وهذا تقريبًا ما يجب أن نستحضره في أذهاننا، إذا جاز لنا أن نقارن بين الاتحاد الأوروبي من مقره في بروكسل، وبين جامعة الدول العربية من مقرها في القاهرة.
صحيح أنّ لحظة النشأة كانت متقاربة زمنيًا بين هذين الكيانين الإقليميين الكبيرين، ولكن المقارنة بينهما ليست من حيث وقت التأسيس أو الخروج إلى النور .
المقارنة هي على مستوى الدور، وعلى مستوى المهمة، وعلى مستوى ما ينهض به كل كيان منهما تجاه أعضائه في مكانه.
العضوية في الاتحاد الأوروبي ليست حبرًا على ورق
إننا إذا عدنا إلى الوراء قليلًا، وبالتحديد إلى نهايات عام ٢٠٠٩ وبدايات عام ٢٠١٠، فسوف نجد أنّ اليونان كانت وقتها على وشك الإفلاس، ولم يكن هذا سرًا ولكنه كان معلنًا على العالم، وبالذات على أوروبا التي تظل اليونان جزءًا عضويًا فيها.
كان الحديث وقتها عن أنّ إفلاس الحكومة اليونانية مسألة وقت لا أكثر، وكان الوقت المقصود قريبًا بل قريبًا جدًا ولم يكن بعيدًا، وكان لا بد من فعل شيء لإنقاذ اليونانيين، وكان هذا الشيء مطلوبًا من الاتحاد الأوروبي على وجه التحديد، لأنّ أثينا كانت ولا تزال تتمتع بعضويته، شأنها شأن بقية العواصم الأوروبية التي كانت ولا تزال تحمل بطاقة عضوية فيه.
ولا نزال نذكر كيف أنّ الإتحاد لم يتباطأ، وإنما راح يتنادى للقيام بعملية الإنقاذ على وجه السرعة، وهو لم يشأ وقتها أن يسارع أو يبادر بمفرده، ولكنه جاء إلى الإنقاذ وفي إحدى يديه مجموعة اليورو التي تضم ١٦ دولة أوروبية، وفي اليد الأخرى صندوق النقد الدولي بكل ما يمكن أن يقدّمه للدول في مثل هذه الحالة.
وبسرعة كانت قد تقررت حزمة أولى من المساعدات، ومن بعدها جاءت حزمة أخرى، ثم حزمة ثالثة، وتبيّن لليونان أنها ليست وحدها، وأنّ يد الإنقاذ قد امتدت إليها من ثلاث جهات، وأنّ النية الصادقة معقودة على ألا تتركها هذه الجهات الثلاث إلا وقد تعافت، وعاد اقتصادها إلى ما كان قبل الأزمة وأحسن .
يومها بدا أنّ الاتحاد الأوروبي يعمل بالكفاءة المطلوبة، وأنه قادر على أن يحضر ويسعف، وأنّ العضوية فيه ليست حبرًا على ورق، ولكنها عضوية فاعلة من جانبه في كل دولة عضو، ثم تبيّن من بعدها أنّ الدول الأعضاء يوم سلّمت له بما أكسبها العضوية كانت تستثمر في المستقبل، وأنّ نموذج اليونان يمكن القياس عليه دون أن يكون في القياس خطأ أو خلل.
ومن المفارقات أنّ الفترة نفسها التي جرى فيها إنقاذ اليونان على مراحل ثلاث، كانت هي ذاتها الفترة التي هجم خلالها ما يُسمى بالربيع العربي على المنطقة العربية، فاقتلع في طريقه ما اقتلع، وأزاح من مجراه ما أزاح، فلم ينحسر ماؤه، ولا هدأت رياحه أو سكنت، إلا وقد خلّف وراءه أكثر من عاصمة عربية جريحة تتألّم.
هذه العواصم تستطيع أن تراها إذا ألقيت نظرة عابرة على الخريطة أمامك، وهي عواصم لا تزال تعاني وتحاول تضميد جراحها، ولكنها تفعل ذلك بمفردها تقريبًا وبإمكانات ذاتية فيها، رغم أنها تتمتع بالعضوية في جامعة الدول العربية، ورغم أنّ الدول الأعضاء في الجامعة تطل على الشاطئ الجنوبي للبحر المتوسط، بينما تطل دول الاتحاد على شاطئه الشمالي، فلا يفصل بين دول الجامعة ودول الاتحاد سوى مجرى البحر من الشرق عند سوريا ولبنان إلى الغرب حيث المغرب وإسبانيا.
الميثاق الذي ينظّم العمل فاعل في بروكسل وغير فاعل في القاهرة
مسافة لا يتجاوز طولها ١٨٠ كيلومترًا بين لبنان عضو الجامعة هنا وبين قبرص عضو الاتحاد هناك، ولكنها مسافة لا تقاس بالكيلومترات وإنما تقاس بوحدات قياس أخرى ترصد الفاعلية، والدور، ثم الهمة على مستوى الجامعة في أرض العرب، وبالتوازي ترصد ذلك كله على مستوى الاتحاد في القارة العجوز في المقابل.
في حالة اليونان كان الاتحاد حاضرًا وجاهزًا ومستعدًا، وفي حالة دول الربيع الجريحة كانت الجامعة تتطلع نحوها ولسان حالها يقول إنّ عينها بصيرة ولكن يدها قصيرة، وكانت تتمنى لو أسعفت تلك الدول التي لا تزال جراحها تنزف، غير أنّ القضية بالنسبة للجامعة لم تكن قضية تمنيات بقدر ما كانت إمكانيات. ولأنّ إمكانيات الاتحاد ليست سوى حاصل جمع إمكانيات الدول الأعضاء، فالإمكانيات في حالة الجامعة هي كذلك بالضبط، ولكن الميثاق الذي ينظّم العمل ميثاق فاعل في بروكسل وغير فاعل في القاهرة.. وإذا كان لنا أن نراهن على شيء في المستقبل، فهذا الشيء هو القدرة العربية مجتمعة على خلق ميثاق فاعل في الجامعة، وعندها ستكون المقارنة بين تفاحة وتفاحة لا بين تفاحة وبرتقالة.
(خاص "عروبة 22")