يخرج نتنياهو ليصرخ "كيف تجرؤون على مقارنة وحوش حماس بجنود الجيش الإسرائيلي، الجيش الأكثر أخلاقية في العالم (!).. أرفض باشمئزاز المقارنة التي أجراها المدعي العام في لاهاي بين إسرائيل الديمقراطية، وجماعة القتلة المنتمين لحماس".
مساء اليوم نفسه يخرج الرئيس الأمريكي ليندد بما أسماها مذكرات توقيف "مشينة"، وقال بايدن في بيان: "سأكون واضحًا.. لا مساواة إطلاقًا بين إسرائيل وحماس".
وزير الخارجية الأمريكي بدوره أدان الإجراء، ورفض ما سماه "مساواة المدعي العام للمحكمة الجنائية بين إسرائيل وحماس، وقال: "إنه أمر مخزٍ".
وبدون أدنى إحساس بالخزي يعلن وزير الدفاع الأمريكي أنّ الولايات المتحدة ستواصل التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية بشأن أوكرانيا، رغم الخلاف معها في شأن طلب إصدار مذكرات توقيف بحق مسؤولين إسرائيليين.
يوآف جالانت، وزير الحرب الإسرائيلي المطلوب للمحاكمة الجنائية، أكد أنّ إسرائيل لا تعترف بصلاحيات محكمة لاهاي، وهو نفسه الذي قال في بدايات حربه على غزة: "نحن نقاتل حيوانات ونتصرف وفقًا لذلك، وسنفرض حصارًا كاملًا على قطاع غزّة، لا كهرباء، لا طعام، لا ماء، ولا غاز".
صارت غزّة مقبرة لمبادئ القوانين الدولية بل مقبرة للإنسانية في نسختها المعاصرة
كل هذه الوقاحة وكل هذه العنصرية وكل هذا الكلام المشين والمقزز تراه إسرائيل شيئَا طبيعيًا، يحق لها أن تقوله، وأن تمارسه بدون حساب ولا حتى إدانة من أي هيئة دولية.
كل هذه الهمجية والنازية المفرطة التي ترتكبها إسرائيل طوال 230 يومًا، لا تصدر إلا عن "الجيش الأكثر أخلاقية في العالم" حسب الدعايات المقززة التي يرددها نتنياهو دون أن تعتري وجهه حمرة الخجل.
هذا الإصرار من جانب تل أبيب وواشنطن على دفن بقايا الشرعية الدولية تحت أنقاض غزّة يشي بنظرة استعلائية مشتركة بين إسرائيل وراعيتها، ويُفصح عن طريقة التعامل الخاصة للعدوانية الأمريكية والإسرائيلية مع الهيئات والقوانين الدولية، وليس من قبيل المصادفة أنّ الدولتين توقيًا للمساءلة على أعمالهما الإجرامية المتكررة والتي تقع خارج دائرة المحاسبة على الدوام كانتا ضمن سبع دول رفضت معاهدة روما التي أنشأت المحكمة الدولية.
في مقطع مصوّر التقطته كاميرا أحد الجنود الصهاينة تُظهر إقدام جندي على قتل شيخ فلسطيني مُسنّ أعزل يقبع بجوار سريره بدم بارد، ثم يرميه بالرصاص مرة أخرى بعد قتله، ويظهر المقطع جنود الجيش الإسرائيلي وهم يتبادلون التهاني بعد ارتكاب جريمتهم في صورة حيّة بكاميراتهم تثبت للمرة الألف حقيقة الجيش "الأكثر أخلاقية في العالم".
غزّة المحاصرة لعقدين من الزمان حوَّلها جيش نتنياهو "الأخلاقي" إلى ركام وأنقاض، يصفها مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي: "كانت غزّة قبل الحرب سجنًا مفتوحًا، باتت اليوم أكبر مقبرة مفتوحة".
صارت غزّة مقبرة لعشرات الآلاف من الفلسطينيين، فباتت مقبرة لمبادئ القوانين الدولية، بل مقبرة للإنسانية في نسختها المعاصرة.
هذا الركام الذي يغطي وجه الأرض بطول غزّة وعرضها صار يضم بين جنباته مخلفات الشرعية الدولية وحطامها المدفون تحت الأنقاض جراء عدوان همجي بربري وحشي استمر لما يقرب من ثمانية أشهر، تتابعت وتنوعت خلالها الجرائم والمذابح والمجازر على مدار الساعة، بوحشية واستهانة بأرواح البشر لم يسبق لها مثيل.
المثير للانتباه أنّ ركام الحرب العالمية الثانية دفع العالم المكلوم بنتائجها إلى الإقرار بأهمية الاجتماع معًا تحت عنوان دعائي يستبطن سياسات ومصالح دولية خاصة تحت شعار بناء مستقبل أفضل لكل البشرية.
وقتها برزت قضية المحرقة النازية كمحرّك أساسي للتوافق الدولي حول منع تكرار الجريمة مجددًا وإعلان التزام المجتمع الدولي بألا تتكرّر فظائع الإبادة أبدًا، والتأكيد على واجب مجتمع الدول في منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
تُقاتل أمريكا لكي يبقى ما تبقى من حطام هذا النظام العالمي تحت سيطرتها
لم يكن يهود العالم وقتها وهم ينشطون في تأسيس محكمة العدل الدولية يتوقعون أن تجر الدولة اليهودية التي ستنشأ بإرادة استعماريه بعدها بثلاث سنوات إلى الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، المخول بالفصل طبقًا لأحكام القانون الدولي في الاتهام بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.
ما تبقى من حطام هذا النظام العالمي تُقاتل أمريكا على عدة جبهات لكي يبقى تحت سيطرتها ولتأمين مصالحها في الوقت الذي تشارك فيه ربيبتها إسرائيل في اقتلاع بنيانه من الأساس.
"الشرعية الدولية" بأممها المتحدة (درة النظام العالمي)، وبمجلس أمنها، بميثاقها وقراراتها وهيئاتها وكل الاتفاقيات والهيئات الدولية صارت كلها رفاتًا تحت أنقاض غزّة.
(خاص "عروبة 22")