جاءت محاولة الاغتيال لتقلب كافة الحسابات رأسًا على عقب ولتزيد من موقف الرئيس الأمريكي صعوبة والشكوك في قدرته على هزيمة ترامب. فبايدن لم يعد يواجه فقط منافسه الجمهوري صاحب المواقف الشعبوية والعنصرية المثيرة للجدل والذي اتهمه أنه خطر على مستقبل الديمقراطية في أمريكا، لكنه يواجه "الشهيد الحي دونالد ترامب" من وجهة نظر أنصاره.
رفض ترامب الخبير في البرامج التلفزيونية الاستعراضية طلب أفراد الحراسة الخاصة النزول سريعًا من على المنصة والتوجه لسيارته وقال لهم "انتظروا.. انتظروا" ثم قام برفع قبضته عاليًا بينما وجهه مخضب بالدماء وصاح مطالبًا أنصاره بـ"القتال"، وسريعًا تحوّلت هذه الصورة وفي الخلفية العلم الأمريكي إلى أيقونة الحملة الانتخابية لترامب الذي سعى طوال الشهور الماضية إلى تصوير نفسه أنه مناضل مضطهد من قبل الدولة العميقة التي يترأسها بايدن.
في كل حدث تم ترتيبه لإثبات كفاءة بايدن يحبس أفراد الدائرة المحيطة به أنفاسهم في انتظار الفضيحة التي سيرتكبها
حتى وقوع محاولة الاغتيال، كان القائمون على حملة بايدن يصرون أنّ التأثير الكارثي لأدائه الهزيل في المناظرة يمكن تجاوزه قبل موعد إجراء الانتخابات في 5 نوفمبر/تشرين الثاني بعقد المزيد من المهرجانات الانتخابية واستضافة قمم دولية وإجراء مؤتمرات صحفية.
ولكن في كل حدث تم ترتيبه لإثبات كفاءة الرئيس الأمريكي وتأكيد قدرته ليس فقط على هزيمة ترامب، ولكن كذلك أداء مهام منصبه لأربع سنوات تالية، يحبس أفراد الدائرة الضيّقة المحيطة به أنفاسهم في انتظار الفضيحة التي سيرتكبها بايدن والتي ستزيد من صعوبة الدفاع عنه ومواجهة الدعوات المتصاعدة بتنحيه.
في أول مقابلة أجراها بعد المناظرة مع محطتين محليتين للإذاعة يتمتعان بشعبية في أوساط الأمريكيين السود، قال بايدن إنه يفتخر لكونه "أول امرأة سوداء تشغل منصب نائب الرئيس لرئيس أسود،" بينما كان يقصد بالطبع أنه أول نائب رئيس "أبيض" في عهد أول رئيس أمريكي من أصول أفريقية هو باراك أوباما. وربما كان ذهنه شاردًا في التفكير في نائبته كاميلا هاريس أول امرأة من أصول أفريقية-لاتينية تشغل منصب نائب الرئيس.
وبعد مقابلة فاترة مع قناة "ايه بي سي" الأمريكية في الخامس من يوليو/تموز، سعى القائمون على حملة بايدن إلى تركيز الانتباه على قمة "الناتو" التي استضافها بايدن مؤخرًا في واشنطن. حتى جاءت الفضيحة التي زادت من مخاوف الأمريكيين من أنّ بايدن يعاني من مشاكل ذهنية حقيقية عندما قام الرئيس الأمريكي بتقديم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للحضور في ختام قمة الناتو، قائلًا: "والآن يشرّفني أن أقدّم لكم الرئيس فلاديمير بوتين". وعلى عكس ما يحدث عادة، تنبّه بايدن أنه ارتكب خطأ ما، وعاد سريعًا للميكروفون ليقول: "أقدّم لكم الرئيس زيلنسكي.. اعذروني كنت أفكر في هزيمة بوتين".
وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده منفردًا على مدى ساعة في ختام القمة، وفي محاولة واضحة أخرى من حملته للتأكيد على أنه بصحة جيدة وقادر على الوقوف منفردًا في مواجهة وسائل الإعلام دون ترتيب مسبق، فشلت المحاولة سريعًا في رده على أول سؤال والذي تعلّق بثقته في نائبته كاميلا هاريس وقدرتها على شغل منصب الرئاسة في حال خلوه. رد بايدن: "بالتأكيد لديّ ثقة في نائب الرئيس دونالد ترامب".
ومع تأكيد استطلاعات الرأي المتتالية أنّ ثلثي الأمريكيين يرون أنه لا يصلح لشغل منصب الرئاسة، والتصاعد المنتظم للدعوات لتنحيه وتخلي بعض أقرب حلفائه عنه، تتزايد القناعة لدى بعض قادة الحزب الديمقراطي أنّ بايدن يعيش عمليًا في فقاعة وحصار يفرضه عليه عدد محدود من مساعديه وأفراد أسرته المتمسكين ببقائه في السباق.
ولعل أكبر دليل على ذلك هو سعيه في المقابلة مع قناة "ايه بي سي" للتقليل من أهمية نتائج استطلاعات الرأي التي ظهرت في أعقاب المناظرة مع ترامب، قائلًا إنّ مساعديه يقدّمون له معلومات مختلفة ويؤكدون أنّ المنافسة صعبة وقريبة للغاية، ولكنها ليست محسومة.
مرحلة ما بعد محاولة اغتيال ترامب لن تكون كما كان الوضع قبلها ما قد يزيد من الضغوط على بايدن للتنحي
ولكن كل هذه الزلات والفضائح تتضاءل الآن أمام التحدي الذي يواجهه بايدن في أعقاب محاولة اغتيال ترامب والزيادة المتوقعة في حجم شعبيته وتمسك أنصاره بالدفاع عنه بل واعتباره الآن "مناضلًا ثوريًا".
لم تتضح بعد استراتيجية فريق بايدن للتعامل مع آثار محاولة قتل ترامب الفاشلة، خاصة وأنّ خططهم المقبلة كانت تقوم على تركيز الهجوم على ترامب شخصيًا والخطر الذي يرون أنه يمثّله على مستقبل أمريكا، لكن من المؤكد أنّ مرحلة ما بعد محاولة الاغتيال لن تكون كما كان الوضع قبلها، وهو ما قد يزيد من الضغوط على الرئيس بايدن للتنحي والعثور على مرشح آخر يستطيع خوض هذه المعركة الصعبة.
(خاص "عروبة 22")