صحافة

مصداقية الجنائية الدولية على المحك

أحمد موسى

المشاركة
مصداقية الجنائية الدولية على المحك

كما كان متوقعًا، فقد طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية ويوآف جالانت وزير الدفاع، لارتكابهما جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية والإبادة والقتل العمد والاضطهاد، وتعمد إحداث المعاناة لسكان غزة، وتعمد توجيه الهجمات ضد المدنيين، كما ارتكبا الافعال المجرمة، التي توجب على المحكمة التحرك لمحاكمتهما، وأن هذه الجرائم مازالت مستمرة منذ يوم 8 أكتوبر 2023 حتى الآن.

وبعد قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاى - سيحال الملف كاملا إلى لجنة تضم ثلاثة قضاة، يتولون عملية الفحص والدراسة للأدلة المقدمة في طلب صدور أوامر الاعتقالات، ولهم الحق في قبول الطلب أو رفضه من خلال الأدلة التي قدمها المدعي العام، وقد يستغرق الأمر عدة أيام أو على حد أقصى 90 يوما، كما حدث عند صدور أمر باعتقال الرئيس السوداني السابق عمر البشير، بينما صدر الأمر من نفس المحكمة ضد الرئيس الروسي بوتين خلال 3 أسابيع. وجاء هذا التحرك من المحكمة الجنائية الدولية متأخرا عدة أشهر، ومنذ بدأ جيش الاحتلال في القيام بعمليات الإبادة الممنهجة بحق سكان فلسطين المقيمين على أراضيهم، سواء في غزة أو الضفة الغربية.

وأدى قرار المدعي العام إلى تباين المواقف الدولية، وأظهر ما كان معلوما ومعروفا عن الدعم الأمريكي غير المسبوق، ولما يقوم به جيش الاحتلال من إبادة في غزة وبموافقة أمريكية وباستخدام السلاح الأمريكي، فقد ثار الرئيس الأمريكي بايدن، ضد قرار المدعي العام كريم خان، ووجه اتهامات للمحكمة وقضاتها، بل واعتبر بايدن أن ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية، وذهب للقول بأن إسرائيل تعمل على حماية المدنيين، كان ذلك الرد الأمريكي من ساكن البيت الأبيض، الذي يمنح بهذا التصريح غير المسؤول الدعم المستمر لجرائم الاحتلال بحق المدنيين، والذين استشهدوا حتى اليوم وعددهم يقترب من 39 ألف فلسطيني 70% منهم من الأطفال والنساء، بينما أصيب أكثر من 85 ألفا من أبناء قطاع غزة، وتشريد أكثر من مليونين و300 ألف مواطن ونزوحهم وإجبارهم على النزوح بين مختلف المدن غير الآمنة في غزة واستهدافهم بشكل جماعي وحصار القطاع، ومنع وصول الطعام والدواء وتدمير المستشفيات وكلها جرائم ارتكبها جيش الاحتلال الذي يحظى بالدعم الأمريكي، وهدد الكونجرس قضاة المحكمة، وحتى الموظفين بالعمل على معاقبتهم وإصدار تشريعات تستهدفهم في حالة صدور قرارات الاعتقال ضد مجرمي الحرب نتنياهو وجالانت.

وتعول إسرائيل على الحماية الأمريكية الدائمة لكي ترتكب جرائمها، وتقتل من تشاء وتحتل الأراضي، وتستمر في إبادة الشعب الفلسطيني، وتجد الولايات المتحدة توفر لها الغطاء السياسي والدبلوماسي والعسكري، وتحولت الولايات المتحدة إلى دولة وحشية تحمي القتلة والمجرمين ومرتكبي جرائم الحرب، بينما قدمت فرنسا وبلجيكا الدعم للمحكمة الجنائية الدولية ومساندتها في قراراتها، وهذا التغيير في موقف الدولتين الأوروبيتين أحدث ارتباكا في إسرئيل، والتي رأت أن فرنسا تحديدا بدأت في رفع يدها عن دعمها ما تقوم به من جرائم، بينما فضح كريم خان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، بعض الدول الكبرى خلال حوار تليفزيوني وقال: تعرضنا لضغوط من هذه الدول، ومن تحدثوا معي قالوا إن إنشاء هذه المحكمة من أجل إفريقيا وبوتين، وليس لحساب إسرائيل.

واعتبر نتنياهو قرار المحكمة بمثابة الفضيحة والمؤامرة، وأن قراراتها لن توقفه عن الحرب، بينما أدانت حماس قرار المحكمة المتعلق باعتقال ثلاثة من قادتها وهم: إسماعيل هنية ويحيى السنوار ومحمد الضيف، ويبرز أهمية تحرك المحكمة ضد إسرائيل لملاحقة المسؤولين عن جرائم الإبادة، بل وتشجيع العديد من الدول على إصدار محاكمها قرارات اعتقال ضد ضباط عسكريين في جيش الاحتلال لاعتقالهم، وسيدفع ذلك لمحاصرة قادة إسرائيل، بل ودفع الدول المختلفة للتراجع عن دعم ما تقوم به إسرائيل من عدوان وصولا لتوقف التعاون العسكري معها، فالجميع ينتظر الخطوات القادمة من جانب المحكمة الجنائية الدولية، وهل ستخضع للتهديد والابتزاز الأمريكي، أم ستصدر القرارات لتأكيد حيادها ونزاهتها وعدالتها، وتوجه صفعة للولايات المتحدة صاحبة الكيل بمكيالين من تأييد المحكمة عندما أصدرت قرارات ضد الرئيس الروسي بوتين إلى توجيه الاتهامات للمحكمة لمجرد اقترابها من إسرائيل، فأي طريق يختاره قضاة المحكمة: العدالة أم الطرمخة؟!.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن