صحافة

في شأن الردع المصري لمغامرات نتنياهو

أشرف العشرى

المشاركة
في شأن الردع المصري لمغامرات نتنياهو

لأول مرة منذ اتفاق كامب ديفيد، تواجه العلاقات المصرية - الإسرائيلية، مثل هذه الحالة من الانسداد والتوتر وارتفاع منسوب الغضب من الجانب المصري، بفعل الحسابات الخاطئة للجانب الإسرائيلي، ومغامرات حافة الهاوية التي يقدم عليها في تل أبيب بنيامين نتنياهو، جراء ممارسات القتل وحرب الإبادة الشاملة التي يقوم بها جيش الاحتلال، والتي فاقت في أفضل التوصيفات والمقارنات جرائم الحربين العالميتين الأولى والثانية.

وكل ذلك بفضل النازيين الجدد الذي يعتلون حكومة الإرهاب والموت في إسرائيل حاليا، حيث تتجلى روعة الأداء المصري يوميا ومنذ الثامن من أكتوبر الماضي، فى رصد ووأد كل المخططات الصهيونية، عبر خطة تحرك مضاد لنسف مساعي تصدير أزمات الاحتلال في غزة، إلى الحدود المصرية، بدءا من رفض تهجير الفلسطينيين قسرا أو تصفية القضية الفلسطينية، ناهيك عن المهمة الرئيسية للجانب المصري وهي إنقاذ ٢٫٥ مليون فلسطيني في القطاع من الموت جوعا ومرضا، والتصميم المصري على ضرورة وحتمية فتح معبر رفح ودخول المساعدات الغذائية والإنسانية، ناهيك عن ضمان استمرار قوافل الإغاثة الطبية.

وبشكل أوضح كان ما مر طيلة الأشهر السبعة الماضية أمرًا، وما حدث خلال الأيام الماضية منذ التوغل الإسرائيلى في منطقة رفح الفلسطينية، ورفع العلم الإسرائيلي فوق تلك البقعة الفلسطينية الملاصقة لحدود مصر أمرًا آخر، حيث قررت مصر تغيير قواعد التعاطي مع حكومة الحرب في تل أبيب، وغيرت إستراتيجية الصبر الاستراتيجي التي دشنتها طيلة الأشهر الماضية، خاصة خلال استضافة المفاوضات بين حماس والجانب الإسرائيلي، ولكن عندما تخالف تل أبيب شروط التفاهمات وقواعد الاشتباك بشأن الأوضاع في رفح، يكون الوجه الآخر للدولة المصرية لردع تلك المخططات الإسرائيلية وفي الحال، وهذا ما حدث طيلة الأيام الماضية حيث حجم الرسائل والضربات السياسية والدبلوماسية المصرية المعلنة وغير المعلنة، جعلت إسرائيل ونتنياهو يفكران في ردود الفعل المصرية، وما يمكن ان يفعلوه غدا، بعد ان رفعت وصدرت القاهرة اللاءات والخطوط الحمراء، حيث كان الرفض المصري بفتح معبر رفح في ظل سيطرة قوات الاحتلال عليه من الجانب الفلسطيني، واعتبار وجودها قوة احتلال لا يمكن القبول بها، إضافة إلى رفض ومنع أي وجود عسكري إسرائيلي بطول الحدود الفلسطينية - المصرية بما فيها منطقة ممر فيلادلفيا - صلاح الدين - إضافة إلى رفض أي نقاش أو لقاءات حوار مع الإسرائيليين بشأن احتلال رفح الفلسطينية، وكانت الرسائل المصرية التي كشفت عنها القاهرة الإخبارية على لسان أكثر من مصدر مصري رفيع منذ إعادة احتلال رفح أقوى رسائل الغضب والرفض المصري، وأفضل تعبير عن جوهر وتكتيك ورد فعل الموقف المصري، واعتقد أن مضمون تلك الرسائل وصلت في الحال إلى كل من يعنيهم الأمر في تل أبيب.

الآن اقوى الرسائل جاءت على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسي في كلمته أمام القمة العربية الخميس الماضى في المنامة، عندما أطلق جملة تحذيراته لإسرائيل، محذرا من كارثة سياسات حافة الهاوية وأنها لن تجدي نفعا أو تحقق مكاسب، وكذلك مجددا الرفض القاطع لمصر بتهجير الفلسطينيين وتصفية قضيتهم، وضرورة وقف المغامرات لتلك القوى في إشارة إلى نتنياهو الذي يريد خطف الإقليم والذهاب به إلى دوامة العنف والقتل والتدمير، في إشارة واضحة لكل هؤلاء النازيين الجدد في تل أبيب بأن تلك الممارسات والمخططات لن تَخَلق وضعا ولن تنشئ التزاما جديدا، طالما هناك قوى كبرى ومؤثرة وفاعلة كمصر في الإقليم تمنع مثل تلك المغامرات، وبالتالي تلك المواقف الصلدة للدولة والقيادة المصرية ورسائل الغضب والردع المصري تلك، هي التي جعلتهم في إسرائيل يضعون أيديهم على القلوب ويعيدون التفكير جليا، في سياسات نتنياهو في رفح وغزة بالكامل، حيث وجدنا أنفسنا طيلة الأسبوع الماضي نقرأ ونتابع صيحات الغضب في محطات التليفزيون الإسرائيلية، لجنرالات وسياسيين سابقين يحذرون حكومة الحرب ونتنياهو من إثارة الغضب مع مصر، ناهيك عن افتتاحيات الصحف ومقالات كبار الكتاب الإسرائيليين، تطلق أبواق التحذير وتعلق الجرس في رقبة نتنياهو شخصيا، وتتهمه بإثارة حفيظة مصر، وتطالبه بالتخلي عن تأجيج مشاعر الغضب لدى الدولة والشعب المصري، باعتبار انها ستكون معادلة صفرية، إسرائيل ستكون الخاسر الأكبر فيها، محذرين المتطرفين أمثال بن غفير وسموتريتش، وحتى قادة الجيش والاجهزة الامنية، من خطورة إشعال الحرائق بالقرب من الحدود المصرية، وضرورة البحث عن طوق نجاة لجيش الاحتلال سريعا للخروج من رفح الفلسطينية ومعبرها، وإلا ستكون الخسائر مروعة نتيجة استفزاز الجانب المصري، حتى إن الجنرال السابق إسحاق بريك أعلنها صراحة بأن قوة نيران الجيش المصري لن ترحمنا وستطولنا في كل شبر في إسرائيل، بوصفه أقوى جيوش الإقليم وعندها سنموت بالكامل.

لا مبالغة في القول انه مهما استمرت التجاوزات وعملية القتل الوحشية الإسرائيلية في غزة، لا يوجد خيار متاح أمام نتنياهو وجيش الاحتلال اليوم وليس غدا، إلا التخلي عن أوهام السيطرة والتدمير والبقاء في غزة، وتناسي إلى الأبد سيناريوهات وجود قوات عربية هناك لحفظ السلام تحت تمركز قوات الاحتلال، فتلك أفكار واقتراحات مرفوضة مصريا، وفي ظني بعد رسائل الردع المصرية الأخيرة لنتنياهو، فلا سبيل أمامه إلا العودة لجولات التفاوض في القاهرة، والقبول بالمبادرة المصرية الأخيرة بمراحل الهدنة الثلاث، وهذا ما سيقبل به في قادم الأيام، ومن يعش ير!.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن