تتسارع وتيرة الأحداث في المنطقة بشكل دراماتيكي ما ينذر بأن الأسوأ قادمٌ لا محالة. فبين تعنت إسرائيل وضربها عرض الحائط بكل المناشدات الدوليّة والأمميّة لخفض التصعيد وإرساء اتفاقيات تسوية في قطاع غزّة ولبنان وضعف الإدارة الأميركية وغياب الموقف العربي الموحد وتشرذم الساحات العربية التي ينوء بعضها تحت ويلات الحرب والتشتت والفقر، تجد تل أبيب الفرصة سانحة لها لاستكمال خططها الاستيطانية ومشاريعها التوسعية.
وسترسم نتائج الانتخابات الرئاسية الاميركية المزمع إجراؤها بداية الشهر المقبل صورة واضحة عن المسار الذي ستسلكه الاحداث ولاسيما في ملفين رئيسيين وهما، ساحات الاقتتال في منطقة الشرق الأوسط والعلاقة مع إيران. فالملفان المتداخلان شكلاً ومضموناً سيكونان محور الأيام المقبلة بعد بروز معطيات بأن "ضرب الأذرع" الايرانية ما عاد يجدي نفعاً. ومن هنا يتعاظم الحديث عن ضربة اسرائيليّة "فتاكة" لإيران، وهو ما تهابه دول العالم لما سيكون له من تداعيات وارتدادات على مختلف الأصعدة.
هذا وركزت الصحف العربية الصادرة اليوم على الأوضاع في شمال قطاع غزّة الذي يقبع تحت حصاراً مطبقاً لليوم السابع على التوالي وسط انعدام كافة مقومات الحياة الأساسية وبين العدوان الاسرائيلي المستمر على لبنان والذي ارتكب أمس مجزرة مروّعة في عُمق العاصمة بيروت، ذهب ضحيتها أكثر من 22 شهيداً وعشرات الجرحى، في استهداف هو الأكبر من حيث عدد الضحايا والدمار الهائل الذي خلفه القصف.
وعلى وقع موجة نزوح جديدة بعد الاستهداف لحيّين سكنيّين مكتظين، أفادت مصادر "حزب الله" بأن مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق بالحزب وفيق صفا نجا من محاولة الإغتيال. ومنذ 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، طالت ضربات إسرائيلية أهدافاً في قلب بيروت مرتين، وكانت أولى تلك الضربات حين استهدفت عناصر في "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" في منطقة الكولا. أما الضربة الثانية فاستهدفت مقراً للهيئة الصحية الإسلامية التابعة لـ"حزب الله" في الباشورة.
وفي غضون ذلك، يستمر الاحتلال بتصعيد عدوانه وتكثيف هجماته البرية حيث بث الإعلام الحربي التابع لـ"حزب الله" مشاهد من تصدي مقاتليه لما قال إنها "محاولات تسلل قوات الاحتلال الإسرائيلي" داخل الأراضي اللبنانية وتفجير عبوات ناسفة فيها. في وقت يدأب الحزب على قصف شمال إسرائيل بشكل يومي مستهدفاً مستوطنات وتجمعات لجنود إسرائيليين في عدة مستوطنات. وأفادت "القناة الـ14 الإسرائيلية" بأن أكثر من 10 آلاف صاروخ وقذيفة أطلقت باتجاه إسرائيل منذ بداية الحرب في الشمال.
ديبلوماسياً، تكثف الحكومة اللبنانية جهودها واتصالاتها المحلية والخارجية لوقف العدوان الاسرائيلي مع تعهدها المستمر بتطبيق القرار الدولي 1701، وهو ما عبّر عنه مندوب لبنان لدى الأمم المتحدة هادي هاشم الذي أشار إلى أن لبنان ملتزم تمامًا بالمبادرة الفرنسية - الأميركية لوقف إطلاق النار لمدة 21 يومًا "خلالها يمكننا تسوية القضايا الحدودية العالقة". واتهم إسرائيل بأنها وافقت على المبادرة "قبل أن تتراجع عنها وتكثف عدوانها".
لكن مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، داني دانون أكد أن العملية العسكرية "ستستمر حتى يتم تفكيك سيطرة "حزب الله" على جنوب لبنان ولا يتمكن من مهاجمة الإسرائيليين عبر الحدود". كلام دانون يتوافق مع ما نشرته "هيئة البث الإسرائيلية" عن رفض نتنياهو طلب الرئيس الأميركي جو بايدن بإنهاء العملية العسكرية في لبنان بأقرب وقت ممكن والتوصل لاتفاق سياسي. إلا أن نتنياهو، وفق الهيئة، أبلغ بايدن أن هناك فرصة نادرة لتحقيق إنجازات عسكرية وسياسية في لبنان.
ومع فشل مجلس الأمن، كما كان متوقعاً، من اصدار قرار يوقف إطلاق النار. برزت مؤشرات ومعطيات خطيرة تمثلت بإطلاق الجيش الاسرائيلي النار "بشكل متكرر" على مواقع "اليونفيل" في جنوب لبنان، مما أسفر عن إصابة اثنين من القبعات الزرقاء بجروح ما أثار موجة تنديدات وشجب دولية. وفي هذا الصدد، أكدت "اليونفيل" على لسان المتحدث بإسمها أندريا تينينتي أنها "عازمة على البقاء في مواقعها بجنوب لبنان رغم الهجمات الإسرائيلية في الأيام القليلة الماضية، وكذلك الأوامر التي يوجهها الجيش الإسرائيلي بالمغادرة".
وعلى المقلب الفلسطيني، تواصل قوات الاحتلال محاصرة مخيم جباليا لليوم السابع على التوالي وسط تدهور الأوضاع الانسانية وإعاقة عمل الطواقم الطبية والإسعافية ومنع وصول المساعدات. ولم تلق المناشدات الدولية أي اذاناً صاغية للتدخل الفوري وانقاذ حياة 400 الف شخص مُحاصر. بالتوازي، ارتكب العدو الاسرائيلي مجزرة في مدرسة رُفيدة التي تؤوي نازحين غربي مدينة دير البلح، وسط قطاع غزّة، موقعاً عشرات القتلى والجرحى، مما يرفع عدد مراكز الإيواء والنزوح التي قصفها الاحتلال منذ بدء عدوانه إلى 190 مركزاً.
وفي خطوة استفزازية ودون أي اعتبار للمجتمع الدولي، قرر الاحتلال الاسرائيلي مصادرة الأراضي المقام عليها مقر وكالة "الأونروا" في القدس وتخصيصها لبناء وحدات استيطانية جديدة.
وفي جولة على الصحف العربية الصادرة اليوم:
ركزت صحيفة "الاتحاد" الاماراتية على أن "اسرائيل، بدلاً من أن تبحث عن حل شامل وعادل، تعتمد على استراتيجية فرض الحلول من خلال القوة، وهي بذلك تراهن على كسر إرادة الشعب الفلسطيني"، لكنها لفتت إلى أن "ما تتجاهله هذه الاستراتيجية هو أن الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يتخلى عن حقه في الحرية والاستقلال…فالتفوق العسكري قد يخضع الأجساد لفترة مؤقتة، لكنه يعجز عن السيطرة على الأفكار والعقول".
وأشارت صحيفة "القدس العربي" إلى أن "نتنياهو، وجد في عملية حركة "حماس" في غلاف غزّة، الفرصة التي ينتظرها لقلب الطاولة على كل خصومه السياسيين، داخل إسرائيل، على أمل الفوز لاحقاً في معركته ضد الجهاز القضائي، وفي منع المحاكمات التي تطارده، ثم فتح له الدعم والتعاطف والتواطؤ الأمريكي – الغربيّ الطريق بسرعة ليدفع باتجاه الإبادة الجماعية لسكان قطاع غزة، ولإلغاء المشروع السياسي الفلسطيني برمّته".
وفي الإطار عينه، رأت صحيفة "الأهرام" المصرية "أن غزّة لن تعود كما كانت قبل 7 أكتوبر 2023 فالزمن لن يعود للوراء"، مشبهة ما يحصل اليوم بأنه "لا يقل خطراً بل ربما أكثر مما جرى عام 1948 في النكبة الأولى ونعيش حالياً النكبة الثانية". وخلصت إلى أن "غزّة تعيش وسط جحيم ولهيب النار والمجتمع الدولي لايتحرك إلا بالكلمات".
ووفق قراءة خاصة لصحيفة "الراي" الكويتية، فإن نتنياهو يصرّ على ضرب إيران لجر أميركا إلى الحرب أو إلى الدفاع عن إسرائيل بما أوتيت من قوة، لما يقدم له هذا الاشتباك من فرصٍ لفرض سياسته التوسعية التي تتيح له البقاء في الحكم لأطول مدة ممكنة أو تقدم له الفرصة الذهبية لمعاودة انتخاب دونالد ترامب إذا تلكأت الإدارة الديمقراطية الحالية عن دعمه العسكري، ما سيؤثر، بتقدير نتنياهو، على مسار الانتخابات الأميركية.
ونبهت صحيفة "الرياض" السعودية الى أن "أفق الحل الدبلوماسي أصبح أكثر ضيقاً مما كان عليه في ظل التوجهات الإسرائيلية الحالية"، مشددة على أن "الحسابات شديدة التعقيد في هذه الحرب، ما يجعل التنبؤ بمساراتها أو نتائجها أكثر تعقيداً، ولكن حال تطورها فالنتائج قد تكون كارثية، وهنا يأتي دور الدبلوماسية وحلولها..فلا يمكن أن تستمر الحرب دون نهاية، فهذا الأمر ضد طبيعة الأشياء".
وفي سياق آخر، أشارت صحيفة "الخليج" الإماراتية إلى أن "إصرار إسرائيل على حظر وكالة "الأونروا" يقصد به تفكيك منظمة دولية خدمة لأهداف باتت واضحة، بما يتحدى إرادة المجتمع الدولي ويعمّق انتهاكات القرارات التي صدرت عن محكمة العدل الدولية، لأن الوكالة بالنسبة لإسرائيل تشكل هاجساً دائماً باعتبارها الناقوس الذي يذكّر بالقضية الفلسطينية وبوجود اللاجئين".
(رصد "عروبة 22")