صحافة

مصر وإسرائيل.. وحقيقة أنفاق رفح

عماد الدين حسين

المشاركة
مصر وإسرائيل.. وحقيقة أنفاق رفح

ما هي حقيقة وجود أنفاق بين مدينة رفح الفلسطينية ومدينة رفح المصرية؟، وهل صحيح كما تزعم إسرائيل أن هذه الأنفاق هي التي تزود حركة حماس وبقية حركات المقاومة الفلسطينية بالأسلحة والمعدات والذخائر؟

هذا السؤال يتردد كثيراً في الأيام الأخيرة خصوصاً من الجانب الإسرائيلي، حيث زعم المندوب الإسرائيلي في محكمة العدل الدولية يوم الجمعة 17 مايو، أن هناك 50 نفقاً بين غزة ومصر.

وزعم نائب المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية، غيل عاد نوعام، رصد 700 نفق في رفح الفلسطينية، بينها 50 نفقاً تتجه إلى مصر ومحتجز فيها أسرى إسرائيليون.

بالتزامن نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية افتتاحية ساخنة انتقدت فيها مصر، زاعمة أن القاهرة لم تدمر الأنفاق، وأنها خدعت إسرائيل طوال سنوات، ولعبت لعبة مزدوجة وجعلتنا ننام واختارت الانحياز إلى حماس وحان وقت الاستيقاظ.

تضيف معاريف: «كميات الأسلحة التي اكتشفها الجيش الإسرائيلي كانت هائلة الحجم، ولم يكن تسليح حماس ممكناً من دون المساعدة المصرية، وأن مصر لم تنحاز إلى إسرائيل في أي محفل دولي، والآن تنضم إلى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية».

هذه هي وجهة النظر الإسرائيلية وحرصت على توضيحها للموضوعية أولاً، وللرد عليها بصورة دامغة ثانياً.

السؤال الأول: هل كانت هناك أنفاق بين مصر وغزة؟!.

الإجابة هي نعم قاطعة ومؤكدة، هذه الأنفاق حفرت حينما انسحبت إسرائيل من قطاع غزة في العام 2005، وفرضت بعدها حصاراً شاملاً ومحكماً على القطاع من حدودها البرية ومن البحر المتوسط.

وحينما انقلبت حركة حماس على السلطة الفلسطينية في العام 2007، لجأت إلى حفر هذه الأنفاق كي تتمكن من إدخال كل ما تحتاجه.

فطنت مصر للأمر وبدأت عملية تدمير الأنفاق، وكان ذلك أثناء حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، خصوصاً أنه تم اكتشاف أن تجار الأنفاق يقومون بتهريب السلع التموينية المدعمة وكل شيء بما فيها حتى الأبقار والسيارات المسروقة!.

لكن الأخطر أنه وخلال زيادة العمليات الإرهابية التي شنها التكفيريون ضد السلطات المصرية في شمال سيناء بعد إسقاط حكم جماعة الإخوان في 30 يونيو 2013، اكتشفت مصر أن هؤلاء الإرهابيين يستخدمون الأنفاق للهرب من السلطات المصرية، ثم العودة لتنفيذ العمليات وبعدها يدخلون إلى غزة، وأن حماس ربما تكون زودتهم بالسلاح والتدريب والتوجيه، وهناك قضايا نظرها القضاء المصري في هذا الصدد.

نتيجة لكل ذلك قامت مصر بإجراءات عدة في الفترة من 2011 وحتى 2015، أهمها هدم أكثر من 2000 نفق وإقامة سور عازل على طول الحدود وإغراق المنطقة بمياه البحر. حركة حماس أدركت أن زمن جماعة الإخوان لن يعود، وأنها ستخسر كثيراً من معاداة مصر، فحدث التقارب بين الجانبين من جديد وحاولت مصر الصلح بين حماس وفتح، وتعهدت حماس بعدم العودة للأنفاق مرة أخرى وعدم الإضرار بالأمن القومي المصري.

السؤال الثاني: كيف تسلحت حماس بكل هذا القدر من الأسلحة، وهل مصدره مصر فعلاً كما تزعم إسرائيل؟!.

الإجابة ببساطة جاءت على لسان أكثر من مصدر موثوق ومنها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، بأن أكبر مصدر لتسليح حماس كان تهريب أسلحة من الجيش الإسرائيلي.

وهناك مصادر إسرائيلية كثيرة تؤكد أن التصنيع المحلي في ورش تحت الأرض مثلت جانباً كبيراً من تسليح الفصائل الفلسطينية، إضافة لإدخال العديد من الأسلحة عبر البحر المتوسط.

السؤال الثالث: هل يمكن لإسرائيل أن تكتشف 50 فتحة نفق متجهة من رفح الفلسطينية إلى رفح المصرية؟!.

الإجابة أن هذا ممكن وطبيعي جداً، فالأنفاق ربما لا تزال موجودة من جانب رفح الفلسطينية، لأن حماس لم تدمرها، لكن السؤال الأصح هنا يكون: هل فتحات هذه الأنفاق لا تزال موجودة في الجانب المصري؟!.

الإجابة هي لا، وعلى إسرائيل أن تثبت وجودها إذا كانت صادقة، خصوصاً أنها تسيطر الآن على كامل معبر رفح ومحور فيلادلفيا أو صلاح الدين. ثم أن مصر هدمت أكثر من 700 منزل لسكان رفح المصرية على الحدود، حتى تزيد المسافة العازلة بين الجانبين إلى أكثر من خمسة كيلومترات، وبالتالي فحتى الأنفاق التي لم تكن مصر قد اكتشفتها تعطلت وصارت بلا فائدة، فلا يمكن وجود نفق يستمر لأكثر من خمسة كيلومترات.

إذن الحقيقة الساطعة أن مصر حاربت الأنفاق بلا هوادة لسبب جوهري هو أنها مثلت خطراً محدقاً بأمنها القومي في وقت كانت إسرائيل تتعامل مع حماس باعتبارها رصيداً وكنزاً استراتيجياً لإدامة الانقسام الفلسطيني.

السؤال الأخير: ولماذا تلجأ إسرائيل لترويج هذه المزاعم ضد مصر الآن؟

الإجابة ببساطة لأن مصر تعارض العدوان الإسرائيلي على غزة، وتعارض تصفية القضية الفلسطينية، وتعارض تهجير الفلسطينيين، خصوصاً إلى سيناء المصرية، وتعارض احتلال رفح، وانضمت إلى دعوة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، وبالتالي قررت إسرائيل شن حرب إعلامية ودبلوماسية وسياسية ضدها في كل المحافل.

("البيان") الإماراتية

يتم التصفح الآن