تتضارب التصريحات وتتباين المواقف، مع كل طلعة جوية وكل صاروخ يعبر الأجواء بين إيران وإسرائيل، وتطلب تل أبيب من واشنطن الانخراط المباشر في الحرب، فيبدي الرئيس الأمريكي تفاؤلا بـ "سلام قريب"، ويؤكد مسئول كبير في مجلس الوزراء الإسرائيلي، للإعلام العبري، عن بدء "جهود وساطة خلف الكواليس" ووقف الحرب.. يتحدث قادة أوروبيون عن السعي للوساطة، لكن يصر آخرون بينهم على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها (!!).
ميدان الحرب يشتعل بنيران تتهاوى تحتها مبانٍ ومقرات عسكرية وسكنية، ويسقط القتلى والجرحى من الجانبين. تصل الصواريخ الإيرانية إلى العديد من المدن الإسرائيلية، ويهرع ملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ، ويشتكي بعضهم من رفض الجيران استضافتهم في الغرف المحصنة، في ظل نقص المخابئ الأرضية. في المقابل، تتحدث تل أبيب عن استهداف مدينة مشهد، في أقصى الشرق الإيراني، وتدمير مزيد من الأهداف النووية الإيرانية.
تمضي الحرب وتتسع رقعة المواجهة، ويختفي اليقين عن احتواء سريع لصراع يرى فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فرصة تاريخية لتأكيد الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة، وفرض كلمته على الجميع، تحقيقا لمصالح ليس إسرائيل وحدها بل الغرب كله وفي مقدمته الولايات المتحدة. تسارع روسيا بعرض الوساطة ويناقش الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب إمكانية ما يمكن أن تقدمه موسكو لمنع اندلاع حرب إقليمية تتخطى حدود رقعة الشطرنج التي تقف عليها إسرائيل وإيران، وعلى الرغم من أن موسكو قد تربح من انشغال الغرب بجبهة إسرائيل، وها هي الحرب الإيرانية الإسرائيلية تتصدر اجتماعات قادة مجموعة السبع الصناعية الكبرى (الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان) المنعقدة في كندا.
وفي طريقه إلى جبال روكي الكندية وجه المستشار الألماني ميرتس دعوة لنظرائه بتوحيد الصف حيال التصعيد في الشرق الأوسط، وقال إنه يأمل في التوصل إلى اتفاق بشأن إسرائيل وإيران من خلال خطة من 4 نقاط، هي: عدم السماح لإيران بتطوير أو امتلاك أسلحة نووية، وحق إسرائيل في الددفاع عن نفسها ضد التهديدات التي تستهدف وجودها، مثل البرنامج النووي الإيراني، والحيلولة دون تصاعد الصراع، وأخيرا ضرورة تهيئة المجال للسبل الدبلوماسية.
الهيمنة المتوقعة للحرب الإيرانية – الإسرائيلية على قمة السبع فجّرت مخاوف الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، من تراجع الدعم الغربي لبلاده؛ حيث أبدى أسفه لتباطؤ المساعدات الأوروبية في ظل النهج التصالحي بين واشنطن وموسكو، وفي ذهنه الاتصال الذي استغرق خمسين دقيقة بين بوتين وترامب بشأن الحرب بين تل أبيب وطهران.
في ظل هذا المشهد الكئيب، يبدو العرب بلا حول ولا قوة، ورغم أن بعضهم أعرب عن قلقه ومخاوفه، فإن الواقع المفروض أكبر من سلاح "الإدانة" المعتاد لإسرائيل وعربدتها. وكل الخوف أن يكون القضاء على إيران مقدمةً لمقولة: "أُكلتُ يوم أُكِل الثور الأبيض"، فلا مجال للشماتة أو الفرح بما يصيب إيران، بدافع حماقات سياسية أو رؤى مذهبية ضيقة وعديمة البصيرة.
لا يمكن تجاهل الجهود الدبلوماسية العربية، والاتصالات مع أطراف الصراع والمعنيين به لاحتواء الموقف سلميًا، غير أن هذه المساعي تتحطم على صخرة التوحش الإسرائيلي، ورغبة نتنياهو في تحقيق أكبر قدر من المكاسب عبر الجلوس فوق أنقاض الشرق الأوسط، وتركيع شعوبه للإرادة الصهيونية. وهنا، كان من الطبيعي أن تبلغ إيران الوسطاء في قطر وسلطنة عُمان بأنها "لن تتفاوض في ظل الهجوم الإسرائيلي".
تتقاذف إيران وإسرائيل الرسائل الملتهبة عبر الحدود، لكن وسط هذا المشهد الدموي، تتكشف صورة أكثر تعقيدًا من مجرد تبادل الصواريخ والطائرات المسيّرة، فثمّة شرق أوسط جديد يُفرض بالحديد والنار... ولا عزاء للضعفاء.
(الشروق المصرية)