لم يتصور أحد وصول الدراما المرتبطة بشخص دونالد ترامب إلى هذا الحد الذي وصله الأسبوع الماضي بعد إدانته جنائيا بـ34 تهمة، قد تفضي عقوبتها المتوقعة إلى السجن، إلا أن الأكثر إثارة هو أن ترامب لم ينته بعد، إذ ينتظر الشعب الأمريكي والعالم كله ما سيأتي به ترامب من مفاجآت واستثناءات خلال الأسابيع والأشهر القادمة بصورة قد لا يتخيلها أكثر كُتاب الخيال الأدبي جموحا.
منذ ظهوره على الساحة السياسية الأمريكية قبل عقد من الزمان، سطر ترامب تاريخا أمريكيا جديدا، مع مجيئه مغردا من خارج أسراب التكتلات السياسية التقليدية والحزبية المعروفة. وفور ظهوره دمر قواعد الحزب الجمهوري، وسيطر عليه على الرغم من وقوف الكثير من رموز الحزب التاريخيين في وجهه.
هزم ترامب مرشحة الحزب الديمقراطي، هيلارى كلينتون، في انتخابات 2016، وقضى على إرث أحد أقوى عائلات الحزب الديمقراطي في العقود الأخيرة. كما نجح في تحصين نفسه أمام ملايين الأمريكيين والأمريكيات الذين لم يكترثوا لسقوطه الأخلاقي ولا بتدني منظومة القيم لديه، وازدرائه للقانون وللدستور.
حكم ترامب سنوات أربع كانت الأكثر إثارة في تاريخ أمريكا الحديث، وضاعف من إثارتها في آخر سنتين وصول فيروس كورونا إلى الولايات المتحدة ليقلب الأوضاع الصحية والاقتصادية والسياسية رأسا على عقب بصورة لم يتخيلها أحد. وأضفى المزيد من الإثارة على أوضاع لم يعرف العالم لها مثيلا مع بقاء مليارات البشر حبيسي المنازل.
ترامب نجح أيضا في أن يصبح الرئيس الأول في التاريخ الأمريكي الذي يتعرض لحالتي محاكمة وعزل من الكونجرس، المحاولة الأولى كانت بسبب طلبه المساعدة من الرئيس الأوكراني ــ فولوديمير زيلينسكي ــ لتشويه صورة منافسه في انتخابات 2020 جو بايدن. وكانت المحاولة الثانية لمحاكمته عقب رفضه الاعتراف بهزيمته في الانتخابات الرئاسية، وهو ما دعا الآلاف من أنصاره إلى اقتحام مبنى الكونجرس في محاولة لعرقلة توثيق نتائج انتخابات 2020.
بذلك أصبح دونالد ترامب الأول والوحيد ــ من بين 45 رئيسا عرفتهم الولايات المتحدة منذ تأسيسها قبل 240 عاما ــ الذي تتم محاكمته أمام مجلس الشيوخ مرتين بهدف العزل.
بعد خسارته انتخابات 2020 بتصويت أكثر من 81 مليون شخص لبايدن، مقابل 74 مليونا تقريبا لصالحه، لم يعترف ترامب أبدا بهزيمته، وهو ما يتسق مع مسار حياته. إذ لم يعترف أبدا بالهزيمة في أي شيء في حياته، سواء إذا تحدثنا عن إفلاسه في التسعينيات أو الأخطاء العديدة التي ارتكبها في مجال الأعمال التجارية والاستثمارية. فهو يعتقد بصدق أنه كان دائمًا منتصرًا، كما أنه يتبع النهج نفسه طيلة حياته، ولم يكترث بأي حقائق أو واقع يقول عكس ذلك.
طاردت الاتهامات ترامب من قبل خروجه من البيت الأبيض، واتهم بارتكاب 4 جرائم في ولاية نيويورك وولاية جورجيا، إضافة لاتهامات جنائية في ولاية فلوريدا وفي العاصمة واشنطن. وقبل أيام، وجد اثنا عشر محلفا في مدينة نيويورك أن دونالد ترامب مذنب بتزوير السجلات التجارية، والتستر على جرائم فيدرالية تتعلق بتمويل الانتخابات، في أول إدانة جنائية في التاريخ لرئيس سابق.
عادة ما تكون الإدانة بجناية قاتلة سياسيا لمرشح يظهر على بطاقة الاقتراع في غضون خمسة أشهر تقريبا، إلا أن العكس هو ما يحدث مع ترامب الذي جمع عشرات الملايين من الدولارات في الساعات التي أعقبت الإعلان عن الحكم بإدانته، مع ارتفاع نسب التأييد له في مختلف استطلاعات الرأي!
لا تمنع القوانين الأمريكية رئيسا سابقا لفترة واحدة من خوض السباق الرئاسي مرة أخرى، ولا تمنع كذلك مجرما مدانا من الترشح للبيت الأبيض. وحتى إذا حُكم على ترامب بالسجن، يمكنه أن يطلب من القاضي أو محكمة الاستئناف الإفراج عنه بكفالة في انتظار الاستئناف لإبقائه خارج الحجز بينما يطعن في إدانته.
إذا تم انتخاب ترامب رئيسا، فمن شبه المؤكد أنه سيبقى خارج الحجز أثناء وجوده في منصبه، لمنع التدخل في واجباته الرسمية. وحدد القاضي جلسة النطق بالحكم في 11 يوليو القادم، قبل أيام فقط من المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري الذى سيعلن فيه تسمية ترامب مرشحا رسميا للحزب.
يعد منصب رئيس الولايات المتحدة أهم منصب سياسي في العالم والأكثر خطورة، شئنا أم أبينا، إذ تؤثر طبيعة من يشغل المنصب وشخصيته في أحوال البشر حول العالم بطرق مباشرة أو طرق غير مباشرة.
وإذا أعيد انتخاب ترامب، ومع رفع يديه ليقسم على الحفاظ على الدستور وحمايته والدفاع عنه في 20 يناير القادم باعتباره الرئيس الـ47، فإن أمريكا سيقودها مجرم مدان تشمل واجباته أن يكون الرئيس الرمزي للنظام القضائي، وسيتم تأجيل البت في القضايا الثلاث التي يواجهها.
في هذا السياق، أصبح الأمريكيون والأمريكيات يتندرون بالسؤال، هل سيسجن القاضي ترامب؟ هل يعيد الشعب الأمريكي انتخاب ترامب في 5 نوفمبر القادم؟ ماذا لو أصبح ترامب رئيسا من جديد؟ هل سينتقم ترامب والحزب الجمهوري؟ وماذا لو خسر ترامب الانتخابات وتمت تبرئته بعد ذلك في الاستئناف لاحقا بعد إعلان النتائج؟
من جانب آخر، إذا كان من ينتمون للحزب الديمقراطي يعتقدون أن الكثير من نظيراتهن ونظرائهم الجمهوريين اليوم يشتكون من أن الانتخابات سُرقت عام 2020، فلنا أن نتخيل كم منهم قد يشكك في انتخابات نوفمبر المقبل لو خسرها ترامب.
("الشروق") المصرية