هل يستطيع العرب الصمود أمام ترامب أربع سنوات؟

في أيام فقط، وكما هي الحال في فيلم كارثي، يشهد العالم مذهولًا ما يمكن وصفه بالٳطاحة غيْر المسبوقة بقيَم النّظام العالمي 1945، وحتّى في أسوأ السيناريوات التي يمكن تصوّرها منذ ٳعادة انتخاب دونالد ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني.

هل يستطيع العرب الصمود أمام ترامب أربع سنوات؟

لم يكن بوسْع العرب أن يتوقّعوا الازدراء للقضية الفلسطينية التي تحوّلت في غضون أيام قليلة مادة مشاريع تطوير عقارية، وتصريحات مهينة لبعض القادة العرب، يُعيد فيها تشكيل هوايته القديمة في التدمير والصّيد السياسي للقوى في موقفها الدفاعي الهزيل، وتحقيق الإحراج حين يهدّدها بالاضطرار إلى الحضور للموافقة على آرائه.

تكافح مصر والأردن لإنقاذ نفسيْهما وليس لديهما سوى القليل من النفوذ

أصبحت القضية الفلسطينية وحدَها في مواجهة مصيرها، أمام نوايا بنيامين نتنياهو التوسّعية، والتوقّعات بالمزيد من الهجمات والاستيلاء على الضفة والقطاع. ليس أمامهم على أي حال سوى أن يمسكوا بمصيرهم هم بأيديهم، وسوف يكون لزامًا عليهم أن يعملوا على توحيد قضيتهم، ويتعلّق الأمر بحماية العرب لنضالهم وحقّ تقرير مصيرهم والدفاع عن أرضهم.

لعقود من السنين، وصف المسؤولون الأميركيون حكّام العرب في السعودية ومصر والأردن بأنهم ركائز الاستقرار الٳقليمي. لقد صنعت مصر والأردن السلام مع إسرائيل (عامَيْ 1979 و1994)، وتجنّبوا في الغالب الحروب والانقلابات والثورات.

تكافح مصر والأردن لإنقاذ نفسيْهما، وهما مقيّدتان. لقد حافظتا على استقرار بلديْهما عندما انزلق الجيران ٳلى الفوضى، والنّسخة السابقة من ترامب أُعجبت بهما، فوصف ترامب الملك عبد الله الثاني بأنه "محارب عظيم"، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأنه "ديكتاتوره المفضّل".

يعود هذا التحوّل المفاجئ ٳلى أسلوب ترامب، وتحوّل المؤسسات الأميركية إلى شركة كبيرة، وهو رئيس يحب الضّغط على الحلفاء لإجبارهم على التراجع. وليس لدى مصر والأردن سوى القليل من النفوذ ويبلغ حجم التجارة الثنائية لأميركا 9 مليارات دولار مع مصر و5 مليارات دولار مع الأردن.

وجد السعوديون طريقةً لتخفيف الخسائر حين يحاولون مساعدة الأميركيين في سياستهم الخارجية

الرّسوم الجمركية الأميركية واحدة من أدوات ترامب الاقتصادية المفضّلة، وقد تكون مدمّرة للأردن ومصر. فالدولتان تتلقّيان أيضًا مليارات الدولارات من المساعدات الأميركية سنويًّا.

لكنّ السماح بتدفّق اللاجئين قد يكون أيضًا مسبّبًا للاضطرابات. تقول مصر إنها تستضيف حاليًا نحو 9 ملايين مهاجر، بمن في ذلك لاجئون من الحرب الأهلية في السودان. بينما يستضيف الأردن أكثر من 700.000 لاجئ، غالبيّتهم من سوريا.

الضغط الأميركي قد يشمل أيضًا الحلفاء الرئيسيين في المنطقة، قادة السعودية وقطر وتركيا، الذين يدعمون القضية الفلسطينية.

العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية متينة. مصر تمنح السفن الحربية معاملة تفضيلية في عبور قناة السويس، وانضم الأردن إلى التحالف الدولي لقتال تنظيم "داعش". لكن بالمقارنة بين السعودية ومصر والأردن، تجد المملكة نفسها مضطرّة ٳلى عدم مجابهة ترامب، وهي تقول "لا" على طريقتِها مسارعةً للتنديد بحديثه عن "ريفييرا غزّة".

سيتعيّن على الدول العربية أن تتكيّف مع أكثر من مفاجأة خلال الفترة الترامبية

لم يعُد ولي العهد محمد بن سلمان في عجلة من أمره لتطبيع العلاقات مع ٳسرائيل، الأمر الذي قد يحرم ترامب من أحد أكبر إنجازاته المرغوبة (ربّما جائزة نوبل للسلام التي يطمع فيها). مع ذلك وجد السعوديون طريقةً لتخفيف الخسائر، حين يحاولون مساعدة الأميركيين في جوانب أخرى من سياستهم الخارجية، ويتوسّطون في محادثات مع روسيا وربّما مع إيران في المستقبل. وتتدافع الدول العربية الأخرى للعثور على مواقعها الخاصة، وهي عملت معًا في "قمّة القاهرة" لصياغة خطّة لإعادة الإعمار والحكم في غزّة بعد الحرب.

مع ذلك، فإنّ صياغة الخطة ليست سوى الجزء السهل، فتنفيذها أمر صعب إذا استأنفت إسرائيل الحرب، ما يزيد في التمزّق العربي وزعزعة استقرار المنطقة في فترة ترامبية سوف تتجذّر بشكل دائم في المشهد السياسي الأميركي، وسيتعيّن على الدول العربية أن تتكيّف مع أكثر من مفاجأة خلالها، وأن تستمدّ القوّة للصمود أمام العديد من التنازلات، في قضية، صارت أشمل معركة في العالم من أجل الحرّية.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن