صحافة

الاغتيالات والتصفية سياسة ثابتة للكيان الصهيوني

أيمن النجراوي

المشاركة
الاغتيالات والتصفية سياسة ثابتة للكيان الصهيوني

لم يكن اغتيال إسماعيل هنية أول الاغتيالات ولن يكون آخرها، فمنذ عام 1948 إلى اليوم نفذت الأجهزة الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية قرابة الثلاثة آلاف عملية اغتيال لسياسيين وقادة وعلماء فلسطينيين وعرب وأجانب، عدا مئات الآلاف ممن استشهدوا في خضم الحروب والاعتداءات التي شنها الكيان عبر تاريخه الأثيم.

قبل قيام الكيان كانت عصابات شتيرن الصهيونية، التي أسسها البولندي أبراهام شتيرن، تشنّ الهجمات على القرى العربية لإحراقها وتهجير سكانها وعمل المذابح ضدهم، كما كانت تشن هجماتها على الجنود البريطانيين لإثناء بريطانيا عن الوقوف في وجه الفظائع المرتكبة ضد الفلسطينيين والقبول بالمخططات الصهيونية، وأثناء ذلك لقى شتيرن مصرعه على يد البريطانيين، فردت منظمة شتيرن باغتيال اللورد موين الوزير البريطاني لشئون الشرق الأوسط في القاهرة عام 1944.

كان الكونت السويدي فولك برنادوت هو الضحية التالية لعصابات الكيان الصهيوني، وهو أحد أفراد العائلة الملكية السويدية، واختارته الأمم المتحدة عام 1948 ليكون وسيطا في فلسطين، فقدم برنادوت خطته للسلام وتضمنت بقاء مدينة القدس بأكملها تحت السيادة العربية وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم واستعادة ممتلكاتهم، وكتب في تقاريره للأمم المتحدة يطلب مساعدات دولية لهؤلاء اللاجئين.

أثارت بنود الخطة غضب قادة الكيان الصهيوني فأجمعوا أمرهم على تصفية الكونت برنادوت واغتياله، وبالفعل اتفقت منظمة أرجون الصهيونية برئاسة مناحم بيجن ومنظمة شتيرن برئاسة إسحق شامير على ذلك ونفذت الاغتيال في سبتمبر 1948، وحتى اليوم لم يقم ملك السويد أبدا بزيارة إسرائيل التي قتلت عمه الكونت برنادوت في عملية دموية إرهابية غادرة.

سياسة الاغتيالات والتصفية إذن هي سياسة ثابتة للكيان الصهيوني، وهي سياسة لها مجال متنوع من الأهداف تتضمن اغتيال العلماء مثل مصطفى مشرفة وسميرة موسى ويحيى المشد وسعيد بدير، وعالمي الذرة الإيرانيين محسن زادة ومصطفى أحمدي، والعلماء والمهندسين الفلسطينيين مثل يحيى عياش وفادي البطش وجمال الزبدى وغيرهم..

أما عن قادة المقاومة الفلسطينية فالقائمة تطول لتشمل غسان كنفاني وعلي حسن سلامة وأبو جهاد خليل الوزير وفتحي الشقاقي وأبو علي مصطفى والشيخ أحمد ياسين، ومحاولة اغتيال خالد مشعل بالسم في الأردن، وأخيرا ما تشير إليه أصابع الاتهام عن دور الكيان الصهيوني في وفاة ياسر عرفات نفسه.

يعتقد الكيان الصهيوني أنه بالقتل والاغتيال سيقضي على القضية الفلسطينية، ناسيا أن المقاومة فكرة وأن الجهاد عقيدة، وأن الأجيال الفلسطينية تشهد جرائمه وتسجلها في عقولها وقلوبها جيلاً بعد جيل لتستمد منها مددا للمقاومة والصمود.

والجلي الواضح أننا أمام كيان شديد الخطورة، ينتهج سياسة عدوانية دموية ثابتة منذ أكثر من خمسة وسبعين عاما، وفي الظروف العصيبة الراهنة في قطاع غزة ومنطقة الشرق الأوسط يواصل الكيان الصهيوني سياسته بالحرب الدموية والاغتيالات بما ينذر بإشعال المنطقة وتأجيج الحرب والصراع بصورة غير مسبوقة تنذر بأسوأ العواقب والتداعيات.

تظن إسرائيل واهمة أنها انتصرت من قبل وأنها ستنتصر اليوم وغدا بهذه الأساليب الوحشية، غير مدركة أن العالم قد تغير من حولها، بعد أن بات يشاهدها كل يوم وهي متلبسة بالجرم المشهود، فباتت في نظر معظم شعوب ودول العالم دولة منبوذة بفعل ما تقترف من جرائم وأعمال الإبادة الجماعية الوحشية والاغتيالات.

ومنذ السابع من أكتوبر الماضي وإلى اليوم تحقق إسرائيل من وجهة نظرها نجاحا باهرا يتمثل في قيام جيشها بقتل أكثر من أربعين ألفا من المدنيين الفلسطينيين، وإصابة أكثر من مائة وخمسين ألفا بجروح خطيرة ستتركهم بإعاقات بدنية ومشكلات صحية ونفسية إلى نهاية حياتهم، فضلاً عن تدمير معظم منازل ومباني قطاع غزة، لقد انتصرت إسرائيل بالفعل انتصارا مشهودا، انتصر جيشها على المدنيين العزل من الشيوخ والنساء والأطفال.

ويبدو أن تلك الأرقام قد فتحت شهية نتنياهو ومؤيديه من عتاة الصهاينة المتطرفين لمزيد من الدماء، فأعلن ووزير دفاعه أن الجيش الإسرائيلي لن يتوقف حتى يقضي على حماس، وباتت تلك هي الحجة التي يتذرع بها في كل تصريحاته لارتكاب جرائمه في قتل الفلسطينيين وإبادتهم على مرأى ومسمع من العالم.

ثم دخلت الأمور إلى مرحلة جديدة بعد اختلاق إسرائيل لرواية أن حزب الله أطلق متعمدا صاروخا على بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، واتخذت ذلك ذريعة لتنفيذ اغتيال القائد فؤاد شكر في معقل حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهي تعلم تمام العلم أن حزب الله لن يترك ثأره وسيرد على الاغتيال، فسارعت مسبقا إلى التهديد بأنها سترد ردا مضاعفا حتى لو أدى إلى تدمير بيروت والمدن اللبنانية وتسويتها بالأرض.

ثم لم يمض يومان على ذلك حتى قام الكيان باغتيال إسماعيل هنية في مقر إقامته في قلب طهران خلال فعاليات تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، في عملية سببت إهانة شديدة للقيادة الإيرانية، لدرجة إعلان السيد علي خامنئي المرشد الأعلى بقوله: إن النظام الصهيوني المجرم والإرهابي استهدف ضيفنا العزيز في بيتنا، وهو بذلك جلب على نفسه بهذا الاعتداء أشد العقاب.

وفقا لقاعدة الفعل ورد الفعل، فما يفعله الكيان الصهيوني هو تأجيج أهوج للصراع في الشرق الأوسط، ذلك الصراع الذي تتحمل إسرائيل مسئوليته منذ ثمانية عقود إلى اليوم، بسياساتها العدوانية ومخططاتها للهيمنة والتوسع، مستندة إلى التأييد المطلق من الولايات المتحدة وحلفائها على مختلف الأصعدة من مساندة سياسية ودبلوماسية واستخباراتية وإمدادات متواصلة من الأسلحة فضلاً عن المعونات الاقتصادية الهائلة.

وليس أدل على ذلك التأييد هو إعلان الولايات المتحدة عن إرسال المزيد من السفن الحربية الأمريكية لتنضم إلى حاملة الطائرات الأمريكية جيرالد فورد والأسطول البحري الضخم المصاحب لها والمتراكى أمام سواحل مدينة حيفا، لدعم إسرائيل ومعاونتها حال تعرضها لهجمات من حزب الله وإيران كرد فعل على جريمتيها في بيروت وطهران.

باتت حكومة الكيان منذ السابع من أكتوبر الماضي مصابة بسعار مزمن للقتل وتأجيج الحرب والصراع في الشرق الأوسط، تفعل ذلك بعمد وإصرار رغم كافة محاولات التهدئة والوساطة، لكنها تتناسى أن من يؤجج النيران ستطاله حتما هذه النيران، وأن ثمن ما تفعله سوف يكون باهظا ومروعا.

(الأهرام المصرية)

يتم التصفح الآن