صحافة

تدمير مستشفيات غزّة وخطر الإشعاع النووي

خالد أبو بكر

المشاركة
تدمير مستشفيات غزّة وخطر الإشعاع النووي

تابعت الاجتماع الطارئ لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من مقر انعقاده في فيينا يوم الجمعة الماضي. والذي انعقد بناء على طلب أوكرانيا، بسبب هجوم وقع في الثامن من يوليو الجاري على مستشفى للأطفال في كييف، يستفيد من برامج التعاون التقني للوكالة، ويضم مرافق تستخدم التكنولوجيا النووية والإشعاعية للأغراض السلمية مثل الفحص الطبي والعلاج خصوصًا في الأمراض السرطانية، واتهمت كييف موسكو بالمسؤولية عن استهدافه بالصواريخ وهو ما تنفيه الأخيرة.

على الرغم من أن الوكالة أعلنت عبر حسابها على منصة إكس بعد يومين من الهجوم أن أوكرانيا أبلغتها بعدم وجود مصادر مشعة في المستشفى، ولا توجد مخاطر تتعلق بالسلامة النووية أو الأمنية في الموقع، إلا أن مجلس المحافظين المؤلف من 35 دولة أصدر قرارًا يدين تعطيل المساعدة التقنية التي تقدمها الوكالة لأوكرانيا من خلال الضربة العسكرية التي استهدفت المستشفى، بأغلبية 20 صوتًا مقابل صوتين معارضين مع امتناع 12 عضوًا عن التصويت.

هذا التحرك العاجل والقوي الذي قامت به أوكرانيا واستجاب له المجتمع الدولي لدرجة انعقاد جلسة طارئة لمجلس الأمن، واجتماع طارئ لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وانتهائه بقرار يدين الهجوم على مستشفى واحد في أوكرانيا جعل الكثير من السفراء المندوبين الدائمين لدولهم لدى الوكالة في فيينا، وكذلك الكثير من الخبراء يتساءلون عن صمت هذه الوكالة التابعة للأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية والدول العربية عن واقع سلامة وأمن المصادر المشعة الطبية في المستشفيات التي دمرها القصف الإسرائيلي في غزة خلال الأشهر التسعة الماضية، والتي يصل عددها 24 مستشفى.. فلم تطلب أي من الجهات السابقة عقد اجتماع طارئ يندد بالخطر الإشعاعي في غزة على غرار ما حدث مع أوكرانيا.

في هذا الصدد كتب الدكتور طارق رؤوف الرئيس السابق لسياسة التحقق والأمن في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قائلًا: «رغم أن الوكالة كانت صريحة بحق، بما في ذلك في مجلس الأمن، في التحذير من مخاطر إطلاق مواد مشعة نتيجة للهجمات العسكرية على مفاعلات الطاقة النووية في أوكرانيا؛ فإنها التزمت الصمت بشكل غريب بشأن مخاطر قصف المستشفيات التي تستخدم فيها مصادر مشعة عالية الفعالية للاستخدامات الطبية، كما هو الحال في غزة والآن في أوكرانيا».

وأضاف الدكتور رؤوف في مقال نشرته وكالة IDN-InDepthNews في 11 يوليو الجاري أنه بالإضافة إلى الدمار الذي لحق بمستشفى للأطفال في كييف نتيجة القصف، فوفقًا لصور الأقمار الصناعية فقد تضررت أو دمرت 24 مستشفى في قطاع غزة. وحتى وقت كتابة هذه السطور، لم يتم الإعلان عن عدد ونوع المصادر المشعة الطبية في مستشفى الأطفال في كييف؛ في حين أنه وفقًا لأحدث التقديرات، تم استخدام ما لا يقل عن 27 مصدرًا مشعًا في المستشفيات المدمرة أو المتضررة في غزة.

يؤكد الدكتور رؤوف، أنه يمكن للمصادر المشعة في الاستخدامات الطبية وغيرها أن تشكل خطرًا إشعاعيًا خطيرًا؛ ذلك أن عمال الإنقاذ والعاملين الطبيين والمدنيين والعسكريين جميعهم معرضون لمخاطر الإشعاع الناجمة عن المصادر المشعة الطبية التالفة في المستشفيات التي تم قصفها.

ولتبيان خطورة المصادر المشعة الطبية التالفة ضرب مثلًا بما جرى في حادثة جويانيا في البرازيل عام 1987، التي تعد أسوأ حادثة في العالم تتعلق بمصدر مشع. فقد وصلت كمية من كلوريد السيزيوم المشع إلى ساحة الخردة دون أن يتم اكتشافها لأكثر من أسبوعين. وترتب على ذلك أنه جرى مراقبة أكثر من 112 ألف شخص، وتبين أن حوالى 250 شخصًا منهم ملوثون نتيجة التعامل مع المصدر المشع، وتوفي أربعة في الشهر الأول.

وفقًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن إرث غويانيا بالإضافة إلى الخسائر البشرية، هو 3000 متر مكعب من النفايات الملوثة، مدفونة في مستودع قريب من السطح على مشارف المدينة، حيث يجب عزلها لمدة 300 سنة مقبلة. وفي وقت لاحق، قامت الوكالة بالتعاون مع الدول الأعضاء بوضع نهج «من المهد إلى اللحد» لكي تتحمل البلدان مسؤولية الحفاظ على سلامة وأمن المواد المشعة. وعلى مر السنين، ساعدت الوكالة الدول على تأمين مئات المصادر المشعة، لكن ظهرت الآن فجوة مع هذه المصادر في المرافق الطبية التي تعرضت للقصف.

ونختم بطرح هذا السؤال: «هل يمكن أن نرى في القريب تحركًا من جانب السلطة الفلسطينية والدول العربية للتنديد بهذا الخطر الإشعاعي في غزة على غرار التحرك العاجل لأوكرانيا في الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الأمن؟».

("الشروق") المصرية

يتم التصفح الآن