تعيش منطقة الشرق الاوسط حالة من الترقب وحبس الانفاس في ظل حالة الشك وعدم اليقين التي تخيّم على الاجواء العامة المسيطرة منذ اغتيال القيادي في حزب الله فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية، والتي أتبعتها اسرائيل بعملية اغتيال بعد ما يقارب ست ساعات لرئيس المكتب السياسي اسماعيل هنية في طهران، وفي موقع حصين من مواقع الحرس الثوري الايراني.
بعد العمليتين توعّد كل من المرشد علي خامنئي والسيد حسن نصر الله امين عام حزب الله، بالرد المباشر على العدوان الاسرائيلي، وبشكل حاسم، يدفع اسرائيل «على الندم على فعلتها». لكن لم يوضح خامنئي ونصر الله طبيعة الرد او توقيته، حيث ألقت حالة الشك والغموض التي تخيّم على المنطقة بأثقالها على الشعوب وعلى مختلف دوائر القرار على المستويين الاقليمي والدولي، ودفعت ايضاً بالولايات المتحدة والدول الاوروبية الرئيسية الى حشد اساطيلها وقدراتها الجوية والصاروخية في شرقي المتوسط ومنطقة البحر الاحمر والخليج، استعداداً للدفاع عن اسرائيل، ومن خلال احتواء الهجمات المرتقبة ضدها.
دفعت حالة الغموض المهيمنة على الوضع والمترافقة مع مخاوف من ان تؤدي أجواء التوتر المراهنة إلى تصعيد الموقف العسكري بين ايران وحزب الله وبقية وكلاء ايران، والدفع باتجاه الانزلاق الى حرب اقليمية، تدخل فيها الولايات المتحدة كشريك اساسي في الحرب ضد ايران، وهذا ما تتخوف منه واشنطن ولا تريده.
تبذل الدبلوماسية الاميركية وفق ما صرح به المتحدث باسم الخارجية الاميركية ماثيو ميلر يوم اول امس الاثنين جهودها لحث بعض الدول المؤثرة لإبلاغ ايران بأن التصعيد لن يكون في مصلحتها، في الوقت الذي وصف فيه وزير الخارجية انتوني بلينكن الوضع بأنه يمر «بلحظة حرجة» بالنسبة لكل المنطقة، طالباً من جميع الاطراف اتخاذ الخطوات اللازمة للتهدئة، والحؤول دون نشوب حرب واسعة، ودعا بلينكن جميع الاطراف الى «اعتماد الخيارات الصحيحة خلال الايام والساعات المقبلة».
في هذه الساعات الحرجة تعرضت قاعدة «عين الأسد» في العراق، حيث تتواجد قوات اميركية لهجوم صاروخي، تسبب بحصول اصابات بين الجنود الاميركيين، ودون وجود اية معلومات حول قيام حلفاء ايران من ميليشيات الحشد الشعبي بربط هذا الهجوم بالرد الايراني المرتقب، في وقت ترجح فيه القيادات الاميركية والاسرائيلية امكانية دخول جميع حلفاء ايران للمشاركة في الرد الايراني الموعود، انتقاماً لاغتيال هنية وشكر من قبل اسرائيل.
يبدو وفق كل التقارير المتوافرة، وابرزها ما اوردته صحيفة «وول ستريت جورنال» بأن ايران قد رفضت كل المساعي التي بذلتها الدبلوماسية الاميركية والعربية من اجل خفض اجواء التوتر، واقناع ايران بتنفيس اجواء الازمة، لكن طهران قد اصرت بالرد على العدوان الاسرائيلي، وبأنها «لا تبالي اذا ادى ردها الى اندلاع حرب واسعة».
في المقابل تفيد التقارير الصادرة حول مواقف القيادات الاسرائيلية بأن الدولة العبرية جاهزة لمواجهة اي هجوم ايراني، وحتى اذا نفّذ من جبهات مختلفة، وعلى عدة دفعات. وهذا هو الموقف الذي ابلغه نتنياهو الى مجلس الوزراء يوم الاحد الماضي. لكن وبالرغم من كل الاجتماعات التي عقدها نتنياهو ووزير دفاعه غالانت مع كل القيادات العسكرية فإن الصورة ما زالت ضبابية حول طبيعة وعنف الهجمات التي ستشنها ايران. يضاف الى ذلك فإن عمليات التنسيق مع القيادات الاميركية وخصوصاً القيادة الوسطى لم توفر اية معلومات مفيدة حول توقيت وطبيعة الهجوم الى التلويح بإمكانية تنفيذها لهجمات استباقية ضد ايران وحلفائها الاقليميين، وخصوصاً حزب الله في جنوب لبنان، وقد صرح بذلك يوم الاحد الماضي المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي دانيال هاغاري بقوله:«اننا نراقب اعداءنا على جميع الجبهات، ولدينا خطط عديدة وواضحة ولدينا جهوزية عالية للتنفيذ، ونحن جاهزون لتنفيذ اية اوامر نتلقاها من القيادة السياسية»، ولم توضح القيادات الاسرائيلية نوعية الخطط العسكرية التي ستعتمدها في ردودها على ايران او حزب الله، وتحدثت بشكل «غامض» عن احتفاظها بحق الرد لمواجهة مختلف الخيارات.
في المقابل هذه المواقف الاسرائيلية والاستعدادات الغربية للمساعدة في كبح اي هجوم تنفذه ايران وحلفاؤها، تصرُّ ايران على ضرورة معاقبة اسرائيل، من اجل منع العربدة الاسرائيلية، وبالدفع نحو مزيد من عدم الاستقرار وتسعى ايران لاستعادة عامل الردع ووقف المغامرات العدوانية، التي تشنها اسرائيل ضد ايران او حلفائها.
بات من المؤكد بأن ايران جادة في التحضير لرد عسكري فاعل وحاسم، ولن يشبه في اي حال من الاحوال الرد الذي نفذته في شهر نيسان الماضي بعد تدمير قنصليتها في دمشق ومقتل الجنرال محمد رضا زاهدي.
وفي رأينا فإن الرد الايراني آتٍ لا محالة، وقد تعتمد طهران احد الخيارات الاربعة الآتية:
الخيار الاول: شن هجوم جوي وصاروخي واسع ومباشر ضد اسرائيل مستهدفاً عدداً من البنى الاساسية العسكرية والمدنية. وتملك ايران الوسائل اللازمة ليكون الهجوم واسعاً ومؤثراً.
الخيار الثاني: تطلب طهران من جميع حلفائها في المنطقة، وأهمها حزب الله شن هجمات كثيفة ضد الداخل الاسرائيلي، سواء بالتزامن مع هجماتها المباشرة او بشكل منفصل.
الخيار الثالث: شن مجموعة من الهجمات ضد المواقع الاسرائيلية ومصالحها الحيوية خارج اسرائيل، وعلى غرار الهجوم الذي شهدته بيونس آيرس.
الخيار الرابع: تنفيذ مجموعة من الهجمات العسكرية متلاحقة ضد الداخل الاسرائيلي، بمساندة مختلف اذرعتها العسكرية في المنطقة، مع الإيعاز للميليشيات في الحشد الشعبي وسوريا بمهاجمة القواعد الاميركية.
ان مخاطر ان يتسبب اي هجوم على الداخل الاسرائيلي بقتل عدد من الإسرائيليين ان تقوم اسرائيل برد قوي وواسع على ايران او لبنان وبالتالي وقوع حرب واسعة أو حرب اقليمية.
("اللواء") اللبنانية