العديد من كُتاب الرأي في الصحف الإسرائيلية لديهم قناعة بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كاذب كبير ومراوغ من طراز فريد وأدمن واحترف النصب والاحتيال السياسي وبيع الأوهام للجمهور. وإذا كان يفعل ذلك مع جمهور بلاده، فماذا يمكن أن يفعل مع الجمهور العربي؟!
وإذا كانت تلك رؤية قطاع عريض في المجتمع الإسرائيلي فإن الحقيقة تقتضي القول بأن نتنياهو كان صادقا إلى حد كبير في حواره مع القناة رقم ١٤ الإسرائيلية يوم الأحد (قبل) الماضي.
نتنياهو قال بوضوح إنه يؤيد اتفاقا جزئيا لتبادل الأسرى المحتجزين لدى حركة حماس بحيث يعود بعدها إلى استئناف القتال للقضاء على المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
قال أيضا إن المرحلة العنيفة من الحرب في غزة على وشك الانتهاء، لكن هذا لا يعني أن الحرب نفسها على وشك الانتهاء، والهدف هو اجتثاث نظام حماس، وأن إسرائيل سيكون لها دور تؤديه على المدى القصير من خلال السيطرة العسكرية، وإنشاء إدارة مدنية بالتعاون مع فلسطينيين محليين إن أمكن، وربما بدعم خارجي من دول المنطقة بغية إدارة الإمدادات الإنسانية، وفي وقت لاحق إدارة الشؤون المدنية في القطاع.
لماذا نقول إن نتنياهو صادق في كلامه الأخير في أول حوار يجريه مع فضائية إسرائيلية منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في ٧ أكتوبر الماضي؟
الإجابة ببساطة لأن نتنياهو وبقية القادة الإسرائيليين أدمنوا الكذب والخداع واللف والدوران وأشاعوا أنهم يريدون السلام وأن المشكلة تكمن فقط في رفض حركة حماس لذلك.
والآن فإن نتنياهو كشف عن الإجابة الإسرائيلية الصادقة والحقيقية وهي أنهم يريدون فقط استعادة الأسرى أو أكبر عدد ممكن منهم حتى يتخلصوا من صداع أسر وأقارب والمتعاطفين مع الأسرى في المجتمع الإسرائيلي، ويتفرغوا بعدها للقضاء على ما تبقى من بشر أو حجر في القطاع.
المقاومة الفلسطينية كان لها مطلب جوهري أساسي في كل المفاوضات التي تلت العدوان الإسرائيلي وهي أن أي اتفاق لا بد أن يقود إلى وقف إطلاق النار وانسحاب إسرائيل تماما.
وقبل حوالى شهر خرج علينا الرئيس الأمريكي جو بايدن بمقترحات لم نعرف يقينا حتى الآن هل كانت إسرائيلية كما قال، أم أمريكية كما قال نتنياهو لوقف إطلاق النار.
المقاومة الفلسطينية كانت ذكية، هي لم ترفض المقترحات مباشرة، بل طالبت بآلية محددة لتطبيقها خصوصا أنها سبق أن وافقت على مقترحات محددة في المفاوضات، لكن نتنياهو تهرب منها في اللحظات الأخيرة، بل قام باجتياح رفح واحتل معبرها ومحور فيلادلفيا الموازي للحدود المصرية.
أهمية تصريحات نتنياهو الأخيرة ورفضه لأي وقف دائم لإطلاق النار يؤكد لكل من كان متشككا أن الهدف الإسرائيلي الجوهري هو تدمير قطاع غزة بالكامل وتحويله إلى مكان غير صالح للحياة.
تصريحات نتنياهو الأخيرة تكشف أن الولايات المتحدة كانت شريكا في هذا العدوان منذ بدايته وحتى الآن، فحينما تهرب نتنياهو من التوقيع على الاتفاق الذي جرى التوصل إليه في القاهرة وبعد أن صادق ووافق عليه وليام بيرنز وقبلته حركة حماس، لم نسمع أي تعليق أمريكي يدين إسرائيل، بل إن قرار مجلس الأمن الذي أصرت الولايات المتحدة على تمريره من الأمم المتحدة قبل حوالى ثلاثة أسابيع كان استمرارا لنفس مسلسل الخداع، لأنه لم يتضمن نصوصا قاطعة وواضحة تجبر إسرائيل على وقف إطلاق النار الدائم والانسحاب من القطاع.
ويحسب للمقاومة الفلسطينية أنها تجاوبت إلى حد كبير مع هذا القرار ومع كل المقترحات المشابهة وكل ما طلبته هو وجود آلية وضمانات محددة لوقف العدوان وانسحاب إسرائيل.
الآن ضاق الخناق على نتنياهو خصوصا بعد انسحاب عضوي مجلس الحرب بيني جانتس وغادي ايزنكوت، وفي نفس الوقت هو يتعرض لضغط شديد من عضوي الحكومة المتطرفين ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش لرفض أي صفقة أو اتفاق أو هدنة، بل والذهاب فورا لغزو وتدمير لبنان عقابا على مساندته للمقاومة الفلسطينية.
السؤال: ما الذي سيجبر المقاومة الفلسطينية على إطلاق سراح أي أسير إسرائيلي إذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يقول إنه سوف يستأنف العدوان بعد استرداد الأسرى؟!
أظن أن السؤال واضح وبسيط ولا يحتمل أي تأويل، خصوصا أن الفلسطينيين لم يعد لديهم الكثير الذي يخافون عليه بعد أن حولت إسرائيل القطاع إلى أطلال وقتلت أكثر من ٣٨ ألفا وأصابت أكثر من ٨٨ ألفا وشردت حوالى مليوني شخص.
("الشروق") المصرية