لعل من أبشع المناظر وأكثرها إيلاماً في العدوان الصهيوني على غزة رؤية احتراق الأبرياء المدنيين في خيام النازحين بمستشفى شهداء الأقصى، بعد قصف جيش الاحتلال لخيامهم، وعجز من حولهم عن إنقاذهم! يظن الكيان الصهيوني أنه بارتكابه لهذه المجازر سيتمكن من كسر إرادة الشعب الفلسطيني، ودفع المقاومة في غزة نحو رفع راية الاستسلام!
ذكرتني هذه المشاهد بالصورة المشهورة لطفلة فيتنامية تهرب وهي عارية وفي جسدها آثار الحروق ومعها مجموعة من الأطفال وهم حفاة من المناطق التي شن فيها الجيش الأميركي غارات أدت إلى حرقها!
رجعت بالذاكرة إلى الحرب الفيتنامية وقرأت عن العدوان الأميركي على فيتنام والذي استمر لما يقارب الثمان سنوات، استخدمت فيه الولايات المتحدة كل أنواع الأسلحة - حتى المحرمة دولياً - وكيف أن طائرات بي 52 كانت تحرق الأخضر واليابس! وكيف دفعت بأكثر من 500 ألف جندي أميركي، من أجل تحقيق النصر!
إلا أن المقاومة الشعبية الفيتنامية كانت عصية على الانكسار، واستطاعت التأقلم مع فارق القوة والإمكانات، وتمكنت من إلحاق خسائر كبيرة في القوات الأميركية سواء في الأفراد أو المعدات، إذ قتل من الجيش الأميركي ما يقارب 57 ألفاً، وأصيب 153 ألفاً، و تم أسر 587 جندياً، وخسر سلاح الجو الأميركي 15 طائرة، و93 ضابطاً من سلاح الطيران.
ومع هذه الخسائر الكبيرة بدأت المظاهرات تجوب الشوارع الأميركية تطالب بإيقاف الحرب والانسحاب من فيتنام، وازداد الضغط على الحكومة الأميركية بعد نشر وسائل الإعلام لممارسات بشعة قام بها الجنود، عندما تم قتل مواطنين مدنيين عُزّل بسلاح أحد الجنود!
ومع صمود الشعب الفيتنامي ومقاومته، وعجز الجيش الأميركي عن تحقيق انتصار واضح، تم الإعلان في يناير 1973 عن التوصل إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار، يتضمن وقف جميع أنواع العداء، وانسحاب القوات الأميركية من فيتنام خلال شهرين، وإطلاق سراح الأسرى من الطرفين. ومع نهاية مارس 1973 غادر آخر جندي أميركي فيتنام .
لا أظن أن الشعب الفيتنامي أكثر شجاعة من أهل غزة، ولا أكثر إيماناً بقضيتهم من أهل فلسطين، ولا أكثر دوافع على الصمود من أهل غزة وفلسطين، والذين تنبع تضحياتهم من منطلق عقدي، وهو الخروج من المعركة بإحدى الحسنيين إما النصر وإما الشهادة .
أنا على يقين باستمرار صمود أهل غزة، و بأن العدوان عليها سينتهي، وأن جيش الاحتلال سيجر أذيال الهزيمة، وبأن معركة طوفان الأقصى ستكون المسمار الأخير في نعش الكيان الصهيوني .
(الراي الكويتية)