صحافة

إسرائيل.. خيارات إقليمية صعبة

طارق فهمي

المشاركة
إسرائيل.. خيارات إقليمية صعبة

ما زالت إسرائيل معرضة للخطر من الصواريخ التي تطلقها جماعة "الحوثي"، وتتعامل معها بصورة عاجلة تخوفاً من حدوث خسائر كبيرة، وعدم تمكن الدفاعات الإسرائيلية من التعامل مع ظاهرة إطلاق الصواريخ على المواقع الاستراتيجية في تل أبيب، ووصول بعض الصواريخ لمنشآت عسكرية ومدنية لها دلالات رمزية، ما يؤكد أن استمرار تعرض إسرائيل للخطر قائماً، وأنه لم يعد الأمر مقصوراً على الخطر القريب من جبهة غزة بعد أن احتلت إسرائيل القطاع ودمرت بنيته الأساسية بالكامل، واحتلت مساحة كبيرة من غزة تزيد عن 30%.

على المستوى النظري لا يزال الخطر وارداً من الجبهة العراقية، كما أن مدة الـ60 يوماً المحدد لهدنة جنوب لبنان ستنتهي، وإسرائيل ما تزال تخترق الأجواء اللبنانية ما يؤكد أن استئناف المواجهات مع "حزب الله" وارد بقوة، وأن الإشكالية ليس في الوقف التكتيكي للمواجهة في لبنان حيث لم تلتزم إسرائيل بنص اتفاق الهدنة ووقف إطلاق النار.

وان ما سيجري على هذه الجبهة سيكون مرتبطاً بسلوك إسرائيلي في المقام الأول، والذهاب إلى مواجهة جديدة برغم التضرر الكبير التي تعرضت له قدرات "حزب الله" في المواجهة الأخيرة، ونجاح إسرائيل في تحقيق مكاسب عسكرية، ولكن بقي الحزب في موقعه محتفظاً بترسانته العسكرية الصاروخية بمدياتها المختلفة الأمر الذي ما زال يقلق إسرائيل على المستوى العسكري، ويرى أن بقاء الحزب في موقعه – بصرف النظر عن قدراته – سيظل يمثل هاجساً أمنياً كبيراً ومع بقاء خطر الجبهة اليمنية قائماً ومستمراً برغم التحضير لعمل عسكري كبير، كما يجري وارداً برغم الإشكاليات الجيواستراتيجية والبعد الجغرافي.

ويبدو أن إسرائيل برغم كل ما يجري، لا تمتلك وسائل ناجعة للتعامل مع هذه التحديات، والملف ليس كما يرى البعض في أيدي إيران، فهناك مساحة من التعامل الانفرادي للجماعة "الحوثية" بعيداً عن الموقف الإيراني. وأنه برغم أن "الحوثيين" ضمن قائمة الوكلاء الإقليميين إلا أن الأمر مختلف ما قد يطرح سلسلة من التساؤلات الأمنية والاستراتيجية في إسرائيل حول استمرارية الخطر "الحوثي" وضرورة حسمه.

ولهذا فان الخروج الكبير للعديد من سكان إسرائيل للخارج يثير إشكالية الهجرة المضادة بعد أن باتت إسرائيل كدولة غير آمنة، ولأمر تجاوز فصائل قطاع غزة، أن احتلال القطاع على سبيل المثال جزء من كل في إطار خريطة التهديدات والمخاطر التي ما تزال تواجه إسرائيل، والتي لا تملك سوي استخدام القوة العسكرية في التعامل، ومحاولة فرض الاستقرار وتقويض كل المقدرات للجبهات المناوئة التي تحدث عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو كثيراً من أن إسرائيل تواجه مخاطر من سبعة جبهات مناوئة ما يتطلب بالفعل التعامل معها.

ولكن خيار القوة وفقاً للمستوى العسكري لن يكون مفتوحاً في إطار بقاء سيناريو الحرب قائماً ليس لتكلفته العسكرية فقط وإنما لأن إسرائيل باتت تواجه خطر الاستمرارية في الإقليم والحرب الراهنة على جبهات متعددة في اليمن وقطاع غزة، واستمرار المواجهات في الضفة الغربية مثالاً لما يمكن أن تتعامل معه إسرائيل في المديين القصير والمتوسط الأجل.

في هذا السياق، فان بقاء إسرائيل في الإقليم يرتبط بالفعل بالقدرة على استمرار العمل العسكري في سيناريو مفتوح، ولا تملك إسرائيل خيارات عديدة في هذا السيناريو خاصة أن الحديث عن تسويات مؤقتة أو تهدئة مع إيران على سبيل المثال سيكون مرتبطاً بالفعل بمواقف إدارة ترامب، ورؤيتها السياسية والأمنية للتعامل مع الحالة الإيرانية إضافة لمواقف الدول الأوروبية التي تنخرط في مفاوضات البرنامج النووي، وما تزال ساعية لاتفاق مع طهران.

وبالتالي فإن أمام إسرائيل أما التجاوب الحذر – مع استمرار منهجها العسكري في الإقليم ومع الجبهات المناوئة – وإما الانتظار لما سوف تسفر عنه التطورات الجارية مع الإدارة الأميركية، وفي كل الأحوال قد تبادر إسرائيل بالذهاب إلى الخيار العسكري بالفعل تجاه إيران، وعلى اعتبار أن إسرائيل هي من تقرر أمنها وليس أي طرف آخر بما في ذلك الجانب الأميركي الحليف والشريك.

ومن ثم فان أية رهانات إسرائيلية مطروحة سترتبط بالفعل بقدرة إسرائيل على تحديد خياراتها، خاصة أن ارتدادات ما يجري من الجبهة اليمنية يمثل تحدياً أمام الجمهور الإسرائيلي الذي ما زال يرى أن المستوى السياسي يحتاج مراجعة حقيقية وأن الخيارات العسكرية قد تؤدي إلى سيناريو مفتوح، وسيكلف إسرائيل الكثير ما يتطلب بالفعل الانصات للمستوى العسكري الذي لديه الكثير من التحفظات على ما يجري ويرى أن إسرائيل في حاجة بالفعل إلى حلول سياسية بعد أن تستوفي الخيارات العسكرية التي لا يمكن أن تفرض التسوية والتهدئة أياً كان إطارها وأياً كان مستواها في هذا السياق خاصة، وأن إسرائيل ليس لديها خيارات عديدة.

كما يتصور رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لاعتبارات متعلقة بنهجه في التعامل والحكم في مرحلة صعبة يمكن أن تعمل من خلالها إسرائيل، وهو ما يدفع بالفعل إلى النظر على ما تواجهه إسرائيل بأنه مسألة وجود وليست حدوداً بمعنى أن إسرائيل يجب أن تستمر في المواجهة إلى حين تفرض محددات أمنها الاستراتيجي في الإقليم.

(الاتحاد الإماراتية)

يتم التصفح الآن