يعكس المشهد السياسي والميداني حجم التعنت الاسرائيليّ والتمسك بالشروط "التعجيزية" لإرساء موازين قوى جديدة تحدث عنها بإستفاضة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يعرقل المبادرات المطروحة إلى حين نضوج شروط التسويات. ولا يبدو في الأفق، رغم الضغوط الأميركية الحثيثة، أن هناك بوادر حلحلة حقيقية وأن ما يحدث اليوم مجرد تمرير للوقت الضائع على وقع التصعيد العسكري.
وبات من الواضح أن نتنياهو يُصر على التفاوض تحت "نيران الساحات المشتعلة" لتحسين شروطه وأوراق تفاوضه، في وقت يرفض لبنان كلياً هذا المسار ويدعو لوقف النار وبعدها استكمال المفاوضات ولا يختلف الوضع كثيراً في غزّة، التي ترزح تحت الجوع والدمار والقصف اليومي. وعليه سلطت الصحف العربية الصادرة اليوم الضوء على هذه العناوين الرئيسية، إلى جانب الدور الإيراني في المنطقة بعد الضربة الإسرائيليّة "المدروسة" بين الجانبين.
وفي التفاصيل، لم يخرج لقاء الدوحة الذي جمع رئيس جهاز الموساد الاسرائيليّ دافيد برنياع ورئيس وكالة المخابرات الأميركية المركزية وليام بيرنز ورئيس وزراء قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بأي معطيات جديدة سوى الاتفاق على استئناف المفاوضات الآيلة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في الأيام المقبلة. فيما أفاد موقع "أكسيوس" أن رئيس "السي آي إيه" طرح اتفاقاً لوقف النار لمدة 28 يوماً يتخلله الإفراج عن 8 رهائن لدى "حماس" وإطلاق سراح العشرات من السجناء الفلسطينيين.
ويتزامن ذلك مع توسيع الإحتلال الإسرائيليّ هجماته البرية والجوية والبحرية، على مناطق متفرقة في القطاع على وقع مواصلة ارتكاب المجازر بحق النازحين في مخيم جباليا ومحيطه. ويحاصر العدو لليوم الـ24 على التوالي ما يزيد عن 100 ألف فلسطيني في شمال القطاع، مانعاً دخول المساعدات الانسانية والغذائية بشكل كلي وسط دمار وتوقف كل المرافق الطبية والصحية ما يُعيق انقاذ حياة المصابين والجرحى كما يصعب مهمة الوصول الى العالقين تحت الانقاض .
وأمام هذا المشهد المتكرر لليوم 388، أقرّت الهيئة العامة لـ"الكنيست" في الجلسة الافتتاحية للدورة الشتوية، بشكل نهائي، القانون الذي يحظر نشاط وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، داخل إسرائيل. ويُشكل ذلك "سابقة خطيرة"، كما وصفها المفوض العام للوكالة فيليب لازاريني، الذي اعتبر أن "هذا القرار سيعمق معاناة الفلسطينيين، وخاصة في قطاع غزّة، الذي يعيش منذ أكثر من عام في جحيم مطلق، وسيحرم أكثر من 650 ألف طفل هناك من التعليم، ما يعرض جيلاً كاملاً من الأطفال للخطر".
ورغم مواقف الإدانة والشجب الأميركية والأوروبية، إلا أن سياق الاحداث ومسارها يؤكدان مضي نتنياهو وحكومته اليمينة المتطرفة بضرب عرض الحائط بكل شُرع حقوق الانسان وتحديها بظل غياب الدور الفعّال للمجتمع الدولي والمنظمات الأممية لوضع حدّ لهذه الابادة الجماعية، وربما أكثر، هذه المحرقة المستمرة دون توقف.
أما في لبنان، فالمشهد لا يقل دموية، مع ارتكاب القوات الاسرائيليّة مجازر متنقلة، كان للبقاعين الأوسط والشمالي الحصة الأكبر، حيث سقط 60 شهيداً وأكثر من 100 جريح وسط مناشدات بإنقاذ العالقين وإدخال المساعدات العاجلة الى مدينة بعلبك والبلدات المحيطة بها. كما تواصلت الغارات العنيفة والمكثفة على مدينة صور والنبطية. وبعد استهداف معبر الجوسيه على الحدود اللبنانية - السورية في وقت سابق، تم استهداف معبراً آخر في منطقة مشاريع القاع، وسط محاولات لقطع طرق الإمداد بين البلدين.
وقد تسابقت في هذا اليوم الدامي أرقام الشهداء مع مشاهد التفجير والتفخيخ لقرى وبلدات حدودية جنوبية تم نسفها بشكل كامل، كما حدث في عيترون ومروحين ويارون والضهيرة، وذلك استكمالاً لمخطط تحويل المنطقة الحدودية إلى "أرض محروقة". وترافق هذا التصعيد مع إشتباكات برية عنيفة عند الحدود اللبنانية مع إسرائيل مع محاولات جيش الإحتلال التقدم باتجاه أطراف مدينة الخيام وتحديداً تلة الحمامص، والتي تعتبر نقطة استراتيجية هامة.
وتبرز الوقائع الميدانية بأن الحكومة الإسرائيليّة تحاول اتباع سياسة عسكرية وبرية تدريجية مع توسيعها رقعة الغارات وتعميقها، لتؤكد على ما سبق وأعلنت عنه بأن التفاوض "لن يكون الا تحت النار". من جهته، بثّ "حزب الله" صوراً قال إنّها لاستهداف شركة "يوديفات" للصناعات العسكريّة شرقي عكا. كما أعلن، في بياناته اليومية، عن قصف عدة مستوطنات شمالية برشقات صاروخية وتحقيق إصابات مباشرة في صفوف تجمعات العدو في نقاط عدة.
وبينما غابت أي معطيات حول لقاءات عقدها المبعوث الاميركي أموس هوكشتاين في اسرائيل حول لبنان. أشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى أن إسرائيل طرحت الشروط التالية في المفاوضات على الجبهة اللبنانية، وتشمل: تنفيذ كامل لبنود القرار 1701، تنفيذ قرار 1559، الذي يتضمن تجريد "حزب الله" من سلاحه إضافة الى صياغة قرار جديد لمجلس الأمن يفرض عقوبات إسرائيلية على أي دولة تسلح الحزب كما تحديد مادة تسمح لإسرائيل بحرية عمل عسكري مطلقة في صالح تنفيذ القرارات.
وتؤكد هذه "الشروط" التعجيزية بأن التصعيد سيكون سيد الموقف في الأيام الفاصلة عن الانتخابات الرئاسية الأميركية وأن لا صوت سيعلو على صوت نتائج الميدان وساحات الاقتتال في لبنان. أما في غزّة فالرهان على صفقة يخرج فيها نتنياهو بمكاسب متعددة ليس اقلها الاصرار على التمسك بورقة المعابر الحدودية وثانيها رسم مسار "اليوم التالي" في غزّة.
وأبرز ما تناولته الصحف العربية اليوم:
أكدت صحيفة "القدس العربي" بأن إشارات نتنياهو تعتبر "دليلاً كارثياً على قصور التفكير الاستراتيجي في دوائر حكومته التي حددت لحربها في غزة هدفاً تغيب عنه الواقعية، القضاء على حماس". وأضافت: "من المرجح، مهما تواصل انفلات آلة القتل الإسرائيلية وامتد أمد انتقامها وجرائمها ستبقى "حماس" ومعها الفصائل الآخرى كالجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وسيستمر تواجدها العسكري والسياسي والمجتمعي، ربما بقدرات أقل وبأدوار تختلف عن السنوات الماضية".
وتحدثت صحيفة "الرياض" السعودية عن جهود المملكة لتعزيز السلام في الشرق الأوسط وفق مبادىء "ثابتة لا تتغير"، مشيرة إلى أنها (أي المملكة العربية السعودية) تراقب عن كثب، المشهد العام وتشعر بخطورة المرحلة جراء الحرب الدائرة في قطاع غزّة والجنوب اللبناني، فضلاً عن حالة الاستقطاب السياسي والصدام العسكري بين الكيان الإسرائيليّ وإيران، الأمر الذي دعاها إلى التحذير غير مرة، بأن هذا المشهد يُنذر بعواقب وخيمة، أخطرها بدء حرب شاملة في المنطقة".
وفي مقال، اعتبرت صحيفة "الجريدة" الكويتية أن "التساهل الأميركي، وحتى الأوروبي، مع النظام الإيراني واضح، وهذا يدل على أن الحفاظ على هذا النظام أمر مهم رغم انتهاكاته لحقوق الإنسان وإثارته للطائفية وتهديداته الإرهابية ضد الدول العربية تحديداً"، لتستنتج أنه لا يمكن "تخلي الغرب عن بيض إيران الذهبي، فدول الخليج مهددة بـ "بعبع" يتربص بها من الشرق، والويل لمن لا يعقد مع الغرب صفقات السلاح الباهظة، وإلا فالمسيّرات والصواريخ جاهزة ضدهم".
ومن وجهة نظر، صحيفة "الجمهورية" المصرية فإن "تحجيم الهجوم الإسرائيلي على إيران جاء استعداداً وتمهيداً للتهدئة في المنطقة". وتابعت: "واشنطن لن تقدم على ضرب إيران، لأنها، الدجاجة التي تبيض لها ذهباً من خلال تصوير طهران كفزاعة للدول ما حول إيران، مجانية، بالإضافة إلى التقارير التي تشير إلى وجود علاقات سرية ولقاءات دورية بين الجانبين الأميركي والإيراني في سويسرا".
وفي السياق عينه، كتبت صحيفة "عُمان" العمانية "أن تكرار سيناريو الإبلاغ المتبادل بين إسرائيل وإيران عبر طرف ثالث وطلب عدم الرد هو أمر مثير للدهشة والجرأة في الوقت ذاته، فالاتفاق على قبول العدوان والسكوت عليه مهما كانت الأسباب هو أمر يسيئ إلى الدولة مهما كانت مبرراته الذاتية". وقالت: "المصداقية فـي مواقفهما قد اهتزت بدرجة غير قليلة والى الحد الذي يمكن أن ينعكس سلبا على مواقفهما فـي المعارك التي قد تدور لأي سبب فـي المستقبل".
ورأت صحيفة "الغد" الأردنية أن "التدخل الإيراني في دعم الفصائل المسلحة في غزّة ولبنان يعد جزءًا من استراتيجية طهران لزيادة نفوذها في المنطقة"، مشددة على أن "واشنطن تحاول احتواء التصعيد مع إيران وحلفائها عبر محادثات دبلوماسية مع السعودية ودول الخليج، ولكن نجاح هذه الجهود يعتمد على مدى استعداد الأطراف المختلفة لتقديم تنازلات وتبنّي مسار أكثر اعتدالًا في التعامل مع الأزمات".
بدورها، ركزت صحيفة "الصباح" العراقية على دعم (الرئيس السابق) دونالد ترمب لنتنياهو ووحشيته في غزّة ولبنان، لكنه يشترك مع الرئيس الحالي جو بايدن في عدم الرغبة بتوسيع نطاق الحرب لتشمل إيران"، واضعة ما حصل مؤخراً في إطار "تراجع متوقع في الاندفاعة الإسرائيليّة لصالح إيجاد حل بوقف القتال بعد تفاقم الوضع الداخلي الإسرائيلي".
(رصد "عروبة 22")