هل تعني تلك العملية البربرية أنّ إسرائيل (العدو)، التي لا تزيد مساحتها عن 20 ألف كيلومتر مربع، وعدد سكانها من اليهود عن 7 مليون نسمة دولة قوية، بالمقارنة بجيرانها العرب؟ وإن كان ذلك كذلك، فلماذا؟ رغم فارق التاريخ والموارد والمساحة وعدد السكان؟.
السؤال المهم لن تتسع لمناقشته مساحة هذا المقال، وربما علينا أن نخصص لذلك مقالًا قادمًا بمشيئة الله، ولكن دعونا الآن نقرأ رسالة إسرائيل لنا جميعًا جيدًا. ونفهمها جيدًا.
"حد له شوق في حاجة"، عبارة بالعامية المصرية جاءت على لسان "البلطجي" الذي لعب دوره باقتدار الفنان الراحل محمود عبد العزيز في فيلم "إبراهيم الأبيض" الذي لم يشتهر ربما إلا بالعبارة القاطعة تلك والتي باتت في معجم الثقافة المصرية المعاصرة تلخيصًا وتعبيرًا عن سياسة البلطجي الذي يتمادى في غيه وغطرسته بعد أن اختار جيرانه "الصمت على أفعاله"، طمعًا بائسًا في أن يستثنيهم من شره أو أطماعه. إلا أنّ المفترس الغادر لم يكن، بطبعه ليقنع أبدًا بـ"الثور الأبيض".
بعد أن جربنا مع إسرائيل كل الوسائل السلمية الممكنة هل بقي أمام العرب من سبيل غير "المقاومة" ليعتدل الميزان؟
بعمليتها اللبنانية تلك، وبعد المشاهد اليومية المروعة في غزّة تبعث إسرائيل برسالتها للإقليم كله عالية الصوت رغم الصمت الرسمي. عبرت عنها تصريحات احتفالية، وقالها رئيس حكومتها نصًا، يوم قصف ميناء الحديدة: رسالتنا وصلت، ولعل جميع من في الإقليم قد سمع صوت الانفجارات.
باختصار، وقبل أن يظن أحدكم أنه في مأمن، أو أنّ بإمكانه مصادقة الذئب:
فأطماع إسرائيل التوسعية؛ جغرافيًا، أو هيمنة باتت معلنة ولا تخفى على أحد. أعيدوا قراءة (ما بين سطور) كتاب شيمون بيريز عن "الشرق الأوسط الجديد"، وراجعوا القرارات الرسمية بضم الجولان والضفة، والخطط (الرسمية) لتهجير فلسطينيي غزّة إلى سيناء، والتفاصيل المخفية خلف بريق "صفقة القرن" الترامبية وتصريحاته الأخيرة بأنّ "مساحة إسرائيل أقل مما يجب".
"حد له شوق في حاجة"، رسالة غطرسة القوة (البلطجة) الإسرائيلية لم يرسلها الإسرائيليون اليوم فقط بما فعلوه في لبنان، أو ما يرتكبوه كل يوم في غزّة على مرأى ومسمع من كل العواصم العربية التي يرفرف فيها العلم الإسرائيلي على سفارات (العدو) حتى اللحظة، ولم يرسلها الإسرائيليون للعرب وحدهم بالانتهاك المتكرر للأجواء السورية وقصف هذا الهدف أو ذاك، ولا بانتهاكهم اتفاقات السلام مع مصر، باحتلالهم ممر صلاح الدين (فيلادلفيا) بالمخالفة لما جرى التوقيع عليه في تلك الاتفاقات. رسالة غطرسة القوة الإسرائيلية أرسلها الإسرائيليون للعالم أجمع بتحديهم للقرارات الأممية (الصريحة) وآخرها قرار الجمعية العامة بإقرار رأي المحكمة الدولية الذي يطالب إسرائيل بإنهاء وجودها "غير القانوني" في الأراضي الفلسطينية خلال 12 شهرًا كحد أقصى اعتبارًا من اعتماد القرار.
Supply Chain Attack ربما كان هذا هو ما يمكن أن نصف به تقنيًا ما جرى، وأسفر عن موجة تفجيرات أجهزة الاتصالات في لبنان. وربما كان هذا من الناحية التقنية، والاستخباراتية ليس سهلًا ولا بسيطًا، وربما لهذا معناه الذي لا ينبغي علينا التهوين منه. ولكن في الملف ذاته سؤالان أساسيان:
1. هل إسرائيل دولة احتلال عدوانية توسعية (لا يردعها قانون أو أعراف)؟
فضلًا عن تجربتنا المباشرة طوال سبعين عامًا، فالإجابة حسمها القانون الدولي، ومحكمة العدل الدولية، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
2. بعد أن جربنا مع إسرائيل كل الوسائل السلمية الممكنة، ليس أقلها قرار قمّة عربية قبل عشرين عامًا كاملة، وفي بيروت؛ التي تُقصف اليوم لا غيرها، بتبني خيار السلام - مبادرة الملك عبد الله -، وبعد أن فشلت كل هذه الوسائل في أخذ العدو إلى مسار سلام عادل، هل بقي أمام العرب من سبيل غير "المقاومة" ليعتدل هذا الميزان؟
أترك الإجابة لكم، فقط أرجوكم تذكروا أنّ الإسرائيليين اتخذوا قرارًا رسميًا صدق عليه الكنيست برفض "حل الدولتين" الذي يعتبره العالم كله سبيلًا سلميًا وحيدًا لإقرار السلام والاستقرار في المنطقة.
لن يكون لإسرائيل "اليد الطولى" إلا لو سكتت عن غطرستها دول المنطقة وساعتها سندفع جميعًا الثمن
باختصار، تريد إسرائيل أن تقول لجيرانها العرب إنها صاحبة القرار، وإنّ لها "اليد الطولى" في هذه المنطقة.
ولكن لا أحد إلا ويعرف أن لن يكون لها "اليد الطولى" تلك إلا لو سكتت عن غطرستها دول المنطقة. وساعتها سندفع جميعًا الثمن.
وبعد،،
فـ"البعبع" كما تقول المرويات. والحكايا. لا يخيف سوى الأطفال، فيقبلوا الخضوع والإذعان.
ولكن، إسرائيل المغترة بقوتها تلك، والتي يريدها البعض؛ عن قصدٍ، أو يتركها الآخرون؛ عن غفلةٍ لتكون "بعبع" هذه المنطقة أذلها الفلسطينيون (المحاصرون لسبعة عشر عامًا) في السابع من أكتوبر الماضي، وأذلها المصريون البسطاء في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973 وكذلك فعل المقاومون اللبنانيون في تلك الأيام من يوليو/تموز 2006.
لذا لزم التذكير والتنويه.
(خاص "عروبة 22")