اقتصاد ومال

"روشتة" صندوق النقد: المواطن المصري الأكثر تضرّرًا!

القاهرة - منال أحمد

المشاركة

آلاف الخبراء المصريين فضّلوا أن يعبّروا عن آرائهم في الشأن الاقتصادي عبر وسائل التواصل الاجتماعي.. فضّلوا أو ربما أُجبِروا على ذلك وسط حالة الحصار والتضييق على الآراء التي لا تمجد الأوضاع القائمة في مصر.

عشية الإعلان عن ارتفاع أسعار المنتجات البترولية بنسبة 15%، كتبت الدكتورة عالية المهدي، أستاذة اقتصاد مصرية بارزة وشغلت منصب عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسيه لسنوات، على صفحتها في "فيسبوك"، منتقدةً تلك الزيادة التي تُعد السابعة منذ عام 2016: "المواد البترولية خاصة السولار يُستخدم في نقل كل المنتجات.. الزيادات الأخيرة ستزيد من نسبة التضخم، فيما تحاول الحكومة خفضه.. هذا تخبط وتناقض".

كانت هذه الزيادات في أسعار المواد البترولية هي الخطوة الأخيرة للحكومة المصرية لإقناع صندوق النقد الدولي، بأنها متلزمة بشروطه، وذلك بعدما تم رفع اسم مصر من جدول أعمال الصندوق عقب تأجيل مناقشة، أو بالأحرى السماح بصرف الشريحة الجديدة من القرض يوم 11يوليو/تموز الجاري.

وبعد ساعات من مفاوضات سريعة بين ممثلي الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي عادت القاهرة إلى جدول أعمال الصندوق. ونظرًا لسرية المفاوضات فإنّ الكثير من الخبراء، فضلًا عن عموم الشعب المصري، لا يعرفون ما هي الضمانات الأخرى التى وضعتها الحكومة أمام الصندوق للحصول على الشريحة البالغة 840 مليون دولار.

وفجّر الموقف الأخير بين الحكومة المصرية والصندوق غضبًا شعبيًا متزايدًا بعدما ارتفعت أسعار كل السلع بما فيها الخبز الحر - الغير مدعّم - إثر قرار زيادة أسعار المواد البترولية، وحذر خبراء من آثار تلك "التبعية" للصندوق وشروطه اقتصاديًا واجتماعيًا.

ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور رشاد عبده لـ"عروبة 22" إنّ هذه القرارات ستؤدي حتمًا إلى الإضرار بالمواطن لأنه الطرف الأكثر تضررًا، وستضغط بنحو متزايد على قدرته الشرائية التي ستتراجع، وهو ما يعني دخول البلاد في حالة ركود اقتصادي.

وبحسب الخبير الاقتصادي نفسه، فإنّ تنفيذ اشتراطات الصندوق تعمل ضد الهدف الأساسي لأي حكومة وهي إنعاش الاقتصاد وزيادة الناتج المحلي الإجمالي.

وتشير الأرقام والإحصائيات إلى توابع تراجع القدرة الشرائية للمواطن على سوق الأعمال، بحسب "أميك" المختصة بمتابعة أحوال السيارات، إذ استمر انخفاض الطلب على السيارات في الشهور الـ4 الأخيرة مقارنةً بالأشهر نفسها من العام الماضي رغم انخفاض أسعارها، وبلغت نسبة التراجع نحو 45%.

وكان الطلب على السيارات في شهر مايو/أيار الماضي قد تراجع بنسبة 10% عن شهر أبريل/نيسان من العام نفسه، لكن الانخفاض فى المبيعات وصل إلى 50% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.

وأكدت شعبة السلع الكهربائية في أكثر من محافظة بمصر أنه على الرغم من انخفاض الأسعار بنسب تصل إلى 30% إلا أنّ حركة المبيعات لم تشهد زيادة ملموسة إلا فى المراوح والتكييفات بسب موجة الحر الاستثنائية التي تشهدها البلاد.

وقال أحد أصحاب محلات بيع الأجهزة الكهربائية لـ"عروبة 22" إنّ موجة الشراء انحسرت بسبب تراجع أعداد السوادنيين القادمين إلى مصر، مؤكدًا أنّ معظم المبيعات في الأشهر الماضية لم تكن من نصيب أهل البلد إلا بنسبة صغيرة.

وحذر الخبير الاقتصادي وائل النحاس من استمرار تنفيذ "روشتة" صندوق النقد اجتماعيًا، لافتًا إلى أنها ستصاعد الغضب الشعبي.

غير أنّ رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب الدكتور فخري الفقي قلّل من خطورة هذا الغضب بسبب إصرار الصندوق على تنفيذ برامج اجتماعية مساندة، لكنه في الوقت ذاته أكد أنّ الصندوق لا يفرّق بين الطبقات الاجتماعية، ولا يتمتع بالمرونة الاقتصادية اللازمة في التعامل مع الدول التي يُقرضها.

وإذا كان الصندوق يضغط بشدة على مصر في اتجاه يضر بالاقتصاد وبالمواطن ويهدد الاستقرار السياسي، فهل يمكن أن تلتفت الحكومة إلى ذلك وتقرر الخلاص من أجندته وقروضه؟.

يرى الدكتور رشاد عبده أنه من الصعب على الحكومة المصرية، التي وضعت نفسها في مأزق اقتصادي لا تُحسد عليه بعد تراكم الديون، أن تضع حدًا لعلاقاتها مع الصندوق، فقرار عدم الاعتماد على صندوق النقد "تأخر كثيرًا".

وكانت دعوات رفض وصفة الصندوق في مصر قد تزايدت بعدما رفضت تونس الأخذ باشتراطاته خاصة لناحية خفض المرتبات وبيع شركات القطاع العام. واستفادت تونس من علاقاتها بدول داخل الاتحاد الأوروبي كما تعاملت مؤقتًا مع البنك الدولي.

ورغم الوضع الاقتصادي المتأزم لتونس، إلا أنّ سوء أوضاع المصريين بسبب اشترطات الصندوق دفع بالكثير من الخبراء للدعوة إلى أن تتخذ الحكومة المصرية المسار التونسي، وتوقف تبعيتها لصندوق النقد.

الآن، وفي أجواء الاحتفاء بذكرى ثورة 23 يوليو/تموز 1952، يتذكر الملايين من المصريين بشجن مقولة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر "كل اللي من الغرب لا يسرّ القلب"، كما يتذكر بعضهم بيت شعر عبد الرحمن الأبنودي "مصر عارفة وشايفة وبتصبر.. لكنها في خطفة زمن تعبر وتسترد الاسم والعناوين".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن