صحافة

"المشهد اليوم"... إسرائيل تحوّل جنوب لبنان إلى "أرض محروقة"إيران تستبق "الضربة الإسرائيلية" بجولة دبلوماسية عربية ودعم خليجي أوروبي لـ"حل الدولتين"

غارات جوية إسرائيلية على مدينة النبطية (أ.ب)

لا شك في أنّ جولة وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي إلى الدول العربية والخليجية تحمل عدة دلالات ومعانٍ، لا سيما أنها تأتي استباقًا للضربة الإسرائيلية المرتقبة على طهران، وبالتزامن مع التصعيد الخطير في المنطقة والتحذيرات المتصاعدة من حرب استنزاف طويلة سيكون لها ارتداداتها الإقليمية. ومن هذا المنطلق، تسعى طهران لحماية نفوذها ومكتسباتها لوقف الحرب في قطاع غزّة ولبنان عبر إرسال رسائل مباشرة وغير مباشرة لواشنطن تؤكد فيها رغبتها بفتح ملف التفاوض مجددًا.

ووصل عراقجي مساء أمس، الأربعاء، إلى القاهرة - في أول زيارة لمسؤول إيراني على هذا المستوى منذ العام 2013- لبحث التطورات، خاصة أن لمصر دورًا متقدمًا في التسوية التي عرقلتها اسرائيل مراراً وتكراراً بشأن اطلاق سراح الرهائن في غزّة وإرساء صفقة توقف حمام الدم المستمر. ويتطابق كلام عراقجي مع تصريحات الرئيس الايراني مسعود بزشكيان، التي أطلقها الشهر الماضي من نيويورك، وتحدث فيها عن أنّ بلاده تريد "السلام"!.

وعليه لم يختلف المشهد في الصحف العربية الصادرة اليوم عن سابقاته مع تواصل العدوان الاسرائيلي على قطاع غزّة إلى جانب تصاعد حدة عملياته العسكرية البرية وتكثيف غاراته في لبنان إسوة لما يجري على الساحة الغزاوية، حيث أوجه الشبه واضحة لجهة ارتكاب المجازر في صفوف المدنيين ودكّ المدن الكبرى وتدميرها عن بكرة أبيها، كما في قرى وبلدات الجنوب والنبطية تحديداً، التي كانت أمس على موعد مع مجزرة ارتكبها الاحتلال في مبنيي بلديتها واتحاد بلدياتها، ما أودى بحياة 16 شهيداً من بينهم رئيس البلدية أحمد كحيل وأعضاء آخرين.

كما استهدف العدو بحزامٍ ناريّ بلدة جويّا أثناء قيام فرق الاسعاف بتشييع شهداء البلدة ما أوقع عدد من الاصابات وخلق حالة من الذعر والخوف. في وقت تداولت حسابات اسرائيلية مشاهد لتفجير قرية محيبيب الحدودية ونسف الأحياء والمباني بشكل كامل بحجة استهداف نفق لقوة "الرضوان" في القرية.

ويعكس حجم التدمير والخراب الهائل نوايا اسرائيل الحقيقية بتحويل البلدات الجنوبية إلى أراضٍ غير صالحة للعيش وإبعاد سكانها عنها بشكل نهائي عبر اعتماد سياسة "الأرض المحروقة" وبعد سلسلة من أوامر الاخلاء والتحذير من العودة "حتى إشعار آخر". وفي هذا الصدد، ذكرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين "أن نحو خمس سكان لبنان فروا من منازلهم، ونحو ربع البلاد يخضع لأوامر الإخلاء العسكرية الإسرائيلية". يُشار الى أن الغارات عادت أمس الى الضاحية الجنوبية لبيروت بعد 6 أيام من الهدوء الحذر.

وعلى خط الجبهات، يخوض "حزب الله" معارك ميدانية ضارية واشتباكات عنيفة على طول الشريط الحدودي بعضها من مسافة صفر مع القوات الاسرائيلية بهدف منع توغلها البري في العُمق اللبناني. وكان "حزب الله" أعلن إدخال صاروخين دقيقين الى أرض المعركة، هما صاروخ "نصر 1" و"قادر 2"، بينما واصل إطلاق الصليات الصاروخية واستهداف الآليات والقواعد العسكرية والتجمعات الخاصة بالجنود كما قصف حيفا وصفد وكريات شمونة.

وفي هذا السياق، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إن القتال مستمر حتى تعيد إسرائيل "بشكل آمن مواطنيها إلى منازلهم"، مضيفاً "لن نجري المفاوضات إلا تحت النار"، وذلك في معرض رده على نائب الامين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم الذي رهن عودة سكان الشمال بوقف اطلاق النار كشرط أساسي للتفاوض.

وتستمر اسرائيل بإنتهاكاتها ضاربة عرض الحائط بكل المطالب الدولية، حيث أعلنت قوة الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان "اليونيفيل" عن اطلاق دبابة إسرائيلية النار على برج مراقبة في أحد مواقعها ببلدة كفركلا جنوب لبنان. وبات واضحاً المخطط الاسرائيلي الرامي الى تضييق الخناق على هذه القوات لدفعها نحو الانسحاب من نقاط تواجدها وهو ما دعا اليه علنية رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وفي مقابلته مع صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية، ذكّر نتنياهو بأنّ القرار 1701 "لا يسمح سوى للجيش اللبناني بحمل أسلحة في المناطق الواقعة جنوب نهر الليطاني". وأضاف "مع ذلك، في هذه المنطقة، حفر "حزب الله" مئات الأنفاق والمخابئ، حيث عثرنا للتو على كمية من الأسلحة الروسية الحديثة". وجدد التأكيد على أن الهدف الوحيد من هذه الحرب "هو إتاحة العودة لمواطنينا الذين يعيشون على طول الحدود اللبنانية إلى ديارهم والشعور بالأمان".

بالتوازي لفتت وزارة الدفاع الإيطالية الى أن الدول الـ16 الأعضاء في الاتحاد الاوروبي والمساهمة في قوات "اليونيفيل" تحدثت عن ضرورة اتباع قواعد مختلفة. ومن المتوقع أن تزور رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني بيروت غداً، الجمعة، للوقوف عند آخر التطورات.

ووفق هذا المشهد القاتم، عبّر زعماء الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي المجتمعون ببروكسل - في أول قمة خليجية أوروبية من نوعها - عن دعمهم لجهود وقف النار في غزّة وإطلاق سراح الرهائن ودعم حل الدولتين، كما دعوا لخفض التصعيد بلبنان وتحييد المدنيين في الصراع.

وفي اليوم الـ377 من العدوان، واصلت إسرائيل شن غاراتها على قطاع غزّة، الذي بات يشكل أكبر مأساة في التاريخ الحديث. في وقت، حذر مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية من أن الوضع شمالي غزة "كارثي"، مشدداً على أن التصعيد "يقوّض بشدة قدرة الناس على الوصول إلى وسائل البقاء على قيد الحياة".

ورغم كل المآسي الانسانية، يستمر الدعم الغربي لاسرائيل ومدّها بالأسلحة، حيث وافقت الحكومة الألمانية خلال الأسابيع الثمانية الماضية على صادرات أسلحة لإسرائيل بقيمة حوالي 31 مليون يورو، وهو أكثر من ضعف قيمة الصادرات خلال 7 أشهر ونصف من بداية العام الحالي. وكانت تصريحات وزيرة خارجيتها أنالينا بيربوك أثارت بلبلة واسعة حين نزعت وضعية الحماية عن الأماكن المدنية وتشريع استهدافها "لأن ارهابيي حماس يستغلّونها"، وفق مزاعمها.

وأبرز ما أوردته الصحف العربية الصادرة اليوم:

تناولت صحيفة "الخليج" الإماراتية الهجوم الاسرائيلي المتواصل على وكالة "الأونروا" وصولاً إلى اعتبار أمينها العام شخصاً غير مرغوب فيه ومنعه من دخول إسرائيل، معتبرة "أن قرار مصادرة مقر الأونروا واقترانه بإقامة 1440 وحدة استيطانية على أنقاضه، هدف لطالما عجزت إسرائيل عن تحقيقه، حتى عبر محاكمها الخاصة، وها هي الآن تحصل على ذلك عبر مصادرة مقر "الأونروا"، والذي سينعكس، دون شك، على أنشطة الوكالة في مناطق عملها الأخرى".

وركزت صحيفة "عكاظ" السعودية على زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الى القاهرة وما نتج عنها. وعلقت على فحوى البيان الصادر لاسيما في الشق السياسي المتعلق بالأوضاع في غزّة ولبنان قائلة: "نحن أمام منعطف خطير في منطقتنا تضافرت عوامل عديدة في خلقه كي يضاف إلى المشاكل المزمنة، وهذا ما يتطلب استخدام كل الأوراق الفعالة للحد من هذا التدهور على الأقل".

من جانبها، سلطت صحيفة "الغد" الأردنية الضوء على جولة وزير الخارجية الايراني التي وضعتها في إطار تجنب "إيران بكل الوسائل الممكنة استدراجها نحو حرب إقليمية، تؤذي الشعب الإيراني وحياته واقتصاده". كما ربطت بينها وبين محاولات ايران "عبر دبلوماسية الساعة الأخيرة تجنب ضربة إسرائيلية، أو خفض سقفها وعدم استهداف منشآت نووية أو نفطية".

وتحت عنوان "ازدواجية معايير المجتمع الدولي"، تساءلت صحيفة "الأهرام" المصرية "ألا يرى المجتمع الدولي فى مذابح غزّة انتهاكاً لقواعد القانون الدولي العام، وللقانون الدولي الإنساني، وكيف يقبل الضمير الجمعي لدول وشعوب الغرب هذه الازدواجية في النظر إلى الأمور؟. وخلصت للقول "ان هذا البرود، يعيد التأكيد أن المجتمع الدولي لا يبالي بأرواح هؤلاء الأطفال والنساء الذين يجري ذبحهم بدم بارد كل يوم في غزة".

أما صحيفة "الراي" الكويتية، فتطرقت الى المعارك الميدانية في لبنان. وكتبت: "الميدان ما زال يحتاج إلى صولات وجولات من التطاحن قبل "ولادة من الخاصرة" لتسوية يخشى أن يسبقها المزيد من تسوية بالأرض لمناطق لبنانيةٍ، سواء لجعلها "ميتة" إلا من سيطرة إسرائيلية أو لإكمال ما تقول تل ابيب إنه تقويض لقدرات "حزب الله"  ومزيد من ضرب حلقات القيادة والسيطرة فيه".

وعلقت صحيفة "القدس العربي" على استهداف اسرائيل مقر بلدية النبطية معتبرة أن "نتنياهو وشركاؤه سيستمرون في عمليات الإبادة التي لا توفّر سيادة أو أرواحا أو مؤسسات، كما سيستمر بمحاولة اللعب على أوتار عدم استهداف الدولة اللبنانية، أو الجيش اللبناني، أو المدنيين اللبنانيين، أو جنود قوات حفظ السلام الأممية، لكنّ الحقيقة الواضحة للعيان أن آلة الإجرام الإسرائيلية قد أفلتت من عقالها وأن ذلك أدى إلى عطب هائل في نظام العالم الحديث الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وإسرائيل نفسها، من منتجاته".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن