صحافة

الرهانات المستحيلة لحرب الإبادة في غزة

د. عبدالعليم محمد

المشاركة
الرهانات المستحيلة لحرب الإبادة في غزة

حرب الإبادة التي شنها التحالف الحاكم الإسرائيلي اليميني المتطرف على غزة والمقاومة، منذ 8 أكتوبر 2023، يبدو حتى الآن أنها لن تتوقف، كما تأمل جميع الأطراف، وإن توقفت فسوف يكون ذلك في شكل هدنة مؤقتة وليس وقفا دائما ونهائيا، لإطلاق النار، أو الدخول في مفاوضات لتسوية الصراع على قاعدة حل الدولتين، بل يرتبط هذا التوقف المؤقت من وجهة النظر الإسرائيلية بحق إسرائيل في استئناف الحرب والإبادة والاستمرار في القتل والانتقام حتى أجل غير معلوم.

واستعصاء هذه الحرب الهمجية على التوقف النهائي، يعود إلى طبيعة الرهانات الإسرائيلية المرتبطة بها والتي يؤيدها في هذا التوجه التحالف الأمريكي الغربي؛ رغم أن ظاهر الأمور يبدو غير ذلك؛ حيث يطالب هذا التحالف بوقف دائم لإطلاق النار والتوجه صوب استئناف المفاوضات حول حل الدولتين، تريد إسرائيل لهذه الحرب ومن خلالها تصفية القضية الفلسطينية وحمل الشعب الفلسطيني على الهجرة والتهجير القسري، وشطب حل الدولة الفلسطينية المجاورة لإسرائيل من المعادلة نهائيا وإلى أجل غير معلوم، وذلك وفق خطة الحسم المطروحة منذ 2017، ووافقت عليها جميع القوى السياسية اليمينية والدينية واليسارية الصهيونية في عام 2018، وهذه الخطة المشئومة تقضي بإنهاء حل الدولة الفلسطينية وضم الأراضي في الضفة الغربية وتدعيم الاستيطان ماديا وسياسيا، وحمل أبناء الشعب الفلسطيني على الاختيار بين الهجرة للخارج أو العيش في دولة يهودية وفق النظم والقوانين اليهودية، ومن يرفض ذلك ويقاوم فمصيره القتل والسجن والاعتقال من خلال الجيش وأجهزة الأمن. وبناء على ذلك فإن حرب الإبادة ليست مقصورة على حركة حماس أو المقاومة وإنما هي موجهة بالأساس إلى الوجود الفلسطيني والشعب الفلسطيني.

وتحقيقا لهذا الهدف فإن هذه الحرب الإجرامية تستهدف خلق نموذج للقتل والتدمير والإبادة، لكي يكون ماثلا في الأذهان لجميع الأطراف المباشرة وغير المباشرة في هذه الحرب، إن في لبنان أو الضفة الغربية أو في اليمن أو في غيرها من المحيط العربي، والتصريحات الإسرائيلية العديدة تذهب في هذا الاتجاه حيث تتوعد القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية لبنان بالعودة إلى العصر الحجري، وكذلك دعوة وزير الدفاع لرؤية الحرائق المشتعلة في اليمن، ومشاهدة كل الشرق الأوسط لذلك، والهدف الإسرائيلي من ذلك هو أن تصل جميع الخيارات الفلسطينية السياسية الدبلوماسية وكذلك خيار المقاومة إلى الصفر، ولا يبقى أمام الشعب الفلسطيني إلا ما تقبل به إسرائيل والحلف الغربي الذي يدعمها عمليا، ويلوح للشعب الفلسطيني والعالم العربي بخطاب لفظي عن الوقف الدائم لإطلاق النار وحل الدولتين، دون أن يلتزم فعليا وواقعيا بأي أجندة عملية لجعل هذا الخيار قابلا للتطبيق؛ أي بلورة مواقف جادة إزاء إسرائيل مثل فرض العقوبات أو الحصار والمقاطعة أو التلويح بالتدخل؛ لحماية الشعب الفلسطيني على غرار ما حدث في تيمور الشرقية أو صربيا مثلا، وأصبحت المعادلة التي تحكم التحالف الأمريكي الغربي المؤيد لإسرائيل تنحصر في كلمتين السلاح والدعم اللوجستي والسياسي والقانوني لإسرائيل مقابل مجرد الوعود والكلمات للشعب الفلسطيني والعالم العربي. من ناحية أخرى فإن حرب الإبادة ضد المقاومة وقطاع غزة ورغم فداحة الجرائم والانتهاكات فإن نتائجها وتداعياتها المقصودة إسرائيليا تمتد إلى الضفة الغربية والقدس، ذلك أن هذه الحرب وإن كانت جغرافيا في غزة فإن الضفة الغربية هي الغنيمة الكبرى، فالمستهدف من زاوية التخطيط الاستراتيجي للحرب هو تخويف الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وتذكيره بالمآل الذي ينتظره في القريب العاجل، إذا ما تصور أن المقاومة هي السبيل الأمثل لنيل حقوقه، الهدف إذن هو إخضاع الشعب الفلسطيني إن في غزة أو في الضفة الغربية. في هذا السياق أي تحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية فإن الغايات تبرر الوسائل، وتستثمر إسرائيل بدعم من التحالف الغربي كل الذرائع المقدمة ومن بينها صفقة التبادل «أو مقترح بايدن أو مقترح إسرائيل بايدن، أو قرار مجلس الأمن 2735، الذي ارتكز عليها، ذلك أنها تستخدمه لكسب المزيد من الوقت وإطالة أمد الحرب والمزاوجة بين قبول الصفقة ورفضها من خلال فرض الشروط الكفيلة بتعطيل إنجازها أو تطويع الصفقة لكي تستوعب أهداف إسرائيل في استمرار الحرب على غزة. وعلى غرار الاستثمار الإسرائيلى لصفقة التبادل والمقترح الأمريكى، تنخرط مقولة اليوم التالي للحرب على غزة، ذلك أن هذا المفهوم يمنح إسرائيل الوقت لإنجاز مهمتها القذرة في غزة والضفة ويسهم في التغطية على الأهداف الحقيقية لحرب الإبادة، وفي واقع الأمر فإن مقولة اليوم التالي ما هي إلا مناورة إسرائيلية غربية تستهدف تعميق الأوهام وتغطية الحقائق، كما لو كان تحديد معالم اليوم التالي كفيل تلقائيا بإنهاء الحرب أو تغيير مسارها الواضح نحو الفشل الاستراتيجي؛ اليوم التالي هو اليوم الحالي وأهداف اليوم التالي هي ذاتها أهداف اليوم الحالي أي تصفية القضية الفلسطينية وإنهاء وجود حل الدولتين وتوافق كافة القوى السياسية في إسرائيل حول خطة الحسم وتعزيز الممر الهندي الأوروبي وحرمان الشعب الفلسطيني من موارده الطبيعية في النفط والغاز في سواحل غزة، ومحاولات الضغط على العالم العربى لقبول الحل الإسرائيلي، في مواجهة هذه الأهداف وتلك الخطط يثبت الشعب الفلسطيني أنه الفاعل الرئيسي في المشهد من خلال رفض التهجير والتمسك بأرضه وإصراره غير المسبوق على التمسك بحقوقه المشروعة. لم تترك إسرائيل في حربها الوحشية والهمجية ضد الشعب الفلسطيني جريمة إلا وارتكبتها، ومع ذلك فإن إسرائيل لن تستطيع طمس حقوق الشعب الفلسطيني، ولن تفعل أكثر من تسويد صفحتها بأكثر مما هي مجللة بالسواد واللا أخلاقية.

(الأهرام المصرية)

يتم التصفح الآن