صحافة

إلى متى يتساءل الأمريكيون لماذا يكرهنا العالم؟

عبدالله خليفة الشايجي

المشاركة
إلى متى يتساءل الأمريكيون لماذا يكرهنا العالم؟

دأب الأمريكيون بطرح سؤال بكل بلاهة لماذا يكرهنا العالم؟ منذ أن كنت طالبا في الولايات المتحدة كنا نناقش سياسات أمريكا بالتدخل والانحياز منذ عقود، تشير الأرقام إلى قيام المخابرات المركزية الأمريكية وأجهزة موالية لها بتدخلات سرية وعلنية بزعزعة وإسقاط أنظمة منتخبة.

تشير الأرقام إلى تدخلات في الانتخابات وهندسة انقلابات، أدت لإسقاط حوالي 50 حكومة معادية للمصالح الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. حكومة محمد مصدّق في إيران عام 1953، وحكومات العراق، ليبيا، سوريا، كوبا، فنزويلا غواتيمالا، فيتنام، أنغولا، البرازيل، أندونيسيا، الأرجنتين، غواتيمالا…وغيرها..والحقيقة أنه لا خلاف بين الإدارات الأمريكية بقيادة الديمقراطيين والجمهوريين-كلا الحزبين يطبقان النهج نفسه، بقيادة الدولة العميقة- كما أن الرئيس الأمريكي ترومان الديمقراطي جعل أمريكا الدولة الأولى التي اعترفت بإسرائيل في يوم قيامها عام 1948.

والتزمت جميع الإدارات الأمريكية برعاية ودعم احتلال إسرائيل لفلسطين وتغطية عدوانها وتمويلها وتسليحها-لتصبح إسرائيل الدولة الأولى الأكثر تلقيا للدعم المالي والعسكري الأمريكي بمجمل أكثر من300 مليار دولار منذ عام 1948. تثبت استطلاعات الرأي انهيار شعبية سياسات إسرائيل ومعها الولايات المتحدة عند الشعوب العربية والمسلمة، بالإضافة إلى الرأي العام الغربي والمشرق والعالم الجنوبي، بسبب ما تشهده وتتابعه الشعوب منذ 20 شهرا من قتل وإبادة ممنهجة لسكان غزة بسلاح وغطاء وفيتو أمريكي صادم. بلغ عدد المرات التي استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو لحوالي 50 مرة.

والصادم استخدام الولايات المتحدة الفيتو ست مرات منذ طوفان الأقصى وشن إسرائيل حرب الأرض المحروقة والإلغاء والإبادة والتطهير العرقي والتطهير العرقي في غزة. وفشل إدارتي بايدن وترامب بممارسة ضغوط فعالة لوقف الحرب وإدخال مساعدات الغذاء والماء والدواء والمواد الطبية منذ 7 أكتوبر 2023. وهذا يجعل الولايات المتحدة شريكا في الحرب على الفلسطينيين في غزة. وفي تناقض واضح وصارخ من الرئيس ترامب وإدارته الذي يروج منذ حملته الانتخابية وخطاب تنصيبه رئيسا لرئاسته الثانية والأخيرة بأنه رجل سلام ويريد وقف وإنهاء الحروب وليس بدءها.

وفي ازدواجية معايير واضحة فيما يسعى ويبذل قصارى جهده بالوساطة عبر مبعوثه لكل شيء ستيف ويتكوف لوقف الحرب بما فيه اتصال دام أكثر من ساعتين مع الرئيس الروسي بوتين يوم الأربعاء الماضي. مع إيلاء أهمية وأولوية كبرى لوقف حرب أوكرانيا!! في المقابل لا يُبدي ترامب أي حرص واهتمام بممارسة الضغط نفسه على نتنياهو لوقف حرب غزة وممارسة ضغوط حقيقية وفعالة لإجبار نتنياهو على وقف الحرب-بل وبرغم علمه واطلاعه على أهمية وقف حرب الإبادة على المدنيين الأبرياء في غزة-وهو ما سمعه من الحلفاء الخليجيين في زيارته الخليجية منتصف الشهر الماضي-بل استخدم الفيتو في مجلس الأمن الأسبوع الماضي معارضا وقف حرب غزة وإدخال مساعدات، بحجة أن مشروع القرار لم يدن حماس!!

وذلك برغم خلافات ترامب الواضحة مع سلوك ومواقف نتنياهو وطلبه وقف الحرب. وهو ما سمعه في مناقشاته أثناء جولته الخليجية بتفعيل دوره كرئيس للولايات المتحدة بممارسة الضغوط لوقف الحرب. وخاصة من الشيخ تميم بن حمد الذي تلعب قطر مع الولايات المتحدة ومصر دورا مهما في الوساطة بين حماس وإسرائيل للتوصل لوقف الحرب وصفقة تبادل الأسرى وإدخال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى سكان القطاع المحاصر والنازف والجائع.

خالفت الولايات المتحدة باستخدام الفيتو إجماع الدول الأعضاء في مجلس الأمن الخمس عشرة، وهذا ما صدم العالم بأسره، وخاصة سكان غزة والوسطاء المحبطين!! والحلفاء الأوروبيين والحلفاء في المنطقة الذين صعّدوا انتقاداتهم واستدعوا السفراء رفضا لجرائم حرب إسرائيل، بعد تجاوز أيام الحرب 600 يوم دامية! شكّل الفيتو الأمريكي الخمسون، والسادس منذ حرب إسرائيل على غزة، استفزازا وتحديا لباقي الدول الأعضاء تمثّل 95 في المئة من شعوب العالم.. ما يهمش ويضعف دور المجلس ويشكك بأطروحات الولايات المتحدة بدعم العدالة وحقوق الإنسان واحترام القانون الدولي والقانون الإنساني الذي دأبت الولايات المتحدة بإلقاء محاضرات على العالم باحترامه، فإذا بها أول من يخرقه!! ما يسقط مكانة الولايات المتحدة أخلاقيا…

التناقض الصارخ كيف يستوي حرقة ترامب على وضع سكان غزة الذين يتضورون جوعا، ويظهر خلافه العلني مع نتنياهو بمطالبه وقف الحرب وإدخال المساعدات ثم يستخدم الفيتو في مجلس الأمن؟! وهذا يشجع نتنياهو ووزراءه المتطرفين للمضي بحرب الإبادة وممارسة سلاح التجويع!! هناك الغضب الشعبي في الداخل الأمريكي من استمرار حرب إسرائيل على غزة من الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي بقيادة السناتور المستقيل بيرني ساندرز ونواب مثل كورتيز ورشيدة طليب وإلهان عمر وكوري بوش، واحتجاجات شباب الجامعات والناشطين ومنظمات حقوق الإنسان، المطالبة بوقف الحرب، التي يطيل أمدها فيتو إدارة ترامب.

سيبقى الأمريكيون يرددون لماذا العالم يكرهنا…طالما بقيت مستمرة سياسة الدولة العميقة وتدخلاتها، وتناقض أقوالها ومواقفها وبلطجتها الضارة بمكانتها ومصداقيتها حتى لدى حلفائها، وتجعل أمريكا مكروهة من أغلبية الشعوب!!

(القدس العربي)

يتم التصفح الآن