يتكرّر مشهد الدمار والخراب بين القرى والبلدات اللبنانية التي ترزح تحت نيران العدو الاسرائيلي منذ أكثر من شهر، في وقت يترنح الاقتصاد اللبناني وتسجل مؤشراته هبوطاً حاداً، لم تشهده البلاد في السابق ولاسيما في حرب تموز 2006، وذلك لعدة اعتبارات منها المشهد الاقتصادي العام، والذي يعاني اليوم من تداعيات الأزمة المالية التي عصفت به في العام 2019 وانفجار مرفأ بيروت عام 2020. أضف إلى ذلك، حجم العدوان المضاعف في الحرب الحالية، والذي نجم عنه أكثر من مليون ونصف المليون نازح (أي ما يعادل ربع سكان لبنان) وما يكبده ذلك من حاجات وضغوط يومية.
وقد أثرت الحرب المدمرة على مختلف القطاعات الحيوية بظل توقعات رسمية مصدرها وزارة الاقتصاد بأن الخسائر ناهزت الـ20 مليار دولار منذ ما يقارب العام، من بينها 8 مليارات دولار تكبدها الاقتصاد اللبناني خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بينما يشكل متوسط الخسائر اليومية 266 مليون دولار منذ الـ27 من شهر سبتمبر/أيلول الماضي.
هذه النظرة السوداوية للواقع الاقتصادي تترافق مع تحذيرات أممية من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتدهور المستوى المعيشي والإنساني لأكثر من 3 ملايين لبناني سيعانون من فقر مدقع، ما يزيد من حجم الأعباء الملقاة على عاتق الحكومة اللبنانية التي تعاني من فراغ وشلل مؤسساتي وإداري مع استمرار الأزمة السياسية في البلاد، والتي لا تقل سوءاً عن واقع الاقتصاد المرير.
إلى ذلك، يسعى الجانب اللبناني الرسمي لتحريك عجلة المفاوضات، وهو ما عكسه تصريح رئيس مجلس النواب نبيه بري لصحيفة "واشنطن بوست"، إذ قال: "أريد وقف إطلاق النار أمس واليوم وغداً". ولكن هذا المطلب الرئيسي دونه عقبات كثيرة حددها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال زيارته الثانية للحدود الشمالية مع لبنان في أقل من شهر، وتتلخص بـ: إبعاد "حزب الله" إلى ما وراء الليطاني، ضرب أي محاولة لإعادة تسليحه الى جانب الردّ بحزم على أي عمل يستهدف إسرائيل.
وفي هذا الصدد، تشير الوقائع الميدانية إلى أن إسرائيل عازمة على المضي قدماً بمخططاتها دون أي هوادة، عبر خلق منطقة عازلة في الجنوب كما قطع كل طرق إمداد "حزب الله"، من خلال قصف المعابر الرسمية وغير الرسمية بين لبنان وسوريا، التي تشكل عمق الحزب ومصدره الرئيسي، وفق تصريحات إسرائيليّة.
وبموازاة إنسداد فرص الحلول السياسية، برز ما نقلته وكالة "إرنا" للأنباء عن الرئيس الايراني مسعود بزشكيان، الذي قال: "إذا أعاد الإسرائيليون النظر في سلوكهم، وقبلوا وقفاً لإطلاق النار وتوقفوا عن قتل المظلومين والأبرياء، قد يكون لهذا تأثير في شدة هجومنا ونوعه"، مؤكداً أن إيران "لن تترك أي اعتداء على سيادتها وأمنها يمر بدون رد". وتحاول طهران عبر مختلف الطرق فتح ثغرة في جدار الأزمة المغلق رغم تصريحات التهديد اليومية التي تطلقها ضد إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية.
أما المشهد الميداني، فيتلخص بفشل الجيش الإسرائيلي في التوغل داخل بلدة الخيام الحدودية، بعد نحو أسبوع من المعارك الشرسة مع "حزب الله". ووفق معلومات إعلامية متداولة، فإن القوة الإسرائيليّة التي هاجمت الحي الشرقي من المدينة انسحبت منه، مما أتاح بدء عملية انتشال الشهداء بعد مرور أسبوع على محاصرتهم تحت الركام.
وأمام هول هذه المجزرة التي ذهب ضحيتها 21 شخصاً، استمر "حزب الله" في إطلاق الصواريخ على شمال إسرائيل مستهدفاً 13 مستوطنة، كما أعلن، في بيانات متفرقة، عن قصفه بصليات صاروخية تجمعات للجيش الإسرائيلي في عدة نقاط. في المقابل، يكثف الإحتلال من غاراته على البقاع، وتحديداً مدينة بعلبك على وقع أوامر الإخلاء المستمرة، في حين تشهد قرى الجنوب وصور والنبطية غارات يومية عنيفة تؤدي الى حصد المزيد من الأبرياء الذين فاق عددهم 2,986 شهيداً وإصابة ما لا يقل عن 13,402 شخصاً.
وفي سياق الحرب النفسية ورسائل التحدي كما رفع معنويات جمهوره وبيئته الحاضنة، عرض الإعلام الحربي في "حزب الله" مشاهد من منشأة حملت اسم "عماد 5"، كشف فيها عن نوعية هذه الصواريخ التي يمتلكها الحزب، رافعًا شعار "لن نترك السلاح"، الى جانب مقاطع من داخل الأنفاق مرفقة بعبارات صوتية للأمين العام السابق حسن نصرالله.
هذه التطورات لم تحجب الأنظار عن عملية الإنزال البحري التي وقعت في البترون، شمالي لبنان، وأدت لخطف القبطان اللبناني عماد أمهز مع استمرار القوى الأمنية في التحقيق بملابسات هذه العملية الخطيرة الأبعاد والتداعيات. إلا أن البارز ايضاً كان ما أفاد به بيان للجيش الإسرائيلي بأن قواته نفذت "عملية استباقية"، في الأشهر الأخيرة، اعتقلت فيها عنصراً من شبكة تابعة لإيران في سوريا.
من جهة آخرى، واصل العدو الإسرائيلي نسف منازل ومباني سكنية في مخيم جباليا ومخيم النصيرات ما أوقع المزيد من المجازر، وذلك على وقع تزايد هجماته الجوية والبرية والبحرية على القطاع مع دخول الحرب يومها الـ395. في غضون ذلك، أشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى أن قوات الاحتلال تطبّق بالفعل نسخة معدلة من "خطة الجنرالات"، رغم الرفض الأميركي. ووفق الصحيفة، فإن الخطة قد تستغرق 6 شهور حتى تتمكن من تحقيق أهدافها.
وفي جولة الصحف العربية الصادرة اليوم، نرصد:
اعتبرت صحيفة "الرياض" السعودية أن "عملية إعادة ترتيب الأوضاع السياسية والأمنية والحدودية في الشرق الأوسط ستشكّل تحديًا معقدًا في السنوات القادمة، خاصّة في ظل اتساع وعمق الصراعات القديمة والجديدة وتضارب مصالح اللاعبين الرئيسين"، مشددة على أن "القضيّة الفلسطينيّة تبقى محورًا مركزيًا في سياسات الشرق الأوسط في ظل غياب إطار حل دوليّ موثوق يمكن أن يبدأ بإحياء مفاوضات سلام جادة، إما من قبل أطراف محايدة أو من قبل تحالف (أخيار) جديد يحظى بثقة الفلسطينيين".
بدورها، لفتت صحيفة "الوطن" البحرينية إلى أن "السياسات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، وخاصة في دعمها الثابت لإسرائيل، ليست وليدة اليوم؛ فقد بدأت منذ عقود، مع إرساء استراتيجيات أمنية وسياسية تخدم مصالحها الإقليمية بغض النظر عن تغير الإدارات"، لتصل الى استنتاج مفاده أنه "قد تختلف الوجوه، لكن المعاناة مستمرة، فيما تبقى مصالح الشعوب العربية على الهامش في معادلة تضع "أمن إسرائيل" في الصدارة دائماً".
ورأت صحيفة "الدستور" الأردنية أن "إيران اليوم وبعد الضربات الإسرائيليّة سواء داخل الأراضي الإيرانية أو في لبنان أصبحت تفقد الكثير من قوة ردعها"، مؤكدة أن "المنطقة تقف على أعتاب مرحلة قاسية جداً، والنظام الإيراني لم يعُد بيده سوى اللعب بآخر أوراقه، وهذا الاحتمال وإن كان هدفه الردع ومنع الحرب الأوسع، إلا أنه قد يكون شرارة الحرب التي ستطيح بالجميع مرة واحدة".
وتناولت صحيفة "الأهرام" المصرية التصعيد الكلامي بين تل أبيب وطهران وإمكانية "تفجر" الأوضاع وانفلاتها، إذ قالت: "فإيران راغبة بشدة لاثبات قدرتها على إيذاء إسرائيل وتثبيت معادلات جديدة ترسخ الدور الايراني في رسم مستقبل الإقليم ككل، لكنها تدرك جيدا أن أي خطأ في الحسابات سيفجر حرباً كبرى قد لا تستطيع إيران صدها". وخلصت إلى أن "البحث عن حلول سيؤخر الرد المرتقب لفترة من الزمن لحين استكمال القدرات المناسبة".
ووفق صحيفة "الراي" الكويتية، فإن آفاق الحرب والحلّ مربوطةً حُكماً بعنصرين متداخلين وهما: ساعة "البيت الأبيض"، وهل تكمل عقاربَها من حيث توقّفت مع جو بايدن، بحال فازت (المرشحة كامالا) هاريس، أما الثاني فهو الملاكمة الكلامية بمكبرات الصوت بين إسرائيل وإيران، والتي يُخشى أن يصحّ معها أن أول الحرب كلام، في ضوء إشاراتٍ إلى أن طهران تقترب من الردّ على الهجوم الإسرائيلي الأخير عليها".
ومن جهتها، نبهت صحيفة "القدس" الفلسطينية الى "أن صور القتل والدمار والحرب والمجازر تستدعي من العالم التحرك لمساندة غزّة، حيث يتمتع الغرب بقدرة على التأثير في المفاوضات ودعم الجهود الرامية إلى تحقيق هدنة شاملة تعيد بعض الحياة إلى القطاع". وأضافت: "من الضروري إدراك أن السلام في غزّة جزء لا يتجزأ من سلام المنطقة ككل، وأن دعم العالم لمبادرات تخفيف المعاناة الإنسانية يمثل خطوة مهمة نحو استقرار أوسع".
وفي سياق مختلف، سلطت صحيفة "اللواء" اللبنانية الضوء على العلاقات بين بيروت وطهران قائلة "يتزايد التباعد الرسمي اللبناني - الايراني، والذي يؤشر بوضوح إلى منحى تصعيدي لهذه العلاقات مستقبلا، إذا لم يتم وضع حدٍ لاستباحة سيادة لبنان واحترام سيادته"، داعية إلى "الامتناع عن استعمال لبنان ساحة لايران لتحقيق مصالحها الاقليمية والدولية"، وفق ما أوردته.
(رصد "عروبة 22")