قبل نحو عشرين عاماً، وتقريباً في عام 1999، قمت بزيارة لرئيس المنظمة اليهودية الأمريكية لإجراء حوار صحفي بمقره في واشنطن. وقتها كانت المنظمة تدعو بقوة إلى حل الدولتين، ومعارضة سياسات حكومة إسرائيل، لأنها كانت تتوقع –حسب قول رئيس المنظمة لي– أن الحكومات الإسرائيلية ستجلب كارثة لليهود الساكني دولة إسرائيل، وإنها ستتسبب في مخاطر على الأمن القومي للدولة ذاتها.
ومرت السنوات، وعُدت أتابع عن بُعد نشاط هذه المنظمة، وكيف أن ما توقعته من قبل هو ما يحدث الآن، ومن ناحيتي وجدت أن من المهم رصد الظواهر التي تحدث فعلاً، والتي تؤكد تنبؤات ومخاوف هذه المنظمة اليهودية.
كان من ذلك قول تشاك فريليش نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق إن نتنياهو لا ينصت لصوت العقل، وأن سياساته يدفع ثمنها الإسرائيليون والفلسطينيون على السواء.
وتدعم مقولته صحيفة هاآرتس في مقال عنوانه «أمن إسرائيل القومي في خطر»، وإن حكومتها هي المصدر الأكبر لهذا التهديد، بل إن نتنياهو كشخص هو أكبر تهديد للأمن القومي الإسرائيلي.
وتنقل الصحيفة عن جيريمى إيساشارؤوف سفير إسرائيل السابق في ألمانيا قوله: هل يوجد بين الإسرائيليين من يتصور أنه لا يزال هناك مستقبل ليهود إسرائيل وأطفالهم، وذلك نتيجة فشل وتصلّب تفكير حكومتهم.
ثم كان ما نشرته صحيفة لوموند الفرنسية بمثابة جرس إنذار، وهو بيان أصدره اثنان من القادة السابقين في جيش إسرائيل هما الجنرال روس رافين، والكولونيل جاكوب روزنبرج أعلنا فيه تأييدهما موقف ضباط بالجيش والمخابرات لمعارضتهم نتنياهو، وقولهما إن أي تهديد لإسرائيل إنما يأتي من حكومتها ذاتها.
ويضاف إلى ذلك ما أعلنه يوسى كوهين رئيس الموساد السابق، بندائه القائل: أوقفوا سياسات حكومة نتنياهو من أجل الأمن القومي لإسرائيل.
وإضافة إلى ما صرّح به السياسي الإسرائيلي الون بن مائير من أن الخطر الحقيقي الذي يهدد إسرائيل عندما تساءل قائلاً: «بأي مقياس يدّعي نتنياهو أن احتلال الضفة الغربية يعزّز أمن إسرائيل القومي؟» فلم تنجح خمسين سنة من احتلال الضفة الغربية في شيء سوى تسميم العلاقة مع الفلسطينيين، ومضاعفة كراهيتهم إسرائيل، وكيف يُتصور أن التوسع في بناء المستوطنات هو الذي يجلب أمناً أفضل لإسرائيل؟
ويضيف بن مائير: إن من أسوأ سلوكيات نتنياهو تلك التي تتمثل في انعدام رغبته في إيجاد استراتيجية أمن قومي حقيقي تقوم على السلام. وهو بذلك يقودنا إلى الكارثة.
ثم جاءت استطلاعات الرأي التي أوضحت أن 28% من اليهود يفكرون في الهجرة من إسرائيل، كما أعرب 56% عن قلقهم من نشوب حرب أهلية، وأن الدولة مهددة بانقسام داخلي.
حتى إن زعيم المعارضة يائير لابيد حذّر في خطابه أمام الكنيست من أن البلد في طريقه إلى كارثة، ووجه كلامه إلى الحكومة قائلاً: أنتم تُلحقون الضرر بأمن الدولة، وبالجيش، وتمزّقون المجتمع.
وبدأت قضية الحق الفلسطيني تثير مخاوف البعض، وهو ما تحدث عنه السفير دانييل شابيرو، وهو يهودي، وكان سفيراً لأمريكا في إسرائيل، أمام معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب. وقال إن حل الدولتين، والدولة الفلسطينية المستقلة، هما السبيل الوحيد الذي يحمي أمن ومصالح إسرائيل، وأعلن تأييده للتطلعات المشروعة للفلسطينيين في دولة مستقلة تعيش في سلام مع إسرائيل.
لم يكن بعيداً عن هذه المخاوف تزايُد النظرة السلبية لعدد من شعوب العالم إلى إسرائيل. وهو ما عبر عنه يائير لابيد وزير الخارجية السابق، وزعيم المعارضة، الذي كان قد أعلن في بداية عام 2022 أن التصاعد المستمر في العالم في وصف إسرائيل بالدولة العنصرية سيمثل بدوره تهديداً للدولة.
كل هذه المواقف كانت في مجملها تجسيداً على أرض الواقع لما سبق أن تخوّفت منه منظمة ومنتدى سياسة إسرائيل، التي انتشرت فروعها في مختلف الولايات الأمريكية، ولهذا اتخذت موقفاً معارضاً ورافضاً لحكومات إسرائيل من منطلق خوفها على يهود إسرائيل مما ستُلحقه بهم سياساتها من مخاطر، وكذلك على الأمن القومي للدولة ذاتها.
("الخليج") الإماراتية