تتجه الأنظار إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية وما سترسمه النتائج من تحديد وجهة التطورات في المنطقة. فالدول العربية، ولاسيما تلك التي تشهد حروباً مباشرة أو بالوكالة، تراقب بحذر ما ستفرزه صناديق الاقتراع مع إدراكها بأن السياسة الخارجية الأميركية ودعم إسرائيل متلازمتان لا تتغيران ولو تغيّر ساكن البيت الأبيض.
وتبدو مواقف المرشحين، دونالد ترامب وكامالا هاريس، واضحة في هذا المضمار لجهة الدفاع المستميت عن إسرائيل ومدّها بالأسلحة والعتاد، مع وجود اختلافات في مقاربة بعض الملفات الحيوية كما في أوكرانيا والشرق الأوسط الملتهب في أكثر من دولة، وهو ما تلّمسه الناخبون العرب الذين يعتبرون عاملاً حاسماً ومؤثراً، لاسيما في الولايات المتأرجحة. وعليه، سلطت الصحف العربية الصادرة اليوم الضوء على دخول العالم في مرحلة الانتظار والجمود على وقع تزايد العنف والقتل والتدمير الاسرائيلي الذي تخطى كل الخطوط الحمراء وتجاوز كل القوانين والأعراف الدولية والإنسانية.
فمنذ فشل مهمة الموفد الاميركي آموس هوكشتاين وتوقف جولات المفاوضات في قطر، دخلت جبهتا لبنان وغزّة في أتون مرحلة ما بعد الرئيس الأميركي جو بايدن، حيث أجمعت كل التحليلات الإعلامية بأن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لن يعطي "ورقة رابحة" لبايدن الذي سعى وإدارته الى تفعيل المفاوضات علّه يصل الى "هُدن جزئية" يستغلها لصالح دعم مرشحته كامالا هاريس، إلا أن نتنياهو استمر في لعبة تدوير الزوايا والمماطلة والدوران في حلقة مفرغة.
وإزاء هذه المراوغة "المتعمدة"، تتعثر المفاوضات وتتفاقم التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهو ما كان محط اهتمام الجانب اللبناني، الذي الى جانب تأكيده في كل اللقاءات والمحافل على التزام لبنان بالقرار الدولي 1701 والسعي لتطبيقه، يحاول لفت الانتباه الى الأضرار الخطيرة والجسيمة الناجمة عن استهداف الاحتلال لمواقع ثقافية وتراثية تشكل هوية لبنان وتاريخه.
هذا المشهد المقلق سياسياً لا يختلف عن الواقع الميداني الذي يشهد تكثيفاً للغارات الاسرائيليّة في البقاع والجنوب وسط مشاهد الركام والخراب وتعمّد تدمير مربعات سكنية برمتها في أكثر من قرية. وعلى المقلب الآخر، وسّع "حزب الله" من دائرة إستهدافه للعمق الإسرائيلي، حيث دوت صفارات الإنذار في عكا ونهاريا ومستوطنات آخرى. وبدا لافتاً ما صدر بالأمس عن القناة 12 الإسرائيليّة، التي قالت عقب زيارة نتنياهو إلى الحدود مع لبنان، نقلاً عن مصدر سياسي قوله، إنّه "من الممكن التوصل لاتفاق لإنهاء الحرب في لبنان في غضون أسبوعين". وأضافت "يُعتقد في إسرائيل أن إدارة بايدن ومرشحي الرئاسة يريدون إنهاء الحرب بجبهة الشمال".
بموازاة ذلك، يحاول الاحتلال محاصرة "حزب الله" بشتى الطرق عبر وقف خطوط الإمداد واستهداف قيادييه ورموزه الى جانب بيئته الحاضنة، حيث أغارت طائرات إسرائيليّة مساء أمس، على جنوب العاصمة دمشق، مستهدفة 3 مواقع في منطقة السيدة زينب ومحيط طريق مطار دمشق الدولي. فيما قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن الغارات "استهدفت ركن الاستخبارات التابع لـ"حزب الله" داخل سوريا". ويُعد هذا الهجوم، هو الخامس الذي يستهدف مناطق العاصمة دمشق، خلال أقل من شهرين، أربعة منها استهدف حي المزة الواقع إلى الغرب من موقع الغارات.
من جهة آخرى، ورغم "تباشير" التوافق الفلسطيني- الفلسطيني برعاية مصرية وأهمية توحيد الصف والموقف بين حركتي "حماس" و"فتح"، يستمر العدو الاسرائيلي في حربه الشعواء على غزّة، التي تشهد على واحدة من أفظع الجرائم المرتكبة بحق البشرية. ويتواصل سقوط الضحايا والجرحى مع دخول العمليات العسكرية الموسعة في شمال قطاع غزّة شهرها الثاني على التوالي. وكان المدير العام لمنظمة الصحة العالمية ندّد بقرار إسرائيل حظر التعامل مع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، قائلاً "إن ذلك لن يجعل إسرائيل أكثر أماناً، وسيفاقم معاناة المدنيين في غزّة".
وفي إطار متصل، وُصف شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي بأنه الأكثر دموية على إسرائيل منذ هجوم "طوفان الأقصى"، حيث قُتل خلاله 88 جندياً ومدنياً إسرائيلياً على جبهتي غزة ولبنان وفي عمليات متفرقة أخرى داخل إسرائيل، بحسب رصد الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت".
وأبرز ما أوردته الصحف العربية الصادرة اليوم:
رأت صحيفة "الراي" الكويتية أن "احتمال فوز ترامب، سيعني أمرين متشابكين بالنسبة الى إيران: أولهما ابتعاد فرص التوصل إلى اتفاقٍ في شأن النووي الإيراني ورفع العقوبات وعودة لسياسة "الضغوط القصوى"، والثاني تبديد كل المسار الذي صاغتْه طهران في إطار التعاطي مع "حرب غزة وأخواتها" والتي أوجبت عليها تكرار جعل "الثورة" ترتدي "القناع" عبر إيصال رئيسٍ إصلاحي (مسعود بزشكيان) يمهّد لمرحلة خروج بلاده من كنف العقوبات ويخمد جوانب من مسبّبات انتفاضة 2022".
وتحت عنوان "كامالا وترامب..الاختيار بين أفضل السيئين"، كتبت صحيفة "الأهرام" المصرية أن "شعوب ودوّل الإقليم يجدون أنفسهم أمام مرشحين، المفاضلة بينهما لا تتعدى الاختيار بين السيئ ممثلاً في هاريس والأسوأ عودة ترامب، خاصة ان لدى كل مناطق الإقليم تجارب كارثية خلال فترة حكمه السابقة، وما فعله بشأن نسف الحقوق الفلسطينية والعربية لمصلحة الاحتلال الإسرائيلي"، لتصل الى استنتاج مفاده "أن المعادلة باتت اليوم الاختيار والرهان على من أفضل السيئين كامالا أم ترامب؟".
من جهة آخرى، تناولت صحيفة "الخليج" الاماراتية القرار الاسرائيلي بشأن حظر وكالة "الأونروا" رسمياً، حيث رأت "إن نصيراً تاريخياً للفلسطينيين يخرج من المعادلة، وفي ذلك إشارة جديدة إلى الاستهانة الإسرائيليّة بالمنظمات الدولية وإصرارها على تشديد الحصار الإنساني عليها، معتبرة ذلك جزءاً من أدوات حربها مع "حماس"، وصولاً إلى تحقيق أحد أهم أهدافها وهو القضاء على الحركة". وقالت: "الخسائر الفلسطينية، إذا غابت الوكالة، ليست مادية فحسب، فالعلاقة التاريخية معها يصعب محوها بعد أن كانت لأجيال منهم معنى مهماً للحياة".
وقالت صحيفة "الشروق" الجزائرية إن "استمرار الإبادة في غزّة بعد مرور أكثر من سنة وتوسُّع رقعة الحرب والاعتداء الإجرامي إلى لبنان، وقد تمتد إلى دول أخرى بالمنطقة، تفجر حربا إقليمية، إن لم تُشلّ يد الإجرام الصهيوني المحمية من الإدارة الأمريكية والغرب بشكل عامّ". وأضافت: "إجرام لم يسبق له مثيل في العالم، ينفَّذ منذ 13 شهراً أمام تلفزيونات العالم، ولا أحد يتحرَّك، وكـأن القانون الدولي لم يعد موجوداً، والعالم أصبح بلا ضمير وبلا أخلاق وقد عدنا إلى الوحشية الأولى، وإلى قانون الغاب"، وفق تعبيرها.
واعتبرت صحيفة "الرياض" السعودية أن "الدبلوماسية، رغم تعقيدها، أثبتت في حالة مثل القضية الفلسطينية أنها خيار أكثر حكمة وفعالية في تحقيق الأهداف الوطنية دون تدمير أو خسائر"، متطرقة لفوز "فلسطين على مقعد رسمي في الأمم المتحدة، نتيجة جهد دبلوماسي والتحرك على الساحة الدولية، واستخدام القوة الناعمة في التأثير على الرأي العام الدولي، الذي يمكن أن يكون له دور أكبر في تحريك موازين القوى لصالح الشعوب المغلوبة مهما حاول النظام الدولي التغاضي أو التخاذل".
ووفق صحيفة "الوطن" البحرينية فإن "الشتات الفلسطيني أو اللبناني ليس هو أعداد النازحين والمهجرين، بل هو غياب مقومات الدولة المتمثلة في فقدان المركز الفعال في عملية اتخاذ القرار السيادي، أي قيادة موحدة"، موضحة أن "المنطقة ينتظرها مستقبل تفاؤلي في حال نجح المجتمع الدولي بإزاحة الأطراف التي انخرطت في الحرب الأخيرة المباشر منها وغير المباشر كي تتمكن الشعوب من التفرغ لإعادة البناء والتعمير وإعادة ترميم البنى التحتية السياسية منها قبل التعميرية".
أما صحيفة "اللواء" اللبنانية، فتحدثت عن أن "دخول سلاح "حزب لله" الايراني إلى لبنان، لم يكن بمبادرة فردية او حزبية، بل تم بقرار اقليمي وغطاء من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموما، بهدف تسهيل تمدد نفوذ النظام الايراني إلى لبنان ودول الجوار العربي". وخلصت إلى أنه "رغم كل الضربات الإسرائيلية الموجعة للحزب طوال الأشهر الماضية، تبقى مسالة نزع سلاحه، معلقة بانتظار نتائج وظروف الحرب الإسرائيلية على غزّة ولبنان، وتأثيرها في صراع المنطقة وخريطة النفوذ الايراني فيها".
(رصد "عروبة 22")