"إسماعيل" - وهو اسم مستعار حسب طلبه – قال لـ"عروبة 22": "كل ما يهم المواطن المصري في كل حديث مدبولى الطويل والمكرّر هو موعد وقف انقطاع الكهرباء وانخفاض الأسعار"، وأردف سريعًا: "لا أحد يصدّق الحكومة في بلادنا.. وحتى الأموال التي جاءت تذهب إلى مشروعات لا قيمة حقيقية لها ودون أن يستفيد منها المواطن، مثل مقر مجلس النواب الجديد الذي لم نكن بحاجة إليه".
وكان مدبولي قد قدّم للبرلمان المصرى خطة متوسطة المدى تمتد لثلاث سنوات وتقدّم للمصريين وعودًا مشكوكًا في تنفيذها على كافه المستويات، بدءًا من الأمن القومي، مرورًا بالحراك والانفتاح السياسي، وصولًا إلى الاقتصاد والتعليم والصحة.
توقف ملايين المصريين ومعهم مئات الخبراء أمام الجانب الاقتصادي في خطة مدبولي، وسط أجواء من التشاؤم داخل وخارج قاعة البرلمان الجديد.
رئيس الحكومة تعهّد في برنامجه، بتوطين الصناعة عبر 122 فرصة أو مشروعًا استثماريًا جديدًا، حتى يصل بمعدل النمو إلى 4.2%، ورفع نسبة الاستثمارات الخضراء بنحو 50%، وتخفيض نسبة البطالة، وبناء 500 ألف وحدة سكنية لمتوسطي ومحدودي الدخل، وتحسين بيئة الأعمال والاستثمار، ومشاركة القطاع الخاص في تنفيذ الخطة.
ووعد أيضًا، بشكل بدا أنه حاسمًا، بإنهاء أزمة انقطاع الكهرباء خلال ستة أشهر من بدء تنفيذ برنامج حكومته، وتوفير السلع واستقرار أسعارها. وهما الأزمتان الأكثر ضغطًا على ملايين المصريين منذ نحو عامين.
وتكشف الأرقام الرسمية، لماذا يتشائم "إسماعيل" (موظف البرلمان)، وغيره من المصريين، إزاء إمكانية وجود حلول للوضع الاقتصادي المتأزم. ففي التوقيت نفسه لإلقاء مدبولي بيان حكومته، أصدر البنك المركزي المصري بيانًا، يوضح فيه ارتفاع نسبه التضخم بنسبة تقل عن 1% من ناحية، وانخفاض عائدات قناة السويس الدولارية من 6.2 مليار دولار إلى 5.8 مليار دولار. كما اتسع عجز ميزان المعاملات الجارية إلى 17 مليار دولار في 9 أشهر، بزيادة 300%.
ولم يقلل من نبرة التشاؤم ارتفاع العائد من تحويلات المصريين بالخارج بنحو 36% عن الشهر الماضي بنحو 2،7 مليار دولار، أو زيادة صادرات مصر الزراعية إلى أوروبا بـ2.7 مليار دولار، أو الزيادة الطفيفة في الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي. فالعجز في الموازنة لا يزال عميقًا والثمن للخروج من الأزمة الاقتصادية فادحًا.
يقول الخبير الاقتصادي، الدكتور رشاد عبده لـ"عروبة 22" إنّ "الحكومة الجديدة تعهدت بتحسين الخدمات المقدمة للمواطن وحل المشكلات التى تواجهه مثل الغاز والكهرباء، إلا أنّ المقابل سيكون رفع الدعم بشكل كامل عن هذه الخدمات على مدار العام المقبل بحد أقصى".
أما الخبير الاقتصادي، هاني توفيق، فيرى أنه "على الرغم من واقعية وشفافية بيان الحكومة، إلا أنه ينقصه التركيز على إيجاد حلول لتقليل الفجوة بين سعر الدولار الحقيقي والسعر الرسمي لخفض التضخم في الفترة المقبلة".
بعبارة مختصرة، فإنّ الخطوة المقبلة للحكومة المصرية تقع في المسافة ما بين السولار والدولار، فإما أن يتم رفع أسعار السولار مثلما أشار رئيس الحكومة نفسه في أول مؤتمر إعلامي له أو يتم تعويم جديد للجنيه، وذلك سعيًا للحصول على الشريحة الجديدة من قرض صندوق النقد والتي تم تأجليها بشكل مفاجئ إلى آخر الشهر الجاري.
ويشير الخبير الاقتصادي، مدحت نافع، إلى أنّ "الاعتماد على صندوق النقد يُعد فكرة غير فعالة، وعلى الحكومة أن تبحث عن بدائل استثمارية وحلول أخرى لأنّ شروط الصندوق غير مرنة ولا قابلة للتفاوض وتضر بكل من المواطن والاقتصاد معًا".
ويعطي مدحت مثالًا، طلب الصندوق رفع الدعم بشكل كامل عن المواد الخام للأدوية وهو ما يتعارض مع اتجاه مصر بتصنيعها محليًا. وبالمثل فإنّ رفع الدعم بشكل كامل عن المحروقات والخدمات يشلّ بيئة الاستثمار.
ويخشى الخبراء الذين تحدثوا لـ"عروبة 22" من عودة الوضع الاقتصادي إلى ما قبل صفقة "رأس الحكمه" التي وفّرت لمصر أكثر من 25 مليار دولار ساهمت بشكل حاسم في عبور أخطر وأسوأ أزمه مالية شهدتها البلاد منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011.
لكنّ سفيرًا مصريًا مخضرمًا ومقرّبًا من الحكومة أكد لـ"عروبة 22" أنّ ما لم يرد في بيان الحكومة اهم مما كشفه مدبولي في بيانه. وقال السفير - طلب عدم ذكر اسمه - إنّ "الحكومة تجهز لصفقتين على غرار "رأس الحكمة"، إحداهما صفقه بيع المقارات الوزراية في وسط العاصمة ضمن خطة لبيع المزيد من أصول الدولة، أما الصفقة الأخرى فهي لا تزال في الكواليس وستكون مفاجأة"، لافتًا إلى أنّ "التدفقات الدولارية لهذة الصفقات هي الدعم الأساسي الذي تعتمد عليه الحكومة المصرية"، ومشيرًا إلى أنّ "دولة الإمارات سيكون لها نصيب الأسد في الصفقات المرتقبة".
مرة أخرى، ويبدو أنها لن تكون أخيرة، تعوّل الحكومة المصرية على بيع الأصول و"روشتة" صندوق النقد، ليظل الاقتصاد المصري يدور في الدائرة المفرغة نفسها ما لم تحدث معجزة تنقله من "اقتصاد البيع" إلى "اقتصاد الإنتاج".
وبتعبير السفير المخضرم، فإنّ الاقتصاد المصري في ظل استمرار سياسات الحكومة هو "اقتصاد التقدّم للخلف"، فهناك العشرات من المشروعات الجديدة المزمع إنشاؤها، لكنها لا تدرّ عوائد سريعة في شريان الاقتصاد ولا توفر وظائف مستدامة، ما يزيد من فاتورة الديون التي شدّت الاقتصاد إلى الخلف.
(خاص "عروبة 22")