صحافة

"المشهد اليوم"…ترحيب بالاتفاق مع "قسد" وإسرائيل تهدّد الشرع جولة جديدة من مفاوضات غزة في الدوحة وأوكرانيا توافق على "وقف النار" برعاية سعودية

الرئيس السوري أحمد الشرع خلال لقائه مع وفد من السويداء في القصر الرئاسي (وكالة سانا)

شكل الاتفاق بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) مظلوم عبدي والهادف إلى دمج مؤسسات الإدارة الذاتية في إطار الدولة السورية "مفاجأة"، لأنه أتى بُعيد أيام من لحظات عصيبة وحرجة عاشتها سوريا بعد اشتباكات الساحل الدموية والمخاوف التي تجلت عبر دخول البلاد في مستنقع جديد من الدم والاقتتال. وقد سرّعت الأحداث الداخلية في الوصول إلى هذا الاتفاق، الذي لا يمكن أن يكون بمنأى عن الولايات المتحدة، الداعمة للأكراد من جهة وتركيا من خلال ما تملكه من نفوذ في الداخل السوري من جهة أخرى.

وفي وقت تغيب المعطيات عن تفاصيل الاتفاق، الذي تم بليل، رغم وجود مفاوضات سابقة منذ سقوط النظام السابق ودخول البلاد في المرحلة الانتقالية، إلا ان الإعلان عنه بدا وكأنه محاولة لضبط الأوضاع في سوريا وإرساء الاستقرار لان من شأن ذلك أن ينعكس على بقية الطوائف، ولاسيما الدروز، حيث يتجه الرئيس الشرع للدفع نحو حل الملف الدرزي وتقديم التطمينات الكاملة، وذلك في إطار الوقوف في وجه المخططات الخارجية الساعية للعبث بالأمن وقطع دابر الفتنة التي يتم تغذيتها من قبل فلول النظام المخلوع وبتحريك خارجي.

وإذ رفض الرئيس الشرع، في حديث إعلامي، تسمية الجهات الأجنبية الداعمة لأحداث الساحل الأخيرة، بدا واضحاً أنه يغمز من قناة ايران، من دون تسميتها، خاصة بعد أن شكل سقوط حليفها بشار الأسد ضربة قاصمة لها ولمشروعها في المنطقة. من جانبها، ترفض طهران هذه التهم وتؤكد أن لا علاقة لها بالأحداث الأخيرة، رغم أن تصريحات مسؤوليها لا تصب في نفس الإطار. هذا وتبرز معضلة أخرى أمام السوريين، وتتمثل بالاعتداءات الاسرائيلية ومحاولتها للإبقاء على احتلالها، حيث جدّد وزير الدفاع يسرائيل كاتس، خلال زيارة إلى منطقة جبل الشيخ، التأكيد على "الاستعداد للبقاء في سوريا لزمن غير محدود"، مؤكداً أن تل أبيب ستستمر في سيطرتها على "المنطقة الآمنة".

وقال كاتس، في تهديد واضح للرئيس الشرع، "عندما يفتح الجولاني عينيه كل صباح سيرى الجيش الإسرائيلي يراقبه من جبل الشيخ وسيتذكر أننا هنا". يُشار إلى أن صحيفة "هآرتس" لفتت، في تقرير، إلى أن القيادة السياسية وجّهت تعليمات صارمة بمنع أي تموضع عسكري للقوات السورية حتى عمق 65 كيلومتراً عن الحدود، مضيفةً أن العمل جارٍ من قبل الجيش الإسرائيلي لإنشاء مواقع جديدة داخل المنطقة العازلة، جنوب غرب سوريا.

التوسع الإسرائيلي في سوريا والنوايا بالبقاء لمدة طويلة يترافق مع استمرار الاحتلال في خرق اتفاق الهدنة مع لبنان وشنّ عمليات عسكرية واستهداف المركبات والأشخاص بشكل شبه يومي، وأخرها، أمس، حيث أدت غارة جوية في منطقة النبطية جنوب لبنان إلى مصرع شخص قال جيش العدو إنه "حسن عباس عز الدين، مسؤول منظومة الدفاع الجوي في "وحدة بدر" التابعة لـ"حزب الله". بموازاة ذلك، أعادت اسرائيل أمس خمسة أسرى كانوا محتجزين لديها وذلك بناء على طلب من الولايات المتحدة، بحسب ما أورده بيان مشترك صادر عن سفارتي الولايات المتحدة وفرنسا في لبنان وعن اليونيفيل.

أما فلسطينياً، فتستمر اسرائيل بممارسة الضغوط على "حماس" لقبول مقترح تمديد المرحلة الأولى من اتفاق وقف النار، حيث شنّت عدة غارات على قطاع غزة أدت إلى سقوط 10 شهداء خلال الـ24 ساعة الماضية، فيما الأوضاع الإنسانية والمعيشية والاجتماعية تتفاقم مع استمرار الحصار الشامل ووقف المساعدات الإنسانية منذ أكثر من أسبوع، كما ضاعف قطع الكهرباء من المعاناة اليومية. ويتزامن هذا الضغط مع بدء جولة جديدة من المفاوضات في العاصمة القطرية، الدوحة، بمشاركة وفد إسرائيلي أوضحت "القناة 13" أنه سيركز على مقترح مبعوث الرئيس الاميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف بناء على توصيات من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي لم يمنح الوفد أي صلاحيات أو تفويض لإنهاء الحرب.

وتشمل خطة ويتكوف، التي يتبناها الجانب الاسرائيلي، إطلاق "حماس" سراح 10 رهائن "أحياء"، من بينهم الأسير الإسرائيلي الأميركي عيدان ألكسندر، مقابل تمديد هدنة وقف النار 60 يوماً، وهذا ما يزال موضع رفض من "حماس" التي تتمسك بالاتفاق الذي وقع سابقاً وتطالب بالبدء بالمرحلة الثانية من المفاوضات والتي كان من المفترض أن تشمل انسحاباً إسرائيلياً كاملاً وتمهد الأرضية نحو اعادة الإعمار، وهو ملف يشكل أولوية للحركة بعد أن شردت الحرب الأخيرة ما يقارب المليوني فلسطيني.

وحصار غزة لا يختلف عما يحصل في الضفة الغربية من عمليات تخريب للبنى التحتية وتدمير ممنهج للمنازل والمباني السكنية دفعت نحو تهجير عدد كبير من أبناء المخيمات الفلسطينية، ولاسيما في جنين وطولكرم ونور الشمس، في وقت تستمر العمليات العسكرية الموسعة منذ 50 يوماً وتترافق مع حملات اعتقال واسعة وتنكيل بالسكان والأهالي الذين يجدون أنفسهم في مواجهة أعتى حملة ضدهم دون أي مواقف او إجراءات لرفع الظلم عنهم وحمايتهم. في إطار متصل، يتواصل تصعيد الحوثيين في اليمن، حيث أعلنت الجماعة استئنافها "حظر عبور السفن الإسرائيلية عبر البحرين الأحمر والعربي أو مضيق باب المندب أو خليج عدن"، موضحة أن هذا الحظر "سيستمر حتى إعادة فتح المعابر إلى قطاع غزة ودخول المساعدات والاحتياجات من الغذاء والدواء".

وضمن السياق، جدّد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان رفض التفاوض مع واشنطن "تحت التهديد". وقال "من غير المقبول بالنسبة لنا أن تصدر الولايات المتحدة الأوامر وتوجه التهديدات. لن أتفاوض معك يا ترامب…افعل ما تريد"، وذلك وفق ما جاء في عدة وسائل إعلامية. ويأتي موقف بزشكيان "المتشدّد" على وقع رفض المرشد الإيراني علي خامنئي، في وقت سابق، التفاوض تحت ضغط ما أسماه "البلطجة" الأميركية، وذلك رداً على تصريحات للرئيس دونالد ترامب أشار فيها أنه بعث رسالة يحثّ فيها طهران على الشروع في محادثات بشأن اتفاق نووي جديد.

وفي المشهد الدولي، أعلنت الولايات المتحدة وأوكرانيا، في بيان مشترك، أن كييف وافقت على اقتراح أميركي يقضي بوقف فوري لإطلاق النار لمدة 30 يوماً، واتخاذ خطوات نحو استعادة السلام الدائم بعد الغزو الروسي، بحسب ما أوردته وكالة "رويترز". كما أشار البيان إلى أن الجانبين، اللذين اجتمعا في السعودية، اتفقا على إبرام اتفاق شامل في أقرب وقت ممكن لتطوير الموارد المعدنية الحيوية في أوكرانيا والتوقيع على الصفقة التي كان من المفروض إنجازها خلال زيارة الرئيس فولوديمير زيلينسكي إلى البيت الأبيض، إلا ان الخلافات الحادة والتوتر الذي ساد اللقاء حال دون ذلك.

تزامناً، وافقت واشنطن من طرفها على وقف تعليق المساعدات العسكرية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع كييف فوراً. كما جرى مناقشة أهمية الأعمال الإغاثية الإنسانية كجزء من عملية السلام. وتبدو الكرة الآن في ملعب روسيا للموافقة على المقترح أو رفضه، وهو ما ستوضحه الأيام القليلة المقبلة بعد تأكيدات واشنطن بأنها ستتواصل مع موسكو في هذا الشأن. هذا وتوالت المواقف الأوروبية المرحبة بالاتفاق وأهميته كخطوة نحو ارساء السلام العادل والشامل والدائم في أوكرانيا. 

وفي جولة على الصحف العربية الصادرة تركيز على دوافع ونتائج الاتفاق بين الإدارة السورية الجديدة و"قسد" كما تطرق إلى الأوضاع في غزة والدور العربي المأمول. وأبرز ما ورد اليوم:

اعتبرت صحيفة "الخليج" الاماراتية أن الاتفاق مع "قسد" "وضع حداً لخروج المكون الكردي عن الجسد السوري، وعودته بصفته مكوناً رئيسياً من مكوناته يشارك في عملية إعادة بناء المؤسسات واستعادة الوحدة الوطنية"، معلنة أن "الاتفاق يشكل فرصة حقيقية لبناء سوريا الجديدة وإقامة مستقبل أفضل يضمن حقوق جميع السوريين، ويضع حداً للتدخلات الأجنبية، ويبعد مخاطر المواجهات العسكرية بين "قسد"وأنقرة، ويسرّع في انسحاب القوات الأمريكية الموجودة على الأراضي السورية لانعدام سبب وجودها بعد الآن".

وتحت عنوان "لحظة سورية تاريخية وفارقة"، كتبت صحيفة "عكاظ" السعودية "رغم المحاولات المستميتة لإغراقها في مستنقع الفوضى، استطاعت سوريا أن تنهض مجدداً، لترسم ملامح فصل جديد من الصمود والعزة". وتابعت "القيادة المسؤولة التي أظهرها الرئيس الشرع والقائد عبدي مظلوم في لحظة الأزمة جسّدت نموذجاً فريداً في الحنكة السياسية، حيث اختارا نهج الحوار والتفاهم وأثبتا أن القرارات المصيرية تحتاج إلى قادة بحجم الوطن. فالاتفاق الذي جمع بينهما لم يكن مجرد خطوة سياسية، بل رسالة واضحة للعالم أجمع: سوريا لن تنكسر".

وأشارت صحيفة "الغد" الأردنية إلى أن "مغامرة فلول نظام الأسد الأخيرة في مدن الساحل السوري قد تكون انتهت من دون تحقيق أي نجاح يذكر سوى الإعلان عن وجود جهات ودول ليست راغبة في استتباب الأمر للحكم الجديد في سورية"، مؤكدة أنه "طالما كان هناك التزام عربي صارم بإعادة الاستقرار إلى سورية، ورفض أيّ محاولات للانتقاص من سيادتها، ستبقى مثل هذه "المغامرات" محدودة الأثر".

من جهتها، قالت صحيفة "الوطن" القطرية "إن سياسات الاحتلال الإسرائيلي القائمة على حصار الفلسطينيين في قطاع غزة، ومنع وصول المساعدات الإنسانية إليهم، والتي توجتها بقطع الكهرباء، كلها أفعال إجرامية تدل على مدى سادية الاحتلال ورغبته في القتل والتدمير"، داعية المجتمع الدولي إلى التحرك بجرأة وقوة، عبر "فرض عقوبات قاسية على سلطات الاحتلال لإجبارها على الانصياع للسلام".

وشددت صحيفة "البلاد" البحرينية على أن الخطة العربية التي تم تبنيها في مؤتمر القاهرة تشكل "خطة جادة وواقعية ومحددة تقدم معالجات لإعمار غزة إنسانياً وسياسياً وأمنياً وبصفة مستدامة، لكنها ستحتاج إلى جهد عربي كبير في التفاوض مع الجانبين الأميركي والإسرائيلي وإقناعهما بواقعية الطرح العربي". وخلصت إلى أنه في حال وجود "تباين في المواقف والرؤى العربية تجاه مستقبل سلاح حركة "حماس"، فيمكن تأجيل هذا الملف المهم لما بعد مرحلة إقناع المجتمع الدولي، وعندها سيكون أبناء غزة أنفسهم هم من سيطالبون بعدم وجود ما يهدّد حياتهم واستقرارهم"، على حدّ وصفها.

بدورها، رأت صحيفة "الجريدة" الكويتية أن "عدم الحزم والوقفة المفصلية من قبل الدول العربية وتراخيها في التعامل مع الكيان الصهيوني وعدم صرامتها وتوحّدها بالموقف من لزوم حل الدولتين أدى إلى طغيانه وازدياد عجرفته"، داعية إلى تنسيق المواقف العربية والإسلامية مع تركيا ومع باكستان ومع ماليزيا وإندونيسيا "للضغط أكثر على الكيان الصهيوني من ناحية، وعلى الأميركان من ناحية أخرى، وهو الأمر الذي نأمل أن نراه عاجلاً لإيقاف هذه العنجهية والعجرفة الصهيونية التي عاثت فساداً في الدول العربية"، بحسب قولها.

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن