تزامنت مطالبة المدعي العام كريم خان المحكمة الجنائية الدولية بإصدار أوامر الاعتقالات لقادة الحرب الاسرائيليين وبعض قادة حماس مع قرار محكمة العدل الدولية إيقاف الحرب على رفح، وقد حفظ هذا التزامن هيبة القانون الدولي خاصة بعد أن ساوت الجنائية الدولية بين المجرم والضحية لأن الثمن الذي اضطر كريم خان، مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية، للتحرك، كان أكبر من أن يوصف بالباهظ وأشدّ من أن يوصف بالفادح، إذ مجموع الجرائم الإسرائيلية في غزّة، فوق أن توصف بالإبادة بهذا المستوى من السحق الممنهج والشامل لكل ما يقع في حدود قطاع غزّة.
وقد اتسم القرار بالعرج، وافتقد الاستواء المطلوب، وظلّ مختلا وإن بدرجة أقل من قبل وأيا كان الغضب من ذلك، فلا يعني الغفلة عن التحوّل المهمّ نحو ملاحقة إسرائيل التي بات حماتها ورعاتها غير قادرين على إنكار اقترافها جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية، وأنّ هذا التحول تاريخيّ، مهما اعترى مقدماته من قصور وخلل، يعني أن إسرائيل باتت في موضع مختلف عمّا كانت عليه طوال تاريخها منذ اصطناعها وحتى اللحظة.
وما يثير الدهشة هو أن المسؤولين الإسرائيليين اللذين تم اتهامهما و(طلب) إصدار مذكرات اعتقال بحقهما من المحكمة الجنائية الدولية هما الشخصان اللذان تريد واشنطن إبعادهما عن السلطة بشدة. والغريب أن كريم خان لم يصدر مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وجالانت فقط، بل ايضا بحق 3 من كبار المسؤولين فى حماس. حيث وجه للفلسطينيين 8 تهم، بينما وجه للإسرائيليين 7 تهم فقط ولم يستخدم كريم خان أبدا كلمة إبادة جماعية حين اتهم الإسرائيليين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين. رغم أن الكثير من الهيئات الدولية وصفت هذا بأنه إبادة جماعية، ورغم أن العالم يمكنه رؤية ما يحدث. من إبادة جماعية على الهواء منذ أكثر من سبعة أشهر مما يعني أنّ القانون الدولي نفسه مختلّ، وسدنته جزء من هذا الاختلال، لأنّه لا يراعي خصوصية القضية الفلسطينية، وكونها قضية تحرر، وكون إسرائيل بالكامل مستوطنة معسكرة، وأنّه لا يجوز في الأحوال كلها المساواة بين الدولة المعتدية المتفوقة تقنيّا والقادرة على ضبط فعلها الحربي بدقة والمقاومة المشروعة محدودة الإمكانات، كما لا يجوز المساواة بين فعلين مختلفين في السياق والحجم، ولا شرعنة فعل الدولة المعتدية تحت عنوان حقها في الدفاع عن نفسها في إطار نقد طرق هذا الحق وأشكاله مع الطمس الكامل لحق الشعب الخاضع للاحتلال في مقاومته.
وربما نستطيع الإجابة عن سؤال لماذا وكيف (؟) بالقول إن الجنائية الدولية مدعومة بشكل كامل من الولايات المتحدة وبريطانيا. وقبل تسلم كريم خان منصبه كانت المدعي العام السابق فاتو بنسودا أعلنت نيتها التحقيق مع الولايات المتحدة وطالبان بخصوص جرائم ضد الانسانية في أفغانستان، وعلى الفور قامت واشنطن بفرض عقوبات على المدعي العام، وسحب التأشيرة منها وحين تسلم كريم خان منصبه عام 2021، كان أول ما قام به هو إسقاط كل التهم ضد الولايات المتحدة بخصوص جرائم الحرب التي ارتكبتها في العراق وأفغانستان. ومن مهازل العدالة الدولية انه فور دخول الرئيس الامريكي جورج بوش البيت الابيض عام 2001، تقدمت إدارته بقانون حماية أعضاء الخدمة، وهو إجراء يسمح لأمريكا بغزو لاهاي عسكريًا في حالة اتهام المحكمة الجنائية الدولية أي فرد امريكي بجرائم حرب, حيث تقع المحكمة الجنائية الدولية في لاهاى.
ولهذا لا يمكن أن نضع ثقتنا في القانون الدولي لأن القانون الدولي يخضع بالكامل لسيطرة أكبر دولة داعمة لإسرائيل وهي بحق أكبر منظمة إرهابية في العالم.
("الأهرام") المصرية