الاقتصاد العربي.. وضرورات التكامل

المُتطلِّبات المُعاصِرة للاقتصاد العربي الكلِّي (3/3)

لا بدَّ بدايةً من تَوْضِيحِ أنَّ التّكاملَ الاقتصَاديّ العربي يُعْتَبَرُ المرحلةَ الأخيرة من سلسلة مراحل وخطوات، بعد إنجازِ السّوق العربيّةِ المُشتركةِ والإتحادِ الجُمركي وإثر الانتهاءِ من مُستلزَمَات منطقةِ التّجارةِ الحُرَّةِ العربيةِ الكبرى، إذْ إنَّ قضيةَ التَّكامُل الاقتصَادي والسّوق العربيّة المُشتركة تعتبرُ من أهمّ القضايا التي تواجهُ العملَ العربي المُشترك، وأهمّيتُها تكمن في تعزيزِ قدرةِ الاقتصاداتِ العربية، والتي يجبُ أن ينتبهَ العالمُ العربي لَها في ظلِّ التَّطوّراتِ الاقتصاديةِ الدوليةِ، والتَّكتّلات الاقتصَادية الدّولية.

المُتطلِّبات المُعاصِرة للاقتصاد العربي الكلِّي (3/3)

يَهْدُفُ التَّكَامُلُ الاقتصادي العربي إلى جَعْلِ المنطقة العربية، "منطقةَ سلامٍ واستقرارٍ واكتفاءٍ" من خلالِ دعمِ وتعزيزِ التَّعاون الاقتصادي وإطلاقِ الحوارِ السّياسي والتّعاون الاجتماعي والثّقافي وغيرِها، حيث يتحقَّقُ التكاملُ الاقتصادي من خلالِ حوارٍ اقتصاديٍ منتظمٍ بين جميع الأطرافِ يُغَطِّي كافَّة مجالاتِ سياسةِ الاقتصاد الكلّي، التّجارة، والصّناعة، والاستثمار، والسّياحة، والنّقل، والبيئة والتَنميَّة المُستدامَة، والزراعة والمياه والطاقة وغيرِها، وكذلكَ يتمُّ من خلالِ تبادلٍ منتظمٍ للمعلوماتِ والأفكارِ في كلّ قطاعٍ للتَّعاون.

يمتدُّ التَّعاونُ الاقتصادي من أجل التّكاملِ لِيَشْمَلَ التَّعليمَ والتدريبَ والتعاونَ العِلمي والتِّكنولوجي، عن طريقِ تحفيزِ الابتكارِ التِّكنولوجي، ونَقْلِ التِّكنولوجيا الحديثةِ ونَشْرِ المعرفةِ الفنيّةِ، ويمتدُّ التَّعاونُ الاقتصادي ليشمَل مجالَ البيئة والتنميةِ المُستدامَة، من خلالِ مَنْعِ تدهورِ البيئةِ، والسَّيطرةِ على التلوُّثِ وتأكيدِ الاستخدامِ الرَّشيد للمواردِ الطبيعيةِ بهدَفِ ضمانِ التّنميةِ المتواصلة، لا سيما في مرحلةِ الرؤى الوطنيَّة 2030.

القطاع الخاص ركيزة العمل الاقتصادي المشترك وتشجيعُه يتطلَّب تسهيل إجراءات انتقال رجال الأعمال والمستثمرين

إنَّ التّكَامُلَ الاقتصادي العربي يتحقَّقُ من خلالِ مجموعةٍ متكاملةٍ من المَداخل:

أوَّلًا؛ المدخلُ التبادُلي، منطقةُ التجارةِ الحرَّة العربيّة الكبرى، الاتحادُ الجُمركي العربي والسُّوق العربية المشتركة.

ثانيًا؛ المدخل الإنتاجي، أي الاستثمارات العربية المشتركة من خلالِ تفعيلِ الاتفاقيةِ الموحَّدةِ لاستثمارِ رؤوسِ الأموالِ العربيةِ في الدُّول العربية المعدَّلة (2013) واتفاقيةِ الاستثمارِ الجديدةِ التي كان يُؤمل الانتهاء منها عام 2023.

ثالثًا؛ مدخلُ البنية الأساسيّة، الرَّبْطُ الكهرَبائي العربي، الرَّبْطُ البَرّي العَربي بالسِّكَكِ الحَديديَّة، الرَّبْطُ البَرّي للطُّرق، الرَّبْطُ البحري بين المَوانِئ العربيةِ ورَبْطُ شبكاتِ الانترنت العربيّة، مع ضمان حرَّيِةِ انتقالِ الأشخاص ورؤوس الأموالِ بين الدّول العربية. ويتعزَّزُ التَّكاملُ ويُدْعَمُ بالأمنِ المائي العربي والأمنِ الغذائي العربي والأمنِ الإنساني العربي.

إنَّ عَدَمَ تحقيقِ هذه الحزْمةِ من العوامِل، أو تحقيق جزءٍ بسيطٍ منها، يؤدّي إلى حدوثِ خللٍ في مسيرةِ السّوقِ العربيَّةِ المشتركةِ والتّكامُلِ الاقتصادي العربي، الذي يمكنُ أن يكونَ تَكَتُّلًا اقتصاديًّا إقليميًّا، يحقِّقُ مستقبلًا كبيرًا في قضيةِ التَّعاونِ الاقتصادي.

ويُشكّل القطاع الخاصَ ركيزةً للعملِ الاقتصادي والتَّنمَوي المشترك، وتشجيعُه يتطلَّبُ قيامَ القطاعِ الخاصّ نفسه بمسؤولياتٍ متزايدةٍ في النّشاط الاقتصادي للدّول العربيّة، وتعزيز المسؤوليةِ الاجتماعيةِ لدى هذا القطاع، وتسهيل إجراءاتِ انتقالِ رجالِ الأعمالِ والمستثمرين العرب، وتشجيع وتسهيل الاستثمار العربي الخاصّ في الدول العربية.

اقتصاد المعرفة والبحث العلمي يُشكّلان جوهر الثورة الصّناعية الرّابعة التي تُعتبرُ حافزًا لخدمة التَّنمية الاقتصادية

لقد ساهمَتْ مبادرةُ دولةِ الكويت، في القمَّةِ العربيةِ التّنمَويةِ الاقتصاديّةِ والاجتماعيّةِ (2009)، بشأنِ توفيرِ المَواردِ الماليّةِ لدعمِ وتمويلِ مشاريعِ القطاعِ الخاصّ الصغيرةِ والمتوسطةِ في الوطنِ العربي، في توفيرِ قروضٍ صغيرةٍ ومهمَّةٍ لصغارِ المستثمرين، ويمثِّلُ الولوج في اقتصادِ المعرفةِ والتّنوعِ الاقتصادي والبحثِ العلمي وتعزيز قدرةِ الاقتصادات العَربية، السبيلَ نحو تعزيزِ قدرةِ الاقتصاداتِ في العالم.

فاقتصادُ المعرفة والبحثِ العلمي يُشكّلان جوهرَ الثورةِ الصّناعيةِ الرّابعة 4G والتي تعتبرُ تحدّيًا كبيرًا وحافزًا مهمًّا للتقدُّمِ وخِدمةِ التَّنميةِ الاقتصاديةِ، من خلالِ إتاحةِ المعارفِ ذاتِ الصِّلة، إذ شَهِدَ العالمُ تطوراتٍ تكنولوجيةً سريعة، بفعلِ الاتصالاتِ الفائقةِ السّرعةِ والميْسورةِ الكِلفة، والحوْسَبةِ القويَّة، والخِدماتِ السَّحابيَّة والتَّخزينِ السَّحابي الهائل من البيانات.

وفيما يتعلَّقُ بتدفُّقاتِ الاستثمارِ الأجنبي المُباشِر (الأونكتاد)، فقد تراجعَت هذه التدفّقات الواردة للدُّولِ العربية بمعدَّل 12.4% إلى 67.7 مليار دولار خلال العام 2023، بحصةٍ بلغت 7.8% من مُجملِ التَّدفُّقاتِ الواردةِ إلى الدّولِ النامية و5.1% من مُجْمَلِ التَّدفقاتِ العالمية البالغة نحو 1.3 تريليون دولار، كما وَاصَلَت التَّدَفُّقاتُ الواردةُ للمِنطقةِ العربيّةِ تركيزَها الجُغرافي خلال عام 2023، حيثُ استحوذَت 5 دول هي الإمارات والسعودية ومصر والبحرين وسلطنة عُمان على نحو 95.2% من مجمل تلك التدفُّقاتِ بقيادةِ الاماراتِ التي استقطبت 30.7 مليار دولار بِحِصَّةِ .%45 وحلَّتْ البحرين رابعة باستقطابِها 6.8 مليارات دولار وبحصةٍ تجاوزت 10% من الإجمالي، تلتها سلطنةُ عُمان بقيمة 4.7 مليارات دولار ثم الكويت بقيمة 2.1 مليار دولار وبِحِصَصِ 7% و3.1% على التَّوالي.

كما شهدت تدفُّقاتُ الاستثمارِ الأجنبي المباشِر نموًّا في 8 دول عربية خلال عام 2023، وسجّلَت الجزائر أعلى مُعدّلِ نموٍ في تلك التدفّقات بلغ 377.5% مقارنةً بعام 2022، تلتْها الكويت بمعدّل 178.8%، ثم البحرين فالإمارات بـ147% و35% على التّوالي.

وفيما يتعلّقُ بمشاريعِ الاستثمارِ الأجنبي المباشِر الجديدة، فقد ارتفعَ عددُ مشاريعِ الاستثمارِ الأجنبي المباشِر الجديدة في الدُّول العربيّة بمعدل 20% ليتجاوز الألفي مشروع، على الرَّغم من تراجُعِ التكلفةِ الاستثماريةِ بمعدَّل 11% إلى 181 مليار دولار، مع توقُّعاتٍ باستمرارِ التَّراجع في عام 2024، ولا سيما بعد تراجُعِ المشاريعِ بمعدّل 24.3% والتكلفة بمعدّل 61.5% إلى نحو 27.4 مليار دولار خلال الرّبع الأول من العام 2024 مقارنةً بالرّبع الأوّل لعام 2023.


لقراءة الجزء الأول  -  الجزء الثاني

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن