صحافة

الأردن… وتحري "الهلال السنّي"

بسام البدارين

المشاركة
الأردن… وتحري

كيف يتجنب الأردن الشر الذي يمكنه أن يعبر الحدود بعد التداعيات السورية الأخيرة؟ لعل هذا السؤال الأكثر إشغالا لذهن الأردنيين بنخبهم وشارعهم ومؤسساتهم بعد سلسلة التداعيات الموجعة والمؤلمة تحت انطباع بأن سوريا بين خيارين.. المجهول والفوضى أو التقدم للأمام بالرغم من حالة التوظيف والاستثمار الانتهازية والوحشية التي يقوم بها الكيان الإسرائيلي.

لا جواب محدد على هذا السؤال حتى الآن. نقاشات الأردنيين بعد نحو أسبوعين من الفانتازيا السورية بدأت تفترض سؤالا إضافيا: كيف يمكن تحويل الأزمة السورية إلى فرصة متبادلة. ثمة متشائمون ومتفائلون… طامحون وطامعون وإيجابيون وسلبيون.

الأهم في كل الأحوال صياغة وصفة أو خارطة طريق تخفف احتمالات الشر العابر للحدود مع سوريا وتزيد من فرص الاستثمار في المشهد بأفضل الطرق الممكنة. لعل قراءة عميقة قليلا في الحيثيات التي أتيحت حتى الآن تعزز القناعة بأن الأردن الرسمي ومع ما تثيره من تداعيات تفصيلات المشهد السوري بعد المشهدين الإسرائيلي والفلسطيني يمكن نصيحته بالتوقف عند عدة محطات محددة من باب الحرص على عدم التسرع والاستعجال.

مجريات الأمور تؤشر بوضوح إلى أن "الهلال السني" يتشكل الآن في الجوار السوري بدلا من "الهلال الشيعي" الذي كان الأردن أول محذر منه، الأمر الذي يعني ضمنا بأن الحكومة الأردنية واجبها يقتضي مرحليا تحري "الهلال السني" ومحاولة الانفتاح عليه بعدما خرجت سوريا القديمة شئنا أم أبينا من محور المقاومة أو إن جاز التعبير من "الهلال الشيعي" الذي طالما أخاف المؤسسات وأقلقها.

لا نبالغ إذا قلنا إن مقاربة "الهلال السني" تتطلب الاستعداد لمقاربة مختلفة مع 3 أطراف يمكن أن يكون لها دور واقعي الآن وتساعد في حماية المصالح الحيوية الأردنية. وهي تركيا أولا، وطبقة التجار في دمشق ثانيا، وتعبيرات الإعلام السياسي. ولا نزيد على الأقاويل إن قلنا بأن سياسة إقصاء واستهداف الإخوان المسلمين الأردنيين بعد الآن تتطلب المراجعة وإعادة النظر حتى لا تصبح إسرائيل وحدها اللاعب المحتكر وهي تنفذ أجنداتها التوسعية.

لاحظنا في محور آخر بروز آراء متشددة من مثقفين وسياسيين محليين يطالبون الآن بتسريع عملية عودة المكونات السورية في الأردن إلى بلادها. تلك دعوة نبيلة لا يمكن الاعتراض عليها لكن المؤسسة الرسمية قد تكون مطالبة بالانتباه قليلا وعدم التسرع حيث يمكن مساعدة طبقات اجتماعية عريضة من السوريين في المنطقة على فتح دروب وسبل العودة إلى وطنهم وبكرامة ومع ضمانات وبالتعاون مع دول الجوار والمجتمع الدولي.

بالتوازي لا بد من طرح سؤال صغير ولو لأسباب تكتيكية: من هم السوريون الذين ينبغي عدم الاستعجال بإعادتهم الى بلادهم؟

الجواب بسيط: المكونات السورية بعد اللجوء مصنفة بشريحتين الأولى معدمة وفقيرة وتأمين سبل عودتها يخفف عن الاقتصاد والخزينة في الأردن. والثانية تمثل طبقة وسطى أو شريحة من رجال الأعمال، وهؤلاء ينبغي أن تتوفر لهم ضمانات بالاستقرار والاستمرار في الأردن والحفاظ على أعمالهم بدون إلحاح عليهم للعودة والرحيل لأن أعمالهم التجارية مفيدة في دورة الاقتصاد الوطني. ولأنهم خلافا للمعدمين من السوريين اللاجئين يرغبون في التمهل قليلا قبل العودة وقد أصبح بعضهم جزءا فاعلا من النشاط الاقتصادي الأردني.

التفاعل مع "الهلال السني" المتشكل رغم كل التحديات الآن قد يتطلب تشكيل طاقم أو خلية أزمة واستقطاب أردنية وظيفتها الرئيسية جذب نخبة من كبار تجار الشام ورجال أعمال دمشق الذين من الطبيعي أن يخططوا الآن لنقل بعض أموالهم. هؤلاء عمان أقرب لهم وعلى المؤسسة البيروقراطية الأردنية أن توفر لهم أرضية الاستقطاب الآمن الكريم مع تسهيلات الاستثمار لأن أغلبيتهم في حاجة لتوطين جزء من أموالهم في الجوار قبل استقرار بلادهم النهائي.

نظرة جديدة لمساحة الاستقطاب هنا يستفيد منها الطرفان وتنعش الآمال بأن الأردن يقترب اجتماعيا من شرائح مؤثرة في المجتمع السني السوري حتى وإن أبعدته ترتيبات الكبار في الإقليم عن طاولة القرار والحصة. وأغلب التقدير أن عمان في حاجة ملحة لطاقم استثنائي نشط يفكر خارج الصندوق في مسألة التعاطي مع المؤثرين في المجتمع الشامي بعدما تخلى النظام الاستبدادي الراحل عنهم تماما، وبدأ بعضهم يشعر بأنه في المجهول.

الحضن الأردني دافئ ونصير ويمكن تفعيل خاصية التضامن عبره بما يضمن حتى مصالح الأمن والحدود لأن المقاربة اليوم أضخم وأكبر من أن تترك للسيناريو الأمني فقط الذي لا شكوك فيه. لا يوجد ما يدعو للأسف على رحيل النظام السوري السابق أردنيا لكن سنشعر جميعا بالأسف إذا لم تبادر حكومتنا إلى تجاوز التفكير المعلب في الملف السوري.

المجتمع السوري الحائر القلق الآن والذي يستعيد حريته وكرامته في أمس الحاجة لمعادلة شقيق جار يؤسس معهم معادلات تبادل المنفعة. نعم نقولها بصراحة يمكن للأردن أن يساهم في تحويل المحنة الى فرصة وللشعبين.

(القدس العربي)

يتم التصفح الآن