أسابيع جو بايدن الأخيرة

لم يعد أمام الرئيس جو بايدن في الحكم إلا سبعة أشهر تفصله عن موعد تنصيب رئيس جديد في العشرين من يناير المقبل. وبعد الأداء الكارثي لبايدن في المناظرة الرئاسية التي جرت يوم 27 يونيو أمام منافسه الرئيس السابق دونالد ترامب، أصبح من المستحيل تصور بايدن مرشحا في انتخابات نوفمبر المقبل، ناهيك عن إمكانية فوزه بها.

دخل بايدن المناظرة، التي شاهدها أكثر من 50 مليون ناخب أمريكي تليفزيوني، إضافة لملايين آخرين على وسائل التواصل الاجتماعي، لتحقيق هدف وحيد لا سواه، ويتمثل في طمأنة الشعب الأمريكي أن حالته الصحية ولياقته الذهنية والعقلية تؤهله لحكم البلاد لأربع سنوات إضافية تنتهي عام 2028 بعدما يكون تخطى الـ 81 عاما. وفشل بايدن فشلا ذريعا على الرغم من موافقة ترامب على كل شروط وطلبات الحزب الديمقراطي فيما يتعلق بالمناظرة وتوقيتها ومكانها، ومذيعيها وشروطها الفنية والإجرائية المختلفة.

وتركت المناظرة ملايين الأمريكيين مندهشين من أن فاصل الثلاث السنوات فقط الذي يفصل بين بايدن البالغ 81 وترامب البالع 78 من العمر، فقد بدا بايدن على منصة المناظرة كمن تخطى التسعين من العمر مقابل ترامب الذي ظهر منتشيا بصحته وبقدراته الذهنية على الرغم من تكرار كذبه وادعاءاته غير الصحيحة.

ولا يدور حاليا في دوائر ودهاليز السياسة الأمريكية إلا سؤال واحد يتعلق بكيفية مغادرة بايدن السباق الانتخابي، وكيفية التعامل مع هذا السيناريو الكارثي على الحزب الديمقراطي.

عقب المناظرة، وعندما سُئلت عن اللياقة العقلية للرئيس بايدن، أجابت حاكمة ولاية ميشيجان جريتشن ويتمير، وهي أحد الأسماء المطروحة لخلافة بايدن، أنه «لا يمكنك إخبار الناس كيف يشعرون، ولا يمكنك إخبار الناس أن يتجاهلوا شيئا يشككون فيه». وهذا ما حاول بايدن، ومن وراءه زوجته جيل بايدن وأخته فيلاري بايدن، وابنه هانتر، ودائرة صغيرة من مستشارين مسنين ممن عرفهم على مدار نصف قرن من العمل العام، إخفاءه عن العالم على مدار السنوات الماضية.

راهنت حملة بايدن على مناظرة مبكرة لوضع أسئلة الناخبين حول عمر الرئيس وقدراته جانبا، إلا أن العالم كله شاهد كيف أن هذا الرهان جاء بنتائج عكسية بشكل مذهل.

وعلى الرغم من أن قادة الحزب أصدروا سريعا بيانات شكلية لدعم الرئيس، إلا أن المخاوف لم تتراجع بشأن قدرة بايدن على قيادة الديمقراطيين إلى النصر في نوفمبر والقيام بواجباته في فترة ولاية ثانية، بل تضاعفت الضغوط عليه للتنحي، وهو ما يبدو أنه سيحدث قريبا.

حاول بايدن وزوجته وحلفاؤه، الإسراع بتعزيز احتمالات استمرار ترشحه باستخدام سلاح التخويف من التصدعات التي يمكن أن يواجهها الحزب الديمقراطي حال انسحاب بايدن.

وكرر أنصار بايدن أن انسحاب بايدن من شأنه الدفع بانزلاق الحزب إلى الفوضى وربما حرب أهلية داخل المعسكر الديمقراطي المكون من تيارات مختلفة قد يتنافس مرشحوها على بطاقة الحزب حال انسحاب بايدن.

يكرر بعض النواب والشيوخ الديمقراطيين من أعضاء الكونجرس أن من شأن استمرار بايدن في السباق الانتخابي ليس فقط فقدان البيت الأبيض، بل امتداد الخسائر لفقدان أغلبية مجلسي النواب والشيوخ، وهو ما يضمن سيطرة جمهورية على مفاصل الحكم الثلاثة الرئيسية، البيت الأبيض، والكونجرس والمحكمة العليا ذات الأغلبية الجمهورية. وسيمثل ذلك كابوسا للتيار الليبرالي الأمريكي وللكثير من حلفاء واشنطن خاصة أعضاء حلف الناتو والحلفاء الآسيويين، إذ لن يمنع ترامب أي جهة للقيام بما يريد داخل وخارج أمريكا حال ضمان السيطرة على مجلسي الكونجرس.

ولا يتوقع أي عاقل أن يتحسن الوضع الصحي والذهني للرئيس بايدن، بل على العكس تؤكد الآراء الطبية والعلمية الرزينة، أن حالة بايدن ستستمر في التدهور الطبيعي مع ارتفاع العمر، وهو تدهور بيولوجي طبيعي لن يوقفه إلا وفاة بايدن. ومن شأن أي سقطة أو هفوة أو ارتباك لبايدن خلال الأيام المقبلة أن تسهل ما أصبح مهمة سهلة بالفعل لترامب بالعودة للبيت الأبيض.

ولن يكتب النجاح لجهود بايدن الحثيثة لإعادة الثقة فيه كمرشح تنافسي في انتخابات نوفمبر المقبل، وفي الوقت الذي حلمت فيه حملة بايدن أن تصبح الانتخابات حول ترامب وما يمثله من قيم سيئة وما يمكن أن يسببه وصوله للبيت الأبيض من أضرار للمصالح الأمريكية، أصبحت الانتخابات كلية تتعلق ببايدن، وحالته الصحية والذهنية. من السيئ لأمريكا وناخبيها تحول السباق الرئاسي بعيدا عن القضايا الهامة التي تشكل وتؤثر في حياتهم اليومية وتطلعاتهم المستقبلية، إلى نقاش وجدل حول صحة مرشح وأهليته العقلية، وبين مخاوف من شخصية منافسه.

ودفعت طبيعة الحزب الديمقراطي (غير الديمقراطي) في نُظمه الداخلية، إلى أن يترك القرار بتنحي بايدن وحيدا بين يدي الرئيس الذي يكرر أنه ما زال قادرا على العطاء، واستكمال ما بدأ. وعلى الرغم من خروج بعض الأصوات المحذرة من استمرار بايدن، إلا أنها أصوات لا تمثل أغلبية الدائرة المؤثرة بالحزب.

ورفض كبار قادة الحزب، مثل رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، والرئيس السابق باراك أوباما، والمرشحة السابقة هيلاري كلينتون، وزوجها الرئيس كلينتون، دعوات انسحاب بايدن، وكرروا أنه «الوحيد القادر على هزيمة ترامب كما فعل قبل أربع سنوات». كما حاول هذا الفريق توجيه دفة النقاش العام حول ترامب وسلبياته، إلا أن جهودهم لم يكتب لها النجاح.

وبدلا من مواجهة الواقع الكارثي، اتجهت دائرة حلفاء بايدن كذلك إلى إلقاء اللوم على كبار مستشاريه، وعلى وسائل الإعلام، بسبب تركيزها على أدائه الكارثي في المناظرة، وطرح أسئلة جادة حول ترشيحه.

ربما يعتقد بايدن أن ما يحدث حاليا ما هو إلا زوبعة ستنتهي خلال أيام خاصة مع تعقيدات السيناريوهات البديلة، إلا أن الواقع كما أراه يدفع باتجاه الانقلاب على بايدن من داخل حزبه إذا لم يتخذ هو القرار الشجاع بالانسحاب ومنح راية القيادة لممثل جيل صاعد قبل انعقاد مؤتمر الحزب الديمقراطي العام لمدة 4 أيام بدءا من يوم 19 من الشهر المقبل. فهل يفعلها بايدن ويحمي حزبه الديمقراطي، أم يتمسك بالترشح بما يعنيه ذلك ضربات لحزبه الديمقراطي وللتجربة الديمقراطية الأمريكية؟.

("الشروق") المصرية

يتم التصفح الآن