فبعد فشل محاولات الحكومة الإسرائيلية في إيجاد متعاونين معها من زعماء العشائر في القطاع، وكذلك فرض قوة أمنية فلسطينية تتبع رئيس مخابرات السلطة الفلسطينية ماجد فرج، لتكون بمثابة ذراع أمني وإداري يجنّبها تبعات الانخراط المباشر في إدارة القطاع وإعادة احتلاله، بدأ مجلس الحرب الإسرائيلي مناقشة طرح جديد مقدّم من جهاز الأمن، تحت مسمى "الفقاعات الإنسانية" وتجربته كنموذج لاستبدال سلطة "حماس".
الطرح الجديد كشف عن ملامحه وزير الحرب الإسرائيلي يوآف جالانت خلال زيارته للقيادة الجنوبية مطلع يونيو/حزيران الجاري: "في كل مرحلة لانتهاء الحرب لن نوافق على حكم حماس.. نحن ندفع بديل سلطوي لحماس سيتم من خلاله عزل مناطق.. وسنخرج رجال حماس وسندخل قوات أخرى تسمح بتطبيق سلطة أخرى".
وأضاف جالانت خلال حديثه عن ذلك التصور: "سيؤدي ما نسعى له إلى التوصل لهدفين من أهداف الحرب، وهما القضاء على حكم حماس وقوتها العسكرية وإعادة المختطفين.. فلن نقبل بحماس كحاكم لغزة".
ووفقاً لجالانت فإنّ "الفقاعات الإنسانية" تقتضي تقسيم قطاع غزّة إلى مناطق صغيرة على شكل فقاعات دائرية، يدخل إليها الجيش الإسرائيلي تدريجيًا، ويعمل على تطهيرها من عناصر "حماس"، ثم تدخل إلى تلك المنطقة قوات أخرى، هدفها ضبط الأمن وتشكيل حكم آخر يقضي على صورة سلطة الحركة.
ويدور الحديث في هذا الصدد عن عدة أحياء في شمال غزّة سيتم إمدادها بالمساعدات الإنسانية وستتعامل إسرائيل خلال ذلك مع "قادة محليين" من هذه الأحياء نفسها، على أن توفر الحماية لهذه الأحياء في البداية حتى لا تسيطر عليها "حماس" مجددًا. ووفقًا لصحيفة "معاريف" العبرية، فإنّ الجيش الإسرائيلي سيتفق مع الحكومة المحلية في غزّة على حرية عمله بالقطاع في أي وقت يشاء ما يعني ضمان سيطرته العسكرية على القطاع حال نجاح مخططه.
ثمة هدف آخر تستهدفه إسرائيل من خطة "الفقاعات" وهو توزيع إدارة القطاع وحكمه على مجموعات كثيرة، بما يضمن عدم تجمّعهم في كيان موحّد، ما يعني أيضًا دفع الحديث عن دولة فلسطينية موحّدة للوراء.
المدقق بالمشهد الراهن في القطاع، يمكنه بسهولة أن يلمس تعارض المخطط الذي يروّج له جيش الاحتلال وحكومته مع الواقع، ففيما يحدد جالانت أحياء الشمال لتطبيق فكرته بها بشكل تجريبي، باعتبار أنه تمكّن من القضاء على المقاومة بها، نجد أنه حتى الأسبوع الأخير فقط وبعد مرور قرابة التسعة أشهر على العدوان لا تزال صواريخ المقاومة تستهدف مناطق غلاف غزّة وبئر السبع وعسقلان، انطلاقًا من بعض مناطق شمال القطاع.
بخلاف ذلك كانت معركة جباليا الأخيرة، دليلًا دامغًا على حجم تواجد المقاومة في شمال القطاع، ومن قبلها عمليات بيت حانون، والتي تكاد تكون قوات الاحتلال قد مسحت مظاهر الحياة بها من على وجه الأرض.
دليل آخر على قدرة المقاومة وحجم قوتها في شمال القطاع الذي تعتزم حكومة الاحتلال البدء في تطبيق مخططها به، ما حدث مؤخرًا في مخيم النصيرات خلال عملية تحرير 4 أسرى، فرغم زعم الاحتلال القضاء على المقاومة في شمال القطاع ضمن المرحلة الأولى من الحرب، إلا أنه اضطر لشن ما يشبه الحرب الشاملة والاستعانة بخبراء وعسكريين أمريكيين لمساعدته في اقتحام المخيم واستخدام قوة نيرانية باشتراك كافة أفرع جيشه.
ويستبعد قيادي بحركة "حماس" نجاح الاحتلال في تمرير مخططه الجديد، مشيرًا في لهجة ساخرة إلى أنه سيحتاج إلى شن عملية عسكرية واسعة النطاق عند إقامة "كل فقاعة من فقاقيعه" ما يعني زيادة كبيرة في خسائره البشرية، مستشهدًا بما واجهه الاحتلال في بيت حانون وجباليا والنصيرات وغيرها من مناطق الشمال التي تشهد جميعها يوميًا عمليات ضد قوات الاحتلال.
ويرى القيادي الحمساوي في حديثه مع "عروبة 22" أنّ "العدوان سينتهي في نهاية المطاف بانتصار المقاومة وفشل نتنياهو وحكومته في فرض أي تصوّر من التصوّرات التي يروّجون لها"، مشددًا في الوقت ذاته على أنّ "اليوم التالي لن يكون إلا فلسطينيًا، يحدده الفلسطينيون وليس الأمريكان أو الإسرائيليون".
ولا تتوقف مؤشرات فشل مخطط الاحتلال الجديد، عند الأسباب العسكرية فقط، بل تمتد إلى أمور شعبية وسياسية أيضًا، فوفقًا لأحد القيادات العشائرية في غزّة، فإنه مهما ادعى جيش الاحتلال توفير غطاء أمني لأي جهة محلية أو عشائرية تتعاون معه، فإنه لن يجد في القطاع متعاون، خاصة وأنّ غزّة يغلب عليها الطابع الفصائلي أكثر من الطابع العشائري.
ويتفق القيادي العشائري البارز مع أنّ الحديث عن تلاشي أو تراجع قوة "حماس" في القطاع ليس بالأمر الدقيق، مشيرًا إلى أنّ تأثير إمام مسجد واحد يتبع لـ"حماس" يفوق تأثير أكبر القيادات العشائرية. ويوضح ذلك بقوله: "حماس في غزّة ما قبل تولي يحيى السنوار قيادة مكتبها السياسي في القطاع شيء، وبعدها شيء أخر"، لافتًا إلى أنّ "السنوار استطاع أن يعيد هيكلة الحركة سياسيًا وشعبيًا في القطاع، وأقام روابط وطيدة بين الحركة وزعماء العشائر بشكل جعلهم يستشعرون أنهم يشاركونه الأمر في إدارة القطاع، ما وفّر للحركة حاضنة شعبية واسعة وقوية ومتماسكة".
ستتلاشى "فقاعات" جالانت، كما تلاشت مخططات طُرحت من قبل عن "اليوم التالي"، تضع إسرائيل مشروعات أقرب إلى الأمنيات، لكن على أرض الواقع تصنع المقاومة ومن خلفها الشعب الفلسطيني طريقًا مخالفًا بصمودهم واستبسالهم.
(خاص "عروبة 22")