يبدو أن دول الخليج كافة اتخذت موقفاً موحداً من الضربة الإسرائيلية لإيران (إن حدثت)، بامتناعها عن المشاركة والوقوف على الحياد، القرار اتخذ أولاً لمنع الانجرار لفخ يفجر المنطقة كلها، ويقودها لحرب مدمرة، ويبدو أن زيارة عراقجي وزير خارجية إيران هي للتأكد من هذا الموقف، وقد حصل عليه.
المهم الذي يجب أن تعرفه إيران أن دول الخليج اتخذت هذا القرار بناء على دراسة متأنية ولأن أولوياتها واضحة ولديها رؤية بينة لمستقبل المنطقة، فلديها مشروع تنموي كبير مصرة على تنفيذه وحريصة أشد الحرص على عدم الانشغال به بدلاً من الانشغال في حرب استنزافية جديدة.وما لم يصبها ضرر مباشر، فإن دول الخليج تنأى بنفسها عن هذا الصراع الخطير، بالرغم مما فعلته إيران بالمنطقة كلها، وذلك أن الذكاء السياسي الخليجي هو الذي يقتضي بالوقوف جانباً والاستمرار في عمليات التنمية والبناء الذي وعدت به أنظمة دول الخليج شعوبها.
كما أن دول الخليج تعرف أنها لن تحصل على منظومة "ثاد" ولن تحصل على مساعدات وتسليح، ولن تحصل على مدمرات وحاملات طائرات أمريكية، أو من دول الناتو كما حصلت عليها إسرائيل، فَلِمَ الانجرار في حرب لم تصبنا بضرر مباشر إلى الآن ولله الحمد والمنة. الأمر الثاني لطالما نصحت دول الخليج النظام الإيراني بأن مشروعها التوسعي لابدّ أن يصبها بضرر يوماً ما وتنافسها مع إسرائيل على مد النفوذ هو أخطر ما مر على المنطقة كلها نتيجة أن دولنا كانت جزءاً من ذلك المشروع، وأصابنا بأضرار فادحة، وظن النظام الإيراني أنه سيكون بمنأى عنها، إلا أنه ثبت أن حساباته خاطئة. وبعد أن انهار المشروع وجد النظام الإيراني نفسه مضطراً للمواجهة المباشرة بعد أن اعتقد أن وكلاءه سيغنونه عن ذلك.
والأمر الآخر النظام الإيراني يعاني من أزمات داخلية كبيرة جداً وخطيرة على سلامة نظامه واستقراره أخطرها الصراعات القيادية ضمن الحرس الثوري الإيراني بعضه البعض، وأخرى بين التيارات السياسية المتشددة والأخرى الجديدة التي تريد أن تبني أسساً جديدة لإيران مع النظام الإيراني (نتمنى لها النجاح)، ولهذا كله من مصلحة دول الخليج الانتظار، حتى تعرف كيف ستستقر الأوضاع الداخلية الإيرانية، ومن الخطأ الدخول الآن على خطوط المواجهة وتوحيد تلك الصفوف، بل من الذكاء الوقوف على الحياد والانتظار.
الأمر الأخير أسفر هذا الصراع الآن عن التخلص من أخطر المليشيات الإيرانية في المنطقة، وهذا في صالح أمننا واستقرارنا، رغم أن الثمن كان غالياً جداً، ولم نكن نود أو نتمنى أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه أبداً وقلوبنا مع الشعب اللبناني الذي دفع الثمن الأكبر نتيجة الاحتلال الإيراني والهمجية الإسرائيلية معاً.
الخلاصة وقوفنا على الحياد هو لصالح أمننا واستقرارنا ورخائنا كشعوب، وهذا هو القرار الذكي في وقت نحتاج فيه للحكمة والتعلم من الأخطاء ونتيجة لقوة موقفنا وتماسك جبهاتنا ولله الحمد، ونتيجة لأن قرارنا في يدنا ومصيرنا نرسمه نحن -وهذه نعمة لو تعلمون- فإننا لن نشارك في صراع لم نبدأه ولم نستشر فيه.
(الوطن البحرينية)