فرصة ترامب في لبنان

فرصة تاريخية في لبنان تنتظر الرئيس دونالد ترامب الذي يبدأ ولايته الثانية في وقت لاحق من هذا الشهر، وهو المعروف بأفكاره الجريئة في السياسة الخارجية، ومن المفترض أن تكون هذه الفرصة مناسبة له، بما يتماشى مع أجندته التي تركز على أميركا أولاً.

إليكم الأمر: ستلتزم إدارة ترامب تحديث قدرات الجيش اللبناني بشكل جدي، وهو ما أثبت أنه من أفضل عائدات الاستثمار للجيش الأميركي في المنطقة، شرط أن تنتخب الطبقة السياسية في لبنان رئيساً إصلاحياً ينتصر لسيادة البلاد واستقلالها، وأن يسلّم "حزب الله" سلاحه الى الجيش اللبناني، ليصبح الأخير القوة العسكرية الشرعية الوحيدة في البلاد.

أفهم تماماً أن هذا يبدو غير ممكن. فعلى غرار كثيرين، أشك في أن يوافق "حزب الله" على نزع سلاحه ودمج وحداته في الجيش اللبناني. ولن توافق إيران، راعية الحزب على ذلك، وهذا أمر متوقع.

الهدف من وراء هذا الاقتراح الأميركي هو تزويد الإصلاحيين اللبنانيين حجة قوية من أجل الأمن والاستقرار، حجة يمكنهم استخدامها في صراعهم السياسي مع "حزب الله". والفكرة هي التأكيد أن الحزب هو الشيء الوحيد الذي يقف في طريق سياسة لبنانية أكثر أملاً، وجيش لبناني متجدّد قادر على الدفاع عن البلاد ضد أي عدوان.

ولكن على إدارة ترامب أن تقدّم العتاد لكي ينجح هذا الأمر. لا يمكن أن يكون الأمر مجرد عمل يسير كالمعتاد، بل عليها أن تضع عرضاً على الطاولة من شأنه أن يعزّز قدرات الجيش اللبناني بشكل كبير، بحيث لا يقتصر على مهمته الحالية في أمن الحدود في الجنوب فحسب، بل أيضاً الدفاع عن لبنان بصدقية في مواجهة كل التهديدات الخارجية والداخلية.

وقد ساعدت الولايات المتحدة مدى العقدين الماضيين في تحويل الجيش اللبناني إلى قوة قتالية أكثر فعالية، وزوّدته معدات تزيد قيمتها عن ثلاثة مليارات دولار، إضافة إلى مساعدات تدريبية ومجموعة من الخدمات الاستشارية.

لكن حزمة المساعدات التي تدور في ذهني هنا ستكون مختلفة بشكل كبير، وستشمل قدرات من شأنها أن تركّز على الدفاع الجوي وأمن الحدود. وستكون الأولى ذات أهمية خاصة لأنها كانت مجالاً مهملاً من واشنطن لعقود من الزمن بسبب حالة الصراع بين لبنان وإسرائيل.

ومع الوعد بجيش لبناني مطوّر بشكل جدّي وقادر على أداء واجبات الدفاع الوطني بكفاءة، سيكون لدى الإصلاحيين اللبنانيين الكثير من الذخيرة لاستخدامها ضد "حزب الله" ونموذجه الفاشل في المقاومة، الذي لم يجلب للبنان سوى الخراب.

وفي الوقت نفسه، لن يمرّ رفض الحزب المحتمل لهذا العرض الأميركي بهذه السهولة. ففي نهاية المطاف، لم يعد هذا الحزب اليوم في موقع القيادة كما كان في السابق. صحيح أنه لم ينتهِ، لكنه منظمة مثخنة بالجراح وتمرّ بمرحلة انتقالية حسّاسة، حتى لو لم تعترف بذلك. لذا، فهذا هو الوقت المثالي لممارسة مزيد من الضغط عليه.

لقد وجّهت إسرائيل ضربة قوية جداً الى "حزب الله"، وهي ضربة لم يتلقّها طوال 43 عاماً من الصراع مع الدولة اليهودية. فقد قطعت إسرائيل رأسه عملياً، بما في ذلك قتل قائده الأعلى والأيقونة حسن نصر الله، وقضت على قدراته العسكرية، واخترقته كما لم يحدث من قبل. كذلك، فقدَ الكثير من شعبيته في الداخل بسبب قراره الأحادي الجانب مرة أخرى شن حرب مدمرة ضد إسرائيل (كما فعل عام 2006) ، وأكثر من ذلك خسارته الكبيرة.

باختصار، إن "حزب الله" منهك والطريق إلى التعافي غير واضح المعالم إلى حد كبير، ممّا يوفر فرصة مثالية لإدارة ترامب لاستغلال هذا الوضع من خلال السعي إلى تشكيل الديناميكيات السياسية في لبنان، من خلال عرض لتحويل الجيش اللبناني إلى شريك أمني أميركي أفضل تجهيزاً وأكثر فعالية بحيث يمكنه المساهمة بشكل أكبر في تحقيق المصالح الأمنية الجماعية.

أما بالنسبة إلى فريق ترامب، فالقصة في لبنان لا يمكن أن تتعلّق فقط بقدرة الجيش اللبناني على تطبيق وقف النار لمدة 60 يوماً الذي اتفقت عليه إسرائيل و"حزب الله" في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي. فالمسألة هنا أكبر من ذلك بكثير، وهي يمكن أن تحقّق الاستقرار في لبنان والهدوء الدائم مع إسرائيل، وإذا كان هناك من يستطيع تحقيق ذلك، فهو ترامب.

(النهار اللبنانية)

يتم التصفح الآن