مستقبل

رغم مرور ما يقرب من الثمانية أشهر على حرب غزة، إلا أن نهايتها لا تبدو قريبة، ليس فقط بسبب التعثر المتكرر في الوصول إلى هدنة، ولكن لأن إسرائيل وضعت شرطا غير قابل للنقاش، وهو ضرورة القضاء على حركة حماس واستبعادها من أي معادلة سياسية أو شراكة مع السلطة الفلسطينية في الحكم مستقبلا، ففي خطابه الأخير بمناسبة الذكرى السنوية لضحايا الحروب التي خاضتها الدولة العبرية، أكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مجددا تصميم بلاده على الانتصار الكامل على الحركة، ودون ذلك لا يمكن وقف إطلاق النار، معتبرا أنها حرب وجود لا مجرد حلقة في الصراع التاريخي بينهما، وقال نصا: إما نحن أو هم ولا يوجد خيار ثالث، لأن النصر على حماس من شأنه أن يضمن مستقبلنا، وردد وزير الدفاع يوآف جالانت تصريحات مماثلة قائلا: إنه لا بديل عن هذه الحرب، ولا مكان للحلول الدبلوماسية معها.

واللافت أن وزير الخارجية الأمريكى أنتوني بلينكن، قد حذر، بالتزامن مع هذه التصريحات، من الاجتياح الاسرائيلي لرفح الذي يعارضه الرئيس جو بايدن، لانه سيلحق أضرارا هائلة بالمدنيين وسيثير فوضى عارمة في المنطقة، ولن يضمن الاستبعاد النهائي لحماس التي عاد مقاتلوها، إلى المناطق المحررة في شمال غزة وحتى في خان يونس المدينة الجنوبية القريبة من رفح، مضيفا أن الولايات المتحدة قد تعمد إلى تعليق بعض أنواع الأسلحة المقدمة لتل أبيب حال أصرت على المضي في خطتها العسكرية، ومع ذلك أقر بموافقة واشنطن من حيث المبدأ على ضرورة إنهاء دور حماس تماما ووجودها في القطاع، ولكن الخلاف مع الحكومة الإسرائيلية هو فقط في الأسلوب، وأن هناك خطة أمريكية بديلة مقترحة، إلا أنه لم يتطرق لفحواها. وبالتالي تُصبح حماس تحت ضغوط شديدة، سواء لقياداتها الموجودة في الداخل، أو في بعض العواصم العربية والإقليمية. فمنذ انقلابها على السلطة الفلسطينية واستئثارها بحكم غزة في 2007 بعد انسحاب إسرائيل منها من جانب واحد، سعت للجمع بين تحالفات متناقضة، تركيا من ناحية، وإيران من ناحية أخرى، ثم قطر العربية التي تربطها علاقات جيدة بالطرفين، أي كانت بمثابة معامل التوازن في هذه العلاقات المعقدة.

ولكن في الآونة الأخيرة، بدأت الأمور بعد تعثر المفاوضات السابقة تأخذ منحى آخر ربما قد يقلب الموازين المستقرة منذ سنوات، صحيح أن وزير الخارجية القطري أشار إلى أن المكتب السياسي لحماس سيظل مفتوحا طالما استمرت الحرب إلا ان قادة الحركة قد يغادرون الأراضي القطرية مستقبلا. لا شك في أن لقطر حساباتها السياسية حماية لمصالحها الاستراتيجية وعلاقاتها المتشعبة مع القوى الدولية والاقليمية، فهي تجمع ما بين علاقاتها بطهران على سبيل المثال، وتتمتع في الوقت نفسه بعلاقات متميزة مع واشنطن، فضلا عن قنوات اتصال مفتوحة مع إسرائيل، ومن هنا تحاول دوما الحفاظ على دور متوازن مع جميع الأطراف.

لذلك تدل بعض التوقعات على أن تركيا قد تكون البديل الذي ستلجأ له حماس، على أساس أن إيران وهي الحليف الرئيسى لها، لا ترغب ووكلاؤها وعلى رأسهم حزب الله اللبناني، في الانخراط بشكل مباشر أو واسع في الصراع الدائر الآن، فهناك دائما سقف للمواجهة لا تتخطاه، ناهيك عن أنها لا تملك مقومات الوسيط بحكم خصوماتها المعروفة مع الجانبين الأمريكي والإسرائيلي. ولكن لأنقرة أيضا حساباتها، فعلاقاتها الوثيقة بالأمريكان وهي عضو في حلف الناتو، لا يمكن تجاهلها وكذلك بإسرائيل، وهو ما يجعلها حريصة على عدم المساس بالقواعد المستقرة لسياستها الخارجية. في هذا السياق، صرح وزير خارجيتها هاكان فيدان الذي التقى اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس بالدوحة مؤخرا، بأن قادة الحركة أعربوا عن قبولهم بحل جناحهم المسلح والتحول إلى حزب سياسي، فضلا عن قبولهم بالتسوية السلمية التي سبق ورفضوها من الأصل، مقابل إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، وبذلك تُدشن تركيا لدور قد يختلف عما ساد من قبل من حيث طبيعته ومضمونه، بإظهار نزعة الاعتدال التي طرأت على سلوك حماس، إلا أن فيدان حرص في الوقت نفسه على الاشارة في مقابلة مع قناة العربية، إلى أن استضافة بلاده لقيادات حماس غير وارد الآن.

والواقع، أن ما تقول به حماس اليوم ليس جديدا، فسبق وعدلت ميثاقها التأسيسي الذي كان يقضى بمحو إسرائيل، وإقامة دولة إسلامية على كل أرض فلسطين التاريخية، ووافقت في المقابل بصورة مرحلية على حل الدولتين، ومع ذلك لم يؤد هذا التحول النسبي إلى رفعها من قوائم الارهاب لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب استمرار التزامها بالمقاومة المسلحة، وبالتالي قد يكون العنصر الأخير هو الجانب الوحيد المختلف فيما أدلى به وزير الخارجية التركي، إن صح ووافقت حماس على نزع سلاحها، حسب تصريحاته. إذن هناك أزمة مصير تواجه مستقبل حماس ستتأكد إذا ما نفذت إسرائيل تهديداتها باجتياح كامل رفح أو تخلت عن المفاوضات حول رهائنها، ما يعني سقوط الورقة الوحيدة في يد حماس، بعد ما صرح رئيس وزرائها بأنه سيعيدهم أحياء أو أمواتا. أيضا هناك تحديات كثيرة أمام إسرائيل في القضاء تماما على حماس خاصة أنها لم تحقق هدفها المعلن بعد ٧ أكتوبر الماضي، وهو القضاء على قدرات حماس العسكرية. كما أنه طالما استمر الاحتلال ستظل المقاومة الفلسطينية مستمرة.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن