لأول مرة منذ ثمانية أشهر على اندلاع حرب الإبادة الشاملة التي أقدمت عليها حكومة العنصريين الجدد في تل أبيب على قطاع غزة، بات هناك اقتناع بأنه آن الأوان لوقف تلك الحرب الملعونة، خاصة بعد ارتفاع أرقام القتلى لنحو 46 ألف شهيد بينهم عشرة آلاف مفقود تحت الركام، وأكثر من ٣6 ألفا قتلتهم آلة الحرب الإسرائيلية في سلسلة مذابح إجرامية، تتجاوز من حيث الوحشية والانتهاكات ما سطرته من حيث البشاعة الحرب العالمية الثانية، ناهيك عن ١٠٠ ألف من المصابين نصف أعدادهم يعانون إصابات جسيمة وعاهات هي والموت سيان تصاحبهم حتى نهايات حياتهم.
ربما يكون بروز بداية الضوء في نفق نهاية تلك الحرب، هو ما أعلنه الرئيس الأمريكي بايدن في الأيام الماضية عن خطة إسرائيلية جديدة، لإنهاء القتال ووقف الحرب والبدء في معاودة ماراثون المفاوضات المتعثرة والمتوقفة منذ آخر جولة في القاهرة بداية مايو الماضي، وربما تكون هناك بعض الآمال التي يمكن التعاطي معها بشأن فرص نجاح هذه الجولة القادمة، خاصة ان ردود أفعال الجانبين إسرائيل وحماس على طرح الرئيس بايدن، بها بعض الإيجابية التي يمكن البناء عليها.
وبشكل مباشر وصريح أقول إن هناك أسبابا عديدة ربما تلعب دورا ضاغطا من اجل إنجاح مفاوضات التهدئة القادمة، خاصة ان ما طرحته إسرائيل من خطة، وأعلن عنها وقدمها بايدن هي نفس الخطة والمقاربة التي قدمها الجانب المصري طيلة الأشهر الثلاثة منذ مفاوضات شهر رمضان هنا في القاهرة، مع بعض التباين الطفيف في المصطلحات اللغوية عند الصياغة التي أدخلتها تل أبيب برعاية أمريكية، حيث المراحل الثلاث طبقا للطرح المصري هو نفسه ما تتضمنه خطة إسرائيل المعدلة، وبالتالي الأساس متوافر للبناء عليه ووضع الآلية التنفيذية لترجمة ودخول خطط المراحل الثلاث حيّز التنفيذ بآلية يتفق عليها الجميع عبر ضمانات خطية إسرائيلية هذه المرة، تلزم تل أبيب بالتنفيذ الكامل بدلا من سياسة التهرب والتنصل التي كان يتبعها نتنياهو في آخر لحظة بشأن كل توافق يتم التوصل له في مفاوضات القاهرة، والإيعاز لوفده بعدم الالتزام بأي استحقاقات، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار ان العودة للمفاوضات لن تبدأ من نقطة الصفر، لسبب جوهري وهو ان هناك حلولا وتوافقات على العديد من القضايا كان قد تم التوصل إليها في مفاوضات القاهرة والدوحة طيلة الأشهر الستة الماضية، منذ تاريخ هدنة الأسبوع في نهاية نوفمبر الماضي ونجحت يومها القاهرة في تبادل سجناء وأسرى بين إسرائيل وحماس، وبالتالي إذا حدث الضغط الأمريكي والقبول الإسرائيلي هذه المرة، وفي ضوء ما قبلت به حماس مما جاء في خطاب بايدن الأخير وحديثها عن النظر بايجابية، واستعدادها للتعامل بشكل إيجابي مع أي مقترح يؤدي لوقف إطلاق النار، هذا من ناحية، أما الجانب الآخر لتزايد فرص النجاح والتفاؤل النسبي، ان حكومة الحرب في تل أبيب قد وصلت لنهايات حربها في غزة، وأصبح هناك اقتناع لدى زعيم القتلة في تل أبيب نتنياهو انه لن يستطيع تحقيق أهداف حربه في غزة، بعد كل ما فعله من نسف وإبادة للحجر والبشر، سواء ما يتعلق بعودة الأسرى والمحتجزين لدى حماس، بجانب اضطرابات الأوضاع الداخلية في إسرائيل وحالة العزلة الدولية التي تعيشها إسرائيل، وتزايد خسائرها على المستوى الدولي، والملاحقات الجنائية الدولية لشخصه ووزير دفاعه، ناهيك عن قرارات محكمة العدل الدولية بالإدانات الكاملة والكاشفة والفاضحة لإسرائيل، إضافة لمواقف دول العالم الرافضة والمستاءة من تصرفات النازيين الجدد في تل أبيب، مما أدى بالبعض منها لقطع العلاقات مع إسرائيل، واعتراف البعض الآخر خاصة في الاتحاد الأوروبي بالدولة الفلسطينية، رغم أنف إسرائيل ونتنياهو وضغوط الولايات المتحدة.
إضافة لكل هذه الاعتبارات هناك أسباب جوهرية أخرى، تتعلق ببنية العلاقات المصرية - الإسرائيلية، التي شكلت عنصرا ضاغطا في تاريخ هذه العلاقات، حيث لأول مرة منذ اتفاق كامب ديفيد عام ١٩٧٩، تشهد تلك العلاقات حالة من التوتر الشديد، بسبب مجمل المواقف المصرية الرادعة لسياسات إسرائيل برفض التهجير أو تصفية القضية، ورفض تهديد الأمن الإقليمي لشعوب ودول الإقليم من قبل تل أبيب ومغامرات نتنياهو، حيث مجمل الرسائل المصرية خلال الشهور الماضية لعب دورا بارزا في منع نتنياهو من تجاوز الخطوط الحمراء التي رسمتها مصر، وآخرها عدم القبول والتعاطي مع اي تمركز عسكري إسرائيلي في معبر رفح من الجانب الفلسطيني، وهو ما دفع الرئيس بايدن للطلب من القاهرة باستضافة مفاوضات ثلاثية مصرية - أمريكية - إسرائيلية، هذا الأسبوع لبحث ترتيبات طلبتها مصر لإعادة تشغيل معبر رفح، وضرورة انسحاب قوات الاحتلال من المعبر، والقبول بكل الاقتراحات المصرية وقواعد التفاوض التي قدمتها القاهرة، لضمان إنهاء الحرب ووقف القتال والانسحاب الإسرائيلي عبر «خريطة طريق» وضعتها مصر منذ مؤتمر القاهرة للسلام في أكتوبر الماضي، وبالتالي في ضوء كل هذه المعطيات هناك فرصة للحل وإنهاء الحرب، وتنفيذ الهدنة بمراحلها الثلاث بشرط الالتزام الإسرائيلي الكامل والأمين، بكل ما سيتم التوصل إليه لاحقا هنا في القاهرة من اتفاقيات، عندها فقط يمكن ان نرى بيقين بداية الضوء في نهاية نفق حرب غزة.
("الأهرام") المصرية