من الملاحظ أنّ هذا المسلسل ليس العمل المصري الأول أو الوحيد الذي قدّم فكرة السفر عبر الزمن، ولكن سبقته أفلام ومسلسلات عديدة، عالجت حلم التنقل عبر الأزمنة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، فيلم "رسالة إلى الوالي" من بطولة عادل إمام، الذي جسّد دور فارس شجاع من العصر المملوكي، مُكلّف بإيصال رسالة مهمة إلى والي مصر آنذاك "محمد علي".
يجوز لنا القول إنّ فيلم "رسالة إلى الوالي" يُعد من كلاسيكيات السينما العربية، حيث كان هذا العمل محاولة متواضعة ولكن جريئة في الوقت نفسه، سعت إلى التطرق لما آلت إليه الأوضاع السياسية والاجتماعية في مصر، باستخدام تيمة السفر عبر الزمن.
إلّا أنّ مسلسل "عمر أفندي" ورغم أنّه لم يُقدّم فكرة جديدة أو مبتكرة، لكنه لاقى نجاحًا جماهيريًا واسعًا. فما السر في تربع القصص الإنسانية لعمر وزينات وشلهوب ودياسطي على قلوب المشاهدين من المحيط إلى الخليج؟.
قبل أن نوقد "لامبة" ونرافق "علي" في رحلته الزمكانية عبر السرداب، دعونا نتعرف أولًا عن ماهية السفر عبر الزمن، ولماذا ظل حلم التنقل عبر الأزمنة والأمكنة يراود البشرية منذ لحظات إدراكها الأولى.
السفر عبر الزمن، وهو مفهوم أذهل البشرية لقرون، يمتد بين عوالم الخيال العلمي والفلسفة والفيزياء النظرية. تثير فكرة التحرك إلى الوراء أو إلى الأمام في الزمن أسئلة عميقة حول طبيعة الواقع والسببية والخبرة الإنسانية. يعتقد أينشتاين من خلال نظرية النسبية أنّ الوقت ليس ثابتًا بل هو بُعد متشابك مع الفضاء لتشكيل نسيج الزمكان. تُقدّم هذه النظرية مفهوم تمدد الزمن، حيث يمكن للزمن أن يتباطأ أو يتسارع اعتمادًا على السرعة النسبية للجسم، وهي النقطة الأساسية التي اعتمدت عليها حبكة "عمر أفندي".
إضافة إلى اعتماد القصة على مفهوم السفر عبر الزمن إلى الماضي، وهو مفهومٌ يطرح العديد من المفارقات التي تعقد إمكانية تنفيذه، وأشهرها "مفارقة الجد"، والتي تسأل ماذا سيحدث إذا عاد مسافر عبر الزمن ومنع وجوده عن غير قصد من خلال تغيير الأحداث الماضية. تتحدى مثل هذه المفارقات اتساق السببية، مما يشير إلى أنّ فعل تغيير الأحداث الماضية يمكن أن يخلق تناقضات ويُغيّر المستقبل بطرق لا يمكن التنبؤ بها.
تجدر الاشارة إلى أنّ المسلسل الأميركي "11.22.63" الذي أعاد صياغة حادث اغتيال الرئيس الأميركي جون كينيدي، قد طرح فكرة تغيير الماضي وما يترتب عنه من مخاطر. نجد كذلك المسلسل الألماني الشهير "دارك" الذي يُعد من أكثر أعمال الخيال العلمي التي ناقشت "مفارقة الجد".
بالإضافة إلى الجوانب العلمية والنظرية، كان للسفر عبر الزمن تأثيرٌ عميقٌ على الثقافة الشعبية والفكر الفلسفي. ففي الأدب والسينما، غالبًا ما يعمل السفر عبر الزمن كأداة حبكة لاستكشاف موضوعات القدر والإرادة الحرة وعواقب الأفعال البشرية.
تُعتبر رواية "آلة الزمن" للمبدع البريطاني هـ. ج. ويلز وأفلام مثل "العودة إلى المستقبل" و"بين النجوم"، من أشهر الإبداعات الفنية التي اعتمدت السفر عبر الزمن كوسيلة لفحص أسئلة معقدة حول الوجود البشري وطبيعة الواقع.
على المستوى الفلسفي، يتحدى السفر عبر الزمن فهمنا للسببية وتدفق الوقت، لأنّه يُثير تساؤلات حول الحتمية مقابل الإرادة الحرة وطبيعة التجربة الزمنية. وإذا كان السفر عبر الزمن مُمكنًا، فسوف يجبرنا على إعادة النظر في طبيعة الهوية الشخصية واتساق تجاربنا. فكيف سيتغيّر فهمنا للمسؤولية الأخلاقية والسلوك الأخلاقي إذا كان من الممكن تغيير المستقبل أو تصحيح أخطاء الماضي؟ سؤال حاول "علي" الإجابة عليه بتقمصه لشخصية "عمر أفندي" في محاولة منه للتعرف على أسرار ماضي والده الذي كان دائمًا شخصية غامضة ومثيرة للريبة.
من بين أبرز الأسباب التي جعلت مسلسل "عمر أفندي" يتصدر قائمة المشاهدات، حالة النوستالجيا الشديدة التي انتابتنا ونحن نشاهد عملًا ذكّرنا بالزمن الجميل، وسافر بنا إلى فترة اتسمت بالرقي والنبل والبساطة.
لقد أبان المشاهد العربي عن تعطشه الشديد إلى ذكريات "الماضي الطفولي" الذي كانت السينما المصرية أحد أهم محطاته. يظل السفر عبر الزمن مفهومًا مُغريًا يحن إلى الماضي ويستفز الخيال ويسائل الحاضر. لكل منا رغبة دفينة في العودة إلى الوراء لتصحيح خطأ ما، أو الاعتذار عن سلوك مؤذٍ أو مراجعة قرارات مصيرية عديدة، مثل، الدراسة والسفر والزواج والإنجاب.. لكن عليك أن تتأكد عزيزي القارئ، أنّ أفضل سيناريو كان من الممكن أن يحدث لك، هو عيش الحاضر والتخطيط للمستقبل!.
(خاص "عروبة 22")