تسابق إدارة الرئيس جو بايدن الزمن من أجل الوصول لاتفاق يوقف العدوان الإسرائيلي في غزة خدمة لهدفين سياسيين داخليين يسيطران على عقل مساعدي الرئيس بايدن. وهدفت إدارة بايدن دون نجاح حتى الآن عن طريق الوساطة المصرية القطرية للوصول إلى اتفاق وقف القتال لفترات طويلة بما يسمح معه بالإفراج عما تبقى من أسرى ومحتجزين، وأن يتم إدخال المزيد من المساعدات الإنسانية.
ولا تريد إدارة بايدن أن يستمر العدوان خلال انعقاد جلسات المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي، والذي يُعقد يوم 19 أغسطس المقبل لمدة 4 أيام بمدينة شيكاغو بولاية إلينوي، حيث من شأن استمرار العدوان أن يشجع على القيام بمظاهرات ضخمة يُخشى من تبعاتها على المؤتمر إذ تستدعي معها شبح مظاهرات مؤتمر الحزب الديمقراطي 1968، والذي مهد ليفوز المرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون بسهولة على منافسه الديمقراطي.
كما تهدف إدارة بايدن أن يتوقف القتال قبل حلول موعد الانتخابات الرئاسية والمقررة في 5 نوفمبر المقبل، ويعتقد مستشارو الرئيس بايدن أن من شأن وقف القتال، ولو بصور مؤقتة ولفترات طويلة، أن يغير من رأي الناخبين المسلمين والعرب الأمريكيين ويصوتون لصالح بايدن.
وخلال الأيام القليلة الماضية، اصطدمت الرغبات الأمريكية برفض إسرائيل لصفقة التهدئة بعدما وافقت عليها حركة حماس، وأعقب ذلك تصعيد إسرائيلي تمثل في بدء اقتحام أطراف مدينة رفح، وسيطرت قوات إسرائيلية على الجانب الفلسطيني من معبر رفح.
وبدا ما يعتبره البعض خلافا كبيرا بين الطرفين، خطوة أخرى في ابتعاد متزايد من إدارة بايدن عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وأوقفت إدارة بايدن تسليم آلاف القنابل إلى إسرائيل بسبب مخاوف بشأن ما تعتبره نقصا في التخطيط لحماية المدنيين ومعالجة الوضع الإنساني المتدهور في جميع أنحاء غزة. في مقابلة مع شبكة «سي.إن.إن»، قال بايدن إنه سيتوقف عن إرسال أسلحة هجومية إلى إسرائيل إذا مضت الأخيرة قدما في عملياتها العسكرية المخطط لها في رفح، في الجزء الجنوبي من قطاع غزة، حيث فر مئات الآلاف. وفي نهاية الأسبوع الماضي، أصدرت إدارة بايدن نتائج تقرير يشير إلى أن إسرائيل انتهكت على الأرجح القانون الدولي في عملياتها العسكرية. التقرير نفسه غير حاسم لأنه أكد كذلك أن الأدلة كانت غير كاملة. وأدى موقف بايدن، الذي يختلف عن الدعم الكامل والشامل الذي استمر لسبعة أشهر منذ بدء العدوان على قطاع غزة، إلى رد فعل قوي من الحزب الجمهوري في ظل مزايدات بين الطرفين قبل أقل من ستة أشهر من الانتخابات الرئاسية.
وعرقلت المقاومة الفلسطينية المسلحة خطط إسرائيل وتصوراتها للأوضاع داخل قطاع غزة، ودفع استمرار فعالية المقاومة المسلحة لتهميش وتعطيل أي جدية لنقاشات مستقبل قطاع غزة. ويتفق الجانبان الإسرائيلي والأمريكي على أن أي مستقبل لغزة يجب ألا يشمل حركة حماس التي تتطلع الدولتان للقضاء عليها بلا جدوى. ومنذ السابع من أكتوبر، تتفق الولايات المتحدة وإسرائيل على هدف غير واقعي يتمثل في القضاء على حركة حماس.
وتخيلت إدارة بايدن أنه يمكن أن يتم ذلك في غضون أسابيع أو أشهر قليلة، من هنا لا تخفي المواقف الأمريكية الرسمية إحباطها من امتداد العدوان لأكثر من 7 أشهر مع عدم وجود أفق لنهاية قريبة واستحالة إنجاز هدف القضاء على حركة حماس.
ولا أتصور أن الاضطراب الشكلي في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية خلال الأسبوع الماضي سينذر بأشياء قادمة إذا انتقلت إسرائيل إلى توسيع عملياتها في مدينة رفح، ولن يدفع ذلك بايدن لاتخاذ أي خطوات جادة تماثل ما قاله بأن هذه الخطوة (اقتحام مدينة رفح) تعد خطا أحمر بالنسبة له ولإدارته. وتركز إدارة بايدن جهودها في العمل على ملف التطبيع الإسرائيلي السعودي بعدما تأكدت إدارة بايدن من عدم وجود رغبة لديها لدفع إسرائيل لاتخاذ مواقف مغايرة لما تنادي به واشنطن.
ويستطيع بايدن، إن أراد، إلا أنه لا يريد، أن يدفع إسرائيل لتغيير سياستها ووقف عدوانها على قطاع غزة. ما ذكره بايدن من وقف شحن القنابل الضخمة لإسرائيل ليس إلا خطوة تكتيكية ورمزية في معظمها فشلت في دفع الحكومة الإسرائيلية إلى تعديل نهجها في غزة، وهو ما تأكدت إسرائيل من محدودية تأثيره بعدما أقر بايدن صفقة سلاح جديد لإسرائيل تزيد قيمتها عن مليار دولار قبل أيام. كما أنه من غير المرجح أن يؤثر حجب شحن بعض القنابل إلى إسرائيل على العمليات العسكرية الحالية لأن إسرائيل خزنت الكثير من الأسلحة والذخائر والقنابل الأمريكية على مدار الأشهر الماضية. كما أنه سيبدأ تدفق مليارات الدولارات الإضافية من المساعدات الأمنية الجديدة البالغ قيمتها 16 مليار دولار ووقع عليها قبل حوالى أسبوعين إلى إسرائيل في الأسابيع والأشهر المقبلة.
يصف بعض الخبراء العرب أن وقف بايدن شحن بعض القنابل لإسرائيل كونه تغييرا كبيرا في سياسة واشنطن تجاه إسرائيل. إنه ليس كذلك. ما جرى ليس إلا محاولة يائسة من بايدن لتغيير الرأي العام بين الشباب ومسلمي وعرب أمريكا الغاضب على الموقف الصلب دعما لإسرائيل. ويدعم بايدن سعي إسرائيل للقضاء على حركة حماس، في الوقت ذاته يرغب في تحسين صور معاناة الفلسطينيين، ويبدو أنه لن يحقق أيا من الهدفين.
("الشروق") المصرية