفسه يلتهب من حمرة الخجل
الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني واستمرار نهج المقاومة يشكلان هزيمة لكل أهداف الحرب الإسرائيلية، بينما على الجانب الآخر بات الذهاب إلى وقف الحرب بمثابة تجهيز لنعش نتنياهو السياسي.
افتقاد مخططات نتنياهو للأفق السياسي يضعه وجهًا لوجه أمام الحقائق التي ستفرض عليه في نهاية المطاف أن ينزل من شجرة أوهامه، ولن يعفيه تدميره لغزّة من ساعة الاستحقاقات المؤلمة.
رغم المتابعة اليومية على مدار الساعة للعدوان الإسرائيلي الهمجي على الشعب الفلسطيني في غزّة ووقائع الحرب الرديفة في الضفة، إلا أنّ العالم سيكتشف حين تتوقف الكوابيس التي خلّفتها سياسات نتنياهو من القتل والتدمير والمآسي، ما يجعل وجه "هتلر" نفسه يلتهب من حمرة الخجل.
(خاص "عروبة 22")