تُنذر التطورات العسكرية والميدانية في لبنان بأن الحرب الطاحنة التي تدور رحاها على أرض الجنوب لن تكون "نزهة سهلة" للإسرائيليين رغم تفوقهم الجوي. فنجاحُ "حزب الله"، حتى اللحظة، بصدّ التوغل البري ومنع توسعته يؤكد أن الحلول السياسية بعيدة المنال طالما أن الكلمة الفصل ستكون لمحاور الجبهات القتالية التي لا يبدو فيها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في موقع القوة على الرغم من التصريحات الاسرائيليّة المتكررة حول القضاء على ترسانة "حزب الله" وصواريخه.
وعلى وقع الميدان المشتعل، تتواصل الاتصالات الدولية لاسيما الأميركية والفرنسية منها، التي تحث لبنان على استعجال انتخاب رئيس للجمهورية فوراً، في محاولة لتوظيف المرحلة "المفصليّة"، وهو ما يرفضه "حزب الله"، الذي يعتبرُ أن "الاستثمار في خسارته" لا يزال بعيد المنال ويصرُّ على شرطٍ واحدٍ وهو وقف إطلاق النار.
وعليه ركزت الصحف العربية الصادرة اليوم على مضي إسرائيل في رفض القرار الدولي 1701 من خلال استمرارها بإستهداف قوات "اليونيفيل" العاملة في جنوب لبنان رغم حملة الإستنكار والشجب الدولية. كما سلطت الضوء على الإبادة الجماعية التي تُرتكب بحق الفلسطينيين في شمال قطاع غزّة، الذين يتعرضون للتجويع والتعطيش والتهجير بسبب الحصار المفروض عليهم لليوم العاشر على التوالي.
وفي التطورات اللبنانية، شن "حزب الله" هجوماً "نوعياً" بسرب مسيرات انقضاضية على معسكر تابع للواء غولاني في بلدة بنيامينا جنوبي حيفا، موقعاً 4 قتلى وعشرات الإصابات. بينما توّعد الحزب بجعل "حيفا بمثابة كريات شمونة" من خلال استهدافها بالصواريخ والمسيرات، وهو ما يطرح معادلة جديدة من شأنها أن تكرس واقعاً مختلفاً بعد هذه العملية الأضخم منذ بدء العدوان الاسرائيلي على لبنان.
ومع تجدد استهداف مواقع "اليونيفيل"، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن أي هجمات "قد تشكل جريمة حرب". مع العلم أن الهجمات التي شنتها إسرائيل على برج مراقبة وكاميرات ومعدات اتصال وإضاءة حدت من قدرات هذه القوات على المراقبة، وذلك ضمن إطار المحاولات الإسرائيليّة المستميتة لإبعادها عن مراكز انتشارها وتموضعها على الحدود الجنوبية مع إسرائيل.
بدوره، لم يستجب نتنياهو لكل المناشدات الدوليّة وبيانات الإدانة بل توجه للأمين العام للأمم المتحدة داعياً إياه لإخراج "اليونيفيل" من معاقل "حزب الله" ومناطق القتال"، معتبراً أن "رفض الأمم المتحدة إخلاء الجنود يجعلهم رهائن لدى "حزب الله" ويعرض حياتهم وحياة الجيش الإسرائيلي للخطر"، بحسب إدعاءاته.
ميدانياً، وعلى الرغم من الهدوء الحذر الذي ساد أجواء الضاحية الجنوبية لبيروت، إلا أن مختلف المناطق اللبنانية من الجنوب إلى البقاع فالشمال، شهدت غارات إسرائيليّة مكثفة، وأكثرها شراسة كانت بتدمير الاحتلال سوق النبطية الاثري الذي يشكل نبض المدينة التاريخي وموردها الاقتصادي.
في المقابل تابع "حزب الله" قصف مواقع إسرائيلية برشقات صاروخية، وخاض عدة اشتباكات ضارية مع تجمعات للعدو في مناطق جنوبية. هذا وتعهد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بعدم "عودة المخرّبين إلى القرى اللبنانية المحاذية للحدود"، مشدداً على أن "هذا هو الأمر الأساسي من أجل الحفاظ على سلامة سكّان الشمال".
وفي هذا الإطار، نقلت صحيفة "الجريدة" الكويتية عن مصدر إشارته الى أن "نتنياهو يضغط لتوسيع الحرب في الجنوب اللبناني، وتوجيه ضربات واسعة لـ "حزب الله" وسورية وإيران، في وقت لا يستمع لتقديرات الجيش حول الإمكانات المتاحة والقدرات الموجودة".
وكانت ايران جددت على لسان وزير خارجيتها عباس عراقجي استعدادها للحرب، حيث قال "لا نخشى الحرب ولكننا لا نريدها، نريد السلام وسنعمل من أجل تحقيق سلام عادل في غزّة ولبنان"، مشيداً بـ"الموقف الحازم" للحكومة العراقية الرافض لاستخدام مجالها الجوي ضد إيران. وتأتي هذه التصريحات مع إعلان وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) نيتها نشر منظومة الدفاع الجوي "ثاد" المخصصة لاعتراض الصواريخ الباليستية بعيدة المدى في إسرائيل، مبررة بأنها تأتي "للمساعدة في تعزيز الدفاعات الجوية الإسرائيلية في أعقاب الهجمات الإيرانية غير المسبوقة".
وفي موازاة ذلك، يعاني الفلسطينيون في شمال القطاع من نقص حاد في المياه والغذاء بسبب منع الاحتلال دخول المساعدات الإغاثية وفرضه حصار مطبق وذلك بعد فصله عن مدينة غزّة. ووصف المكتب الاعلامي الحكومي ما يجري بأنه "أكبر وأخطر مخطط تهجير أميركي إسرائيلي في القرن الـ21". وتطبق اسرائيل ما يسمى بـ"خطة الجنرالات" الهادفة لتهجير الثلث الشمالي من القطاع، بما في ذلك مدينة غزّة، قبل إعلانها منطقة عسكرية مغلقة.
ويتفنن الاحتلال بإرتكاب الجرائم الموصوفة، حيث استشهد 22 شخصاً بينهم 15 طفلاً وامرأة وأصيب حوالي 80 آخرين في قصف مدرسة بمخيم النصيرات بقطاع غزّة، ليرتفع عدد مراكز النزوح التي قصفها الاحتلال منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 191 مركزاً، فيما استهدف لاحقاً النازحين للمرة السابعة في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح وأحرقهم وهم نيام.
وضمن جولة الصحف العربية الصادرة اليوم، نستعرض:
فندت صحيفة "الخليج" الاماراتية الأسباب التي تدفع إسرائيل لاستهداف قوات "اليونيفيل" ومنها: أنها لا تريد شاهداً دولياً على جرائمها ضد المدنيين، كما سعيها لإصدار قرار جديد من مجلس الأمن يناسب أهدافها وإبعاد هذه القوات شمالاً حتى نهر الليطاني كي يتسنى لها احتلال المنطقة وتفريغها من سكانها. الى جانب توجيه رسالة إلى الحكومة اللبنانية والمؤسسات الدولية بأنها تريد ترتيبات أمنية جديدة تناسبها، ربما على شاكلة اتفاق 17 مايو/ أيار عام 1983.
بدورها، رأت صحيفة "عكاظ" السعودية أنه في "خضم الدمار والقتل وبادعاء بطولة مزيفة وتهديدات جوفاء في غزّة، نهض "حزب الله" بذات المغامرة الطائشة ليضع مصير لبنان في "كف عفريت"، ويجعله رهناً لتقديرات الآلة العسكرية الإسرائيلية، وتقديراتها الأمنية، وأجندتها السياسية لينتهي بنا المشهد إلى كارثة توشك أن تتحوّل إلى حرب تجتاح لبنان وقد تشمل كامل المنطقة".
واعتبرت صحيفة "الدستور" الأردنية أنه "لم يعد خافياً على أحد أن أسرائيل في عدوانها على لبنان ترمي الى فتح مسارات لانهاء وجود "حزب الله" في لبنان.. ولتغادر من لبنان نحو سوريا"، مشددة على أن "سقوط دمشق يعني استراتيجياً أن حواضرنا العربية من بغداد الى القاهرة ستسقط تلقائياً في يد حاخامات اورشليم، ويتحقق الوعد التوراتي"، وفق ما أوردته.
ووفق صحيفة "اللواء" اللبنانية، فإن نتنياهو يربط موافقته على تنفيذ وقف اطلاق النار مع "حزب لله"، بأمرين، الأول تحقيق مزيد من تدمير البنى التحتية وقواعد الحزب على طول الحدود اللبنانية، أما الامر الثاني فهو انتظار الضربة التي تنوي إسرائيل توجيهها إلى طهران ومعرفة الرد الإيراني المرتقب بعدها.
بدورها، تساءلت أوساط مطلعة عبر صحيفة "الراي" الكويتية عما يمكن أن يُفضي إليه "الاستنفارُ الدبلوماسي الإيراني الذي عبّرت عنه خصوصاً جولة عراقجي في المنطقة وصولاً إلى بغداد أمس، والذي استشمّ منه أنه يعكس محاولة لفتح الباب ولو مواربة على مخرج صار يتطلّب واقعياً تراجعات في لبنان وغزة تحدّ من الخسائر وتوقف تمددّها حتى إلى طهران نفسها".
وفي سياق متصل، لفتت صحيفة "القدس العربي" الى أن إسرائيل بدأت تطبّق ما تسميه "خطة الجنرالات" في شمال قطاع غزّة، بحيث تجتمع ظروف الإبادة والتطهير العرقي مع المجاعة. وخلصت الى القول "أصيب العالم بتبلّد وتطبيع مع القتل اليومي، وأضحى انفلات إسرائيل الجنوني خارج التحكم، وهو ما يجعل حدثا غير معقول، مثل أن تتحوّل "خطة الجنرالات" إلى تطهير عرقيّ للفلسطينيين، حدثاً ممكناً".
من وجهة نظر صحيفة "الوطن" القطرية، فإن "الصورة ما لبثت أن تغيرت بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، حيث عادت القضية الفلسطينية لتطرح على أجندة الاهتمام الدولي، وما نتج عنه من تطور في موقف العديد من البلدان"، معددة بعض الحوادث التي صنفتها كـ"انتصارات سياسية كبرى لم تكن لتتحقق لولا عملية "طوفان الأقصى" والتضحيات الجسام للشعب الفلسطيني".
أما صحيفة "الأهرام" المصرية، فسلطت الضوء على خلاصات حرب غزّة وما نتج عنها لاسيما لجهة التأكيد أن "منطقة الشرق الأوسط لا زالت أسيرة للحرب بالوكالة بين إيران والجماعات المسلحة الموالية لها، وأن لا حرب ولا سلام بين إيران وإسرائيل تخدم مصالحهما داخلياً وإقليمياً، وتتيح للولايات المتحدة أن توظف هذا الوضع لما يصب في الدفاع عن مصالحها في الشرق الأوسط".
(رصد "عروبة 22")