هل أراد رئيس الوزراء الإسرائيلي نيتانياهو التقاط صورة النصر الذي عجز عن تحقيقه منذ السابع من أكتوبر الماضي؟ وهل حقق له اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ومن قبله بساعات فؤاد شكر القائد العسكري البارز في حزب الله ما أراد من نصر ساحق وعد به اليمين الإسرائيلي المتطرف؟ وهل يمكن للولايات المتحدة أن تتوصل إلى تحقيق صفقة مفادها ألا ترد إيران أو حزب الله على إسرائيل مقابل وقف إطلاق النار في غزة؟ ويكون كل فريق حصل على شىء، ويتم احتواء الحرب الواسعة والوشيكة.
إنها مقامرة يمكن أن تنقلب على هذا الهدف، وأن تدفع الحرب إلى مستويات أشد ضراوة، فليس من السهل على إيران أن تصمت أو تتهاون في الرد على اغتيال إسماعيل هنية، خاصة على أراضيها وفي ضيافتها، وهذا يرجح أن الرد الإيراني سيكون قويا، لأنها تعتبر الاغتيال انتهاكا للسيادة، واعتداء وتهديدا لأمنها، والأهم أنه إهانة لها، وغالبا هذا هدف متعمد، أراد به نيتانياهو أن يستعيد بعض قوة الردع الإسرائيلية، التي تضررت بشدة في الشهور الأخيرة، وظهر جيشه عاجزا في المعارك، ولا يحقق انتصارا إلا على المدنيين العزل من النساء والأطفال، وهدم المساكن على رءوس ساكنيها، وتدمير المستشفيات والمدارس وكل مكان يلجأ فيه السكان، حتى الخيام.
لا يمكن لإسرائيل أن تستعيد قوة الردع بالاغتيالات، فهذه الوسيلة ليست علامة قوة، بل تضيف إلى السقوط الأخلاقي، الذي ارتكبته إسرائيل، من مئات المجازر التي يشاهدها العالم على الهواء، ولو كانت أي دولة أخرى ارتكبت واحدا بالمائة مما ارتكبت إسرائيل لأصبحت منبوذة ومطاردة ومعزولة. والعالم لن يحتمل تلك الوضعية الشاذة التي تعتمد عليها إسرائيل، بأنها فوق كل القوانين والأعراف الدولية، وأن معها تصريحا مفتوحا بقتل من تشاء في أي وقت تشاء بلا أي مساءلة أو محاسبة أو حتى انتقاد.
لقد ضاق العالم بهذه الهمجية، ولهذا رأينا المظاهرات تطارد نيتانياهو في الولايات المتحدة، واحتشدت حول الكونجرس، واتهم نيتانياهو المحتجين على ارتكاب المذابح بأنهم إرهابيون يؤيدون حماس، ويعادون السامية. أي شطط بلغه الخطاب الإسرائيلي، الذي تدينه شعوب الدول الصديقة لإسرائيل، وهو مؤشر خطير ستكون له تداعياته على صورة إسرائيل المهترئة، وتزداد دموية، حتى بات نيتانياهو وكثير من وزرائه مدانين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
كان نيتانياهو قد أطلق التهديدات والوعيد، واستند إلى حجة واهية عن سقوط ضحايا في قرية مجدل شمس السورية المحتلة، واتهم حزب الله بارتكابها، لكن لماذا اغتيال إسماعيل هنية في تلك الضربة المزدوجة؟ لا يمكن أن تكون لهنية علاقة بأي درجة بما حدث في مجدل شمس، لكنه كان الممثل السياسي لحماس في المفاوضات، وأراد نيتانياهو اغتيال المفاوضات التي كان يكرهها، وتعب من كثرة عرقلتها، وأخيرا وجه إليها الرصاصة القاتلة، فهل وصل نيتانياهو إلى مبتغاه، وحقق ما كان يعد به؟
المرجح أن حسابات نيتانياهو خاطئة، وأن الاغتيالات لن تجلب له النصر، ولا حتى صورة مجتزأة منه، بل قد يجر المنطقة إلى أخطر الحروب، فالمؤكد أن الضربات لن تتوقف، وعندما سيتلقى نيتانياهو ضربة موجعة، فلن يكون بمقدوره إلا الرد عليها، لتزداد وتيرة وقوة الضربات، وتتسع المعارك من غزة وجنوب لبنان، لتتمدد إلى العراق وإيران وحتى اليمن، وأسلحة جديدة تظهر أشد قوة، تقابلها أخرى أكثر فتكا، ويراهن نيتانياهو على أن الولايات المتحدة لن تتركه وحيدا، وأن بوارجها وطائراتها وقواعدها ستشارك في القتال فورا إذا اتسعت الحرب وازدادت ضراوتها، لكن المشاركة الأمريكية لن تضمن له النصر الذي يبتغيه، حتى لو شاركت بلدان أوروبية أخرى مثل بريطانيا وفرنسا، فالمنطقة مليئة بالألغام واللاعبين الإقليميين والدوليين، ولهذا لن يتحقق أي نصر في تلك الحرب الهجينة، وتدرك الولايات المتحدة، أو كان عليها أن تدرك أن تدخلها لن يضمن لإسرائيل النصر، وعليها أن تتذكر نتائج حربي العراق وأفغانستان، في وقت كانت فيه أمريكا أقوى مما عليه الآن، وخصومها اضعف مما عليه الآن، وأن أي حرب واسعة ستكون جحيما على الجميع، خاصة أمريكا المتورطة في جبهتين صعبتين في مواجهة روسيا والصين، ولم تحقق شيئا في الحرب الأوكرانية رغم ضخامة ما قدمته من سلاح ودعم..
لقد استغل نيتانياهو الانتخابات الأمريكية ونفذ ما رأى أنه سيحقق له انتصارا ما ولو شكليا، لكنه لا يدرك أن مقامرته خطيرة، وأن احتمالات الفشل فيها كبيرة، وأن الثمن باهظ على الجميع، وفي مقدمتهم أمريكا وإسرائيل.
(الأهرام المصرية)