خلال ولايتي باراك أوباما (2008- 2016) كان جوزيف بايدن نائباً للرئيس وعاصر سياسات أوباما وصفق لها. كان من هذه السياسات المبادرة التي اطلقها اوباما في شهوره الأولى حول النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وكانت تتضمن مطالبة إسرائيل بوقف بناء المستوطنات وهو ما جعل بنيامين نيتانياهو يسافر إلى واشنطن ومن قلب الكونجرس الأمريكي أجهض هذه المبادرة وسط تصفيق أعضاء الكونجرس.
وحين تولى بايدن الرئاسة عام 2020 كتبت أني لا أتوقع ان يقوم بايدن بأي مبادرة جادة حول فلسطين بعد فشل مبادرة اوباما وان كان قد وعد ببعض الفتات تجاه الفلسطينيين مثل إنشاء قنصلية امريكية في رام الله مقر السلطة الفلسطينية واعادة فتح مكتب "منظمة التحرير الفلسطنية" الذي كان ترامب قد أغلقه وإعادة تقديم المساعدات المالية التي كان ترامب قد أوقفها إلا أن أيا من هذه الوعود لم يتحقق.
في ترشيحه للرئاسة قدم بايدن نفسه باعتبار أنه يملك أكبر خبرة في قضايا السياسة العالمية، كعضوية مجلس الشيوخ ورئيس للعلاقات الخارجية، ثم نائب للرئيس وبعد 4 سنوات في الرئاسة يعتقد عدد من الباحثين والمحللين، ان سياسات بايدن الخارجية تتسم بالتناقض والاضطراب وعدم ثقة العالم. كان من مؤشرات ذلك قراره سحب القوات الأمريكية من أفغانستان. صحيح ان كلا من اوباما وترامب كانوا يخططان للانسحاب إلا ان بايدن هو الذي نفذه، ولكن تنفيذه كان عشوائياً ومضطرباً حيث قدمت القوات الأمريكية أسلحتها لطالبان التى جاءت للقضاء عليها.
ورغم أن بايدن كنائب للرئيس قد عاصر وصفق للاتفاق الذي توصل إليه اوباما مع إيران حول برنامجها النووى، فإنه عجز عن استعادته بعد ان ألغاه ترامب. أما الأزمة التى يعيشها العالم منذ ثلاث سنوات ويعانى آثارها الاقتصادية والتجارية، وهي الحرب الروسية الأوكرانية، فإن إدارة بايدن للحرب منذ يومها الأول لا توحي بالعمل على التوصل إلى تسوية سياسية تحافظ على استقلال اوكرانيا وتلبي المخاوف الامنية الروسية ولكن على العكس كانت تعمل، وتحشد حلف الناتو، لاستدامة هذه الحرب وهو ما يعكسه حجم الدعم العسكري الأمريكي والغربي الذي قدم لأوكرانيا، وكان الهدف النهائي هو "إنكسار روسيا"، كما عبر صراحة لويد اوستن وزير الدفاع الامريكي.
توازي تقريباً مع الأزمة الأوكرانية، انطلاق عملية "طوفان الأقصى" لحركة "حماس"، والتي يستخدمها نيتانياهو ويمينه المتطرف ذريعة لشن حرب إبادة على الشعب الفلسطيني في غزة التي تحولت إلى ساحة مقابر، مع تشريد مليوني فلسطينى، ومنذ اليوم الأول وبايدن يؤيد بشكل مطلق العدوان الاسرائيلي ويرسل حاملات طائرات وغواصات، والمفارقة انه في الوقت الذي استيقظ بايدن على حجم الحرب الإسرائيلية وبشاعتها وبدأ يبعث بوزير خارجيته ورئيس المخابرات المركزية ومستشار الأمن القومى، لإقناع نيتانياهو بخطواته مثل عدم اجتياح رفح، ودخول المساعدات الإنسانية كان نيتانياهو يتحدى هذه المطالب، ويفشل كل جولات التوصل إلى هدنة.
ورغم مطالبة المبعوثين الامريكيين بوقف اطلاق النار، فإنه خلال هذا كان بايدن يستخدم حق الفيتو ضد مشروعات وقف إطلاق النار فى مجلس الأمن الدولي، ويواصل إرسال شحنات السلاح، ويطلب من الكونجرس تخصيص 14 مليار دولار لإسرائيل، واذا ما عبر عن غضبه من نيتانياهو فإنه يفعل ذلك على استحياء.
وفي محاولة لتبييض سجله الدولي، وبعد ما أوصل العلاقة مع الصين إلى أدنى مستوياتها، جعلت هنرى كيسنجر يتحدث عن احتمال حرب باردة جديدة، يبعث بايدن مستشاره للأمن القومي جاك سوليفان إلى بكين لمحاولة تخفيض التوترات خاصة العسكرية وكان الملف الاساسي هو التحكم في العمليات العسكرية حول تايوان وبحر الصين الجنوبي، أما الرئيس الصيني فكان رده ان طلب من الولايات المتحدة ان تعامل الصين كمنافس وليس كعدو.
...وهكذا يغادر بايدن السلطة والعالم يعيش مجموعة غير مسبوقة من الأزمات والنزاعات والحروب واحتمالات استخدام الأسلحة النووية.
(الأهرام المصرية)