صحافة

بزشكيان.. للتَمويه، والقرار خامنئي...

عبد الغني طليس

المشاركة
بزشكيان.. للتَمويه، والقرار خامنئي...

إن عدم ذِكر إيران بالاسم في بيان نائب الأمين العام لـ"حزب لله" الشيخ نعيم قاسم، وعدمَ شُكرها بين من ذكَرهم بالشكر (ومنهم الحكومة اللبنانية) هو أول اعتراض علني لمرور اغتيال السيد حسن نصرلله على إيران بلا إي حراك ميداني كان الحزب موعوداً به في حال تعرّضت إسرائيل لنصرلله. وأول إشارة قوية إلى إيران بأن هناك رأياً عاماً شيعياً غير مرتاح لما تفعل. وأغلبُ الظنّ أن الشيخ قاسم تحاشى ذِكر إيران لأنه سيُواجَه باستنكار لبناني شيعي من بيئة المقاوَمة ذاتها على توجيه الشكر لها، وهي الآن في خانة "الإتهام" بالسكوت أو بالتخاذل أو "بالبيع" لصالح ملفّها النووي.

كان واضحاً منذ ثلاثة أشهر على الأقل، أن إيران اليوم غير إيران البارحة، وأن الإصلاحي بوزشكيان الذي اختير رئيساً للجمهورية بقرار من المرشد الإيراني علي الخامنئي ،كانت خلْفَه "مصلحة" إيرانية عُليا، وقد تردد فور فوز بوزشكيان بالمنصب السياسي الأرفع أن الخامنئي أراد أن يقدّم للغرب، أي للإدارة الأميركية وقوى المجتمع الدولي، إشارة "رسمية" حقيقية بأن التغيير في قرارت إيران آت لا محالة.

وإذا ذهبنا في الفكرة أكثر يمكن القول أن الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، كان "ينبغي" أن يرحل لكونه من المتشددين في موضوع الولايات المتحدة وإسرائيل، ومواظباً على السياسة المعروفة عن إيران في الحذر من الغرب، وبقاؤه في منصبه سوف يؤدي إلى منع التغيير أو تعقيدِه أكثر. رحل رئيسي وجاء بوزشكيان. وحسب معرفتنا بالنظام الإيراني فإن قرار الحرب والسلم وبقية القرارت الكبيرة هي في يد الخامنئي لا في يد رئيس الجمهورية. فالتغيير حصل، إذن، من فوق، من الخامنئي، وبوزشكيان كان الأداة التي ستُستخدَم، في التمويه، لإبقاء صورة الخامنئي فوق الانتقاد أو الإتهام!

تربّع بوزشكيان على كرسيّه، فبدا من أول تصاريحه المتراخية أنه في حِلّ من "إيران السابقة" وقدّم نفسه نموذجاً إيرانيا "فقط"، متحاشياً الكلام الواضح عن "المحور" والاهتمام به إلّا بالتعابير الفضفاضة التي تحمل وجوهاً عدّة!لكنّ الصدمة الكبيرة (الأُولى) كانت قبل مجيء بوزشكيان بسنوات، في قرار الخامنئي بالرد على استشهاد قاسم سليماني بضربة مائعة للقاعدة الأميركية بعد اتفاق سرّي مع الأميركيين قضى بإخلاء القاعدة، وصُوِّرَت الضربة فتحاً مبيناً مع أنها كانت إلى حدّ كبير، صوَرية.

ثم كان قرار الخامنئي بالرد على إسرائيل بعد اغتيال قائد في الحرس الثوري في سفارة إيران في العاصمة السورية دمشق، منذ أشهُر، بأسلوب استعراضي، فأرسلَت إيران أسراباً من الطائرات والصواريخ البالستية إلى إسرائيل وقفَ العالم لمدة خمس ساعات على قدمٍ واحدة بانتظار ما ستفعل بإسرائيل، فإذ بالصواريخ والطائرات تتشرّد وتتساقط بلا أثر ولا تأثير.

والموقف الفاقع في جُبنِه كان بعد اغتيال إسماعيل هنية الذي استُشهد بضربة استخبارية إسرائيلية وهو في ضيافة إيران، فهدّدت إيران وتوعّدَت وصالت وجالت آراؤها العنفوانية "على فوفاش" كما نقول في العامية اللبنانية. ثم راحت التحاليل تشي بأن إيران لن تخوض "حرباً من أجل الفلسطينيّين" وأقصى ما تفعلُه مساعدتهم مادياً ولوجستياً، وعليهم هُم أن يتدبروا أمورهم.

كل ما ذكَرنا "كَوم"، واستشهاد السيّد حسَن نصرلله "كَوم" بل كَونٌ آخَر. حتى السيّد نصرلله كان يعتبر نفسه خطاً أحمر إيرانياً ستشتعل المنطقة إذا حاولوا اغتياله، وذلك بناء على علاقته العضوية الإيمانية والاستراتيجية بها، و"سمعة المناعة الفولاذية" التي اكتسبتها هي بفضل قيادته للمقاوَمة، والتهديدات الإيرانية خصوصاً الحرس الثوري كانت عنيفة ومضخّمة "إذا أغتيل نصرلله". ولم يتنبّه السيد حسن ربما إلى أن أكبر قادة الحرس الثوري قاسم سليماني قَتلَتْه أميركا.. ولم تَخرَب الأرض، وقيل يومها أن إيران لن تفرّط بإنجازاتها الاستراتيجية من أجل "شخص" مهما يكن مهماً واستثنائياً في نظامها.

واقعاً، أي كلام عن تخاذل الرئيس بوزشكيان قد يكون مقنعاً، لكنّ القرار "المنتظَر" حتى الآن في يد الخامنئي، والكلام يتعيّن أن يُقال لهُ شخصياً. في آخر اجتماع لمجلس الشورى الإيراني، بدَا واضحاً كما نقَل المراسلون، أن هناك انقساماً حاداً بين النواب، حول ما ينبغي أن تفعل إيران في هذه الظروف، فالإصلاحيون يدافعون عن موقف بوزشكيان بإدارة الأذُن الطرشاء والعين العمياء لمَا يجري إلّا إذا قُصفَت إيران، والمتشدّدون يدعون إيران إلى حماية نفسها بالدفاع عن "المحوَر" لأن خلخلة مقوّماته ومكوناته، وزرعَ الشك "بالبيع" بينهم سوف يُفقد إيران الهالة المعنوية التي كانت لها، وقد "نجد أنفسنا في الحرب بأن تسبقنا إسرائيل وأميركا بالضربة". وجاءت الضربات الأميركية السابقة والإسرائيلية اللاحقة بقتل هنية ونصرلله وتدمير لبنان، لتجعل الجمهورية الإسلامية على كل شفة ولسان كمادة للسخرية والأنانية.

صحيح أن إيران ساعدت سوريا بشار الأسد "على الأرض"، لكن المساعدة جاءت بعدما كاد النظام يسقط. فهل على الإهانات الإسرائيلية لها أن تكبر أكثر من اللازم (بضرب المفاعل النووي) حتى تنبري لرد يدفع عنها الأذى المتلاحق الذي قد يبلغ الزُّبى، فيُصبح وضعها "على الأرض"؟ وهل "ستتدخّل" حين يغدو وضع حزب لله "على الأرض" لا قبلَه، وهذا في أحسن الاحتمالات؟ وفي التقديرات بل المعلومات أن السيد نصرلله استشعر الخطر يقترب منه شخصياً فرتّب صفوف حزبه، قيادة وعسكراً في الأيام الأخيرة، ويقال أنه سمّى لبعض "المراكز" أسماء بعينها، فضلاً عن أن البناء التنظيمي في الحزب يرسم للأشخاص فيه خطوطاً معيّنة للحالات الطارئة.

إسرائيل كانت تخشى السيد نصرلله والمقاومة لأن تجربتها معهم كانت مريرة وحادّة، والهزائم التي ألحقوها بها لا مجال لتعدادها إذ أن كل ضربة للبنان كانت تقابَل بردّ صاعق يدفع الجيش الإسرائيلي إلى "ابتلاعه" بالتي هي أسوأ. أما تجربة إسرائيل مع إيران في محطات مفصلية فكانت تردُّداً فظيعاً "على الجانبين". فإسرائيل تخشى تنفيذ إيران تهديداتها، وإيران تخشى تنفيذ إسرائيل تهديداتها. إلّا أنّ الوضع الآن مختلِف، فإسرائيل نتنياهو في "عرس وطني" لقتل نصرلله، وإيران تصدح بالتهديد الذي خَبِرَه نتنياهو "جعجعة" (ربما لمعرفته بما يدور في إيران من جدَل بيزنطي حول الرد وعدَمه). والعدو إذا آثرَ في عدوّه جَبَانةً، زادت نسبةُ "شجاعته" على اختراق كل المحرّمات.

في التاريخ، سُئل عنترة بن شداد "لماذا لك هذا الصيت الكبير في القتال؟"، فأجاب "أَنظرُ إلى الأعداء فأختار من بينهم من يبدو ضعيفاً جباناً، أبدأ معركتي به، فينخلع لهُ قلب القويّ من بينهم، وأبطُش بعد ذلك". كأنما إسرائيل رغِبت أن تقلب معادلة عنترة فقتلَت القائد الأقوى الذي هو السيد نصرلله وراحت تنتظر الآخَرين! وإيران ليست من "الآخَرين" فقد كانت تقدّم نفسها حامية قوى "المحور" وزعيمتهم، فيما يبدو أنها في الظرف القاتل الذي نعيش تتجه لتكون من "الآخِرين"!

يدرك المرشد الإيراني الخامنئي أن نصرلله حمَى المفاعل النووي بوجوده على كتف إسرائيل التي كانت متأكّدة من أنه سيضربها بالصواريخ (التي يُعتَقد اليوم أنها موجودة للدفاع عن إيران لا عن لبنان بدليل غيابها عن الميدان.. إلّا قليلاً!).. ويجب أن يُدرك الآن أنه قد تسوّغ لنتنياهو نفسُه ضرب المفاعل بعد استشهاد من كان يَخشى تهديداته، وبعد غياب أي رد إيراني على الاغتيال، وبعدَ توقّعه أنّ الولايات المتحدة ستقف معه في الضربة المُخَطّط لها، ثم ستحتوي الموقف بمساعدة الإصلاحيين الذين «يبدو» أن الخامنئي يقودهم اليوم، من وراء بوزشكيان!

ملاحظة غريبة: (سؤال بين هلالين: بعد قصف السفارة الإيرانية في سوريا، والرد الإيراني بالمسيّرات والصواريخ.. لماذا صواريخ إيران احتاجَت خمس ساعات لتصل إسرائيل، بينما الصواريخ اليمنية الفرط صوتية تصل خلال أحدَ عشر دقيقة فقط؟! وهل بات الحوثي يملك أسلحة "أذكى" من أسلحة إيران، أم أن إيران تتصرّف بشكل "أذكى" من الحوثي، والفرط صوتي عندها متروك "للحَشرة" التي لن تأتي.. على ما تروي النكتة اللبنانية المعروفة؟!).

(اللواء اللبنانية)
?

برأيك، ما هو المجال الذي ينبغي أن يتصدّر الأولوية راهنًا في عملية إصلاح الواقع العربي؟




الإجابة على السؤال

يتم التصفح الآن