صحافة

"المشهد اليوم"…واشنطن تلوح بـ"تغيير النظام" وترقب للرّد الايرانيمحاولات جدية لتحييد لبنان عن الصراع الاقليمي والارهاب يضرب قلب العاصمة دمشق

خلال مشاركة الرئيس الإيراني في مظاهرة بالعاصمة طهران للتنديد بالضربات الأميركية على المنشآت النووية (أ.ب)

تدرك واشنطن وطهران أن الانزلاق نحو مواجهة عسكرية شاملة لن يصب في صالح أحد، بل سيعمّق مستوى الانقسام في المنطقة التي تعيش على "صفيح ساخن" نتيجة الحروب الدائرة في أكثر من بقعة جغرافية والتغيّر في موازين القوى الاقليمية. فيما يبدو المتحمس الوحيد لاستكمال "تغيير وجه الشرق الأوسط" رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي نصب نفسه منقذًا للبشرية ومدافعًا عنها ضد ما يسميه "الارهاب".

فها هي قواته تعيث الخراب والفوضى في الضفة الغربية المحتلة وتقتل العشرات من المجوعين في غزة وتحاصرهم في خيمهم المهترئة وتنفذ عمليات اعتداءات يومية ضد السيادة اللبنانية ناهيك عن ضرباتها لليمن لاستئصال "الحوثيين" واضعافهم وصولًا الى رسم سيناريوهات خاصة بالوضع السوري الذي تريده تل أبيب "تحت سيطرتها" عبر توسيع نطاق عملياتها حتى خارج حدود المنطقة العازلة. الا ان الدخول في "المستنقع الايراني" لن يكون كغيره خاصة ان النظام يملك العديد من نقاط القوة بعد اتخاذ البرلمان الايراني قرارًا باغلاق مضيق هرمز، والذي يمثل واحدًا من أوراق الضغط الإستراتيجية الكبرى (القرار الآن مرهون بموافقة المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران عليه)، الى جانب التلويح بتوجيه ضربات مباشرة للقواعد الأميركية في المنطقة، والتي تضم ما بين 40 و50 ألف جندي، يتمركزون في قواعد كبيرة ودائمة، وكذلك في مواقع أمامية أصغر. والدول التي تتمركز فيها أكبر عدد من القوات الأميركية هي قطر والبحرين والكويت والإمارات والسعودية.

ويمكن القول انه على الرغم من الضربات الاميركية ضد المنشآت النووية الايرانية الثلاثة (فوردو، نطنز وأصفهان) والتي لا يزال الغموض يلف مصيرها لجهة تقييم حجم الأضرار والخسائر بظل معلومات متضاربة، الا ان الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يزال ينتظر "تسامح" ايران مع ما جرى وعودتها الى مفاوضات "السلام"، التي يريدها منكهة بطعم "الاستسلام"، عبر الموافقة على الشروط الموضوعة وأهمها وقف تخصيب اليورانيوم وعدم السماح لايران بامتلاك الاسلحة النووية.

وبحسب كل التصريحات والتحليلات، فإن ترامب اتخذ قرار "الضربات المحددة" و"الواضحة الأهداف" دون نية للتورط اكثر في الحرب الدائرة هناك، خاصة انه خيّر طهران بعد الضربات مباشرة بين مشهدين فإما السلام وإما المأساة. وعليه فإن الكرة اليوم في ملعب النظام الايراني لاتخاذ الخطوة المقبلة بينما طبول الحرب تُقرع في كل مكان مع تحذيرات متصاعدة لمواطني الولايات المتحدة كما للعاملين في سفاراتها في الخارج لتوخي الحيطة والحذر واجلاء بعضهم كما حصل في العراق ولبنان على سبيل المثال.

هذا وكان ترامب، في أحدث تصريح له، قال "ليس من الصواب سياسيًا استخدام مصطلح "تغيير النظام"، لكن إن لم يكن النظام الإيراني الحالي قادرًا على جعل إيران عظيمة مرة أخرى فلم لا يكون هناك تغيير للنظام؟". ويطرح هذا التساؤل الكثير من الأسئلة عن وجود غايات مبيتة تبدو أعمق من تجريد طهران من برنامجها النووي وتصل الى حدّ الانقلاب على النظام الحالي، خاصة أن الأخير سبق وتحدث علنًا، في وقت سابق، عن احتمال استهداف المرشد الإيراني علي خامنئي.

ولكن حتى الساعة فإن القرارات الاميركية الداعمة للحرب الاسرائيلية المتواصلة لليوم الحادي عشر على التوالي تصب في صالح دفع ايران للجلوس على طاولة المفاوضات رغم كل السقوف العالية من التصريحات. في وقت لا تزال ايران متمسكة بموقفها الاول وهو ما عبر عنه صراحة وزير خارجيتها عباس عراقجي الذي أكد حق بلاده بالرّد "المناسب" على كل الاعتداءات التي طالتها وبكل الوسائل المتاحة بعدما "تم تجاوز جميع الخطوط الحمراء". وقال: "دعوات عودة إيران إلى الدبلوماسية لا معنى لها الآن. باب الدبلوماسية أُغلق نهائيًا".

من جهته، دعا مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي لاجتماع طارئ بمقر الوكالة في فيينا اليوم، الاثنين، للتداول في المستجدات الأخيرة وتداعياتها الخطيرة. بينما جددت بريطانيا وفرنسا وألمانيا دعوتها إيران، إلى تجنب أي خطوات تؤدي إلى مزيد من زعزعة الاستقرار، مؤكدين في بيان مشترك أنه "لا يجوز لإيران امتلاك سلاح نووي أو أن تشكل تهديدًا للأمن الإقليمي". وتدخل الكثير من الوساطات العربية والدولية في اطار تقريب وجهات النظر والحدّ من تدحرج كرة النار المشتعلة، لكنها جميعها تفشل في ايجاد قواسم مشتركة خاصة بعد التصعيد الاميركي الاخيرـ والذي لا يمكن لايران التهاون بشأنه "حفاظًا على ماء الوجه"، ومن هنا كان تصريح الرئيس الايراني مسعود بزشكيان، والذي هدّد علنًا بأنه "لا مفر من تلقي الولايات المتحدة ردًا على هجومها" وذلك عقب مشاركته في مظاهرات منددّة بالعدوان الأميركي عمت أنحاء مختلفة في طهران.

تزامنًا، عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة امس، الأحد، بناء على طلب من ايران لمناقشة تداعيات الضربات الأميركية. وقد شهدت أروقة المجلس على الاختلافات الحادة في تبرير ما جرى وانقسمت الدول الأعضاء بين مؤيد ومعارض ومطالب بتخفيض التوتر في المنطقة والحدّ من انعكاساته، في الوقت الذي اقترحت فيه روسيا والصين وباكستان أن يتبنى المجلس المؤلف من 15 عضوًا قرارًا يدعو إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في الشرق الأوسط. ومن المتوقع أن تعارض واشنطن مثل هذا القرار وتستخدم حق النقض "الفيتو" ليلقى مصيرًا مشابهًا كغيره من القرارات التي يعجز مجلس الأمن عن تبنيها او السير بها.

اما على صعيد التطورات الميدانية، فقد استمر الهجوم الصاروخي الايراني على اسرائيل حيث أفادت عدة وسائل إعلامية عن تفعيل صافرات الانذار في منطقة القدس وتل أبيب الكبرى، بينما أظهرت الصور الواردة من تل أبيب حجم الدمار الكبير الذي لحق بأماكن متفرقة مع الحديث عن وقوع عدة اصابات. وتوعّد القائد للحرس الثوري الايراني اللواء محمد باكبور بأن ضربات بلاده على إسرائيل "لن تنقطع". ويوميًا تعلن طهران عن القاء القبض على شبكة من العملاء والجواسيس منفذة للمرة الثانية، منذ بدء الحرب الاسرائيلية عليها، حكمًا بالإعدام ضد أحد الأشخاص الذين أدينوا بالتجسس لصالح جهاز "الموساد" الإسرائيلي. من جهتها، واصلت تل أبيب قصف بنى تحتية أساسية، معلنة عن استهداف طال أهدافًا في 10 مدن على الأقل في أنحاء إيران، من بينها منطقة يزد في وسط البلاد وذلك للمرة الاولى منذ بدء الحرب.

لبنانيًا، ينعكس ما يجري في الاقليم على الداخل المتوتر بسبب وجود مخاوف من دخول "حزب الله" الحرب الى جانب ايران وتنفيذ عمليات لمساندتها خاصة بعدما اعلن الأمين العام للحزب نعيم قاسم بأنهم "لن يقفوا على الحياد". الا ان كل المعطيات والمواقف الرسمية تصب لصالح تحييد البلاد عن الصراع وتداعياته وهو فحوى الموقف الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية جوزاف عون الذي أكد أن "لبنان دفع غاليًا ثمن الحروب التي نشبت على أرضه وفي المنطقة، وهو غير راغب في دفع المزيد". ووفق المعلومات فإن هناك قنوات حوار واتصال تجري بعيدة عن الاضواء لمنع اي ارتدادات داخلية خاصة ان اسرائيل تنفذ يوميًا عمليات اغتيال واعتداءات في الداخل اللبناني مع استمرار احتلالها لخمس نقاط رئيسية على طول الحدود مع لبنان.

في سياق متصل، جمدت المواجهة العسكرية الدائرة حاليًا المفاوضات بشأن غزّة بعدما دخلت في مرحلة "الجمود" ما يعني استمرار معاناة أهالي القطاع الذين يجدون أنفسهم يوميًا في صراع من أجل البقاء كما توفير لقمة العيش نتيجة الاغلاق المستمر للمعابر. وقد ارتفعت حصيلة الاعتداءات الاسرائيلية المباشرة على منتظري المساعدات الى 456 شهيدًا وأكثر من 3,446 جريحًا. بدوره، جدد نتنياهو عزمه على إعادة الرهائن المحتجزين في قطاع غزة، لكنه أكد أن هذا الأمر سيستغرق "وقتًا إضافيًا". يُذكر أن الجيش الاسرائيلي أعلن عن استعادة رفات ثلاثة من رهائنه الذين كانوا محتجزين في القطاع في عملية مشتركة مع جهاز "الشاباك"، دون أن يتطرق الى مكان العثور عليهم. وبحسب وكالة "رويترز" فإن اسرائيل استعادت بعمليات مماثلة جثث 8 من أسراها خلال شهر حزيران/ يونيو الحالي، ولا تزال التقديرات تتحدث عن وجود 20 من الرهائن الأحياء و30 جثة لدى حركة "حماس".

وفي سوريا، فقد هزّ تفجير ضخم نفذه احد الانتحاريين كنيسة في دمشق ما أوقع عددًا كبيرًا من الضحايا والجرحى. فيما اتهمت السلطات السورية تنظيم "داعش" بالوقوف وراء هذا العمل الارهابي، متوعدة بمحاسبة المتورطين وعدم السماح لهم بالعبث باستقرار وامن البلاد. ويُعد هذا التفجير الاول الذي يستهدف العاصمة منذ سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر الماضي. وبات من المعروف ان التحديات الأمنية تشكل هاجسًا أساسيًا لدى الادارة الجديدة التي تسعى جاهدة للوقوف في وجه مخططات التفرقة ومنع انزلاق البلاد الى حرب اهلية جديدة.

وقد أولت الصحف العربية الصادرة اليوم اهتمامًا بما يجري من تطورات خطيرة جراء الحرب الاسرائيلية - الايرانية والدعم الاميركي المباشر. ونرصد هنا أبرز ما ورد:

بحسب صحيفة "البيان" الاماراتية، فإن "إيران بنت استراتيجيتها، التي تم الإعلان عنها، لتكرر أنها تحارب خارج حدودها، حتى لا تصل الحرب إلى حدودها. لكنه الآن كما يقول المثل (وقع الفأس في الرأس)، أي أصبحت الحرب على الأراضي الإسرائيلية، والأراضي الإيرانية مباشرة دون وكلاء". وقالت "كلا الطرفين، حسب موازين القوى، لا يمكن لأحدهما أن يتغلب على الآخر، لا إيران باستطاعتها محو إسرائيل، ولا إسرائيل باستطاعتها أن تتغلب على إيران".

وتحت عنوان "وماذا بعد قصف المنشآت النووية ؟"، كتبت صحيفة "عكاظ" السعودية "الوضع في غاية الخطورة، ولا يجب أن يستمر بهذا التصعيد المتسارع، منطقتنا هي المتضررة بشكل مباشر، ومعها العالم كله لناحية الاقتصاد والأمن والسلم"، مضيفة "كل الأطراف المتورطة في الحرب عليها التعقل وخصوصًا أميركا، التصلب في المواقف سيؤدي إلى كارثة حقيقية غير مسبوقة، ولا بد من سماع أصوات الدول الداعية إلى حل المشاكل بالدبلوماسية"، على حدّ تعبيرها.

الموضوع عينه تطرقت له صحيفة "الرياض" السعودية التي شددت على أن "المشهد الإقليمي والدولي اليوم لا يمكن قراءته فقط من زاوية ما يحدث فوق الأرض، بل لا بد من فهم ما يجري خلف الكواليس، وفي غرف صنع القرار الكبرى، حيث تُرسم خرائط جديدة ويتحدد مصير تحالفات إقليمية ودولية كانت في طور التشكل"، متسائلة "هل نشهد ولادة نظام عالمي متعدد الأقطاب أم محاولة أخيرة من قوى كبرى للحفاظ على تفوقها؟".

من جهتها، رأت صحيفة "الوطن" البحرينية أن "التدخل الأميركي لم يكن مفاجئاً فقط من حيث توقيته، بل من حيث الرسائل التي حملها لطهران والعالم بأن فترة ضبط النفس الأمريكي قد انتهت، وأن خيار المواجهة بات على الطاولة كخيار فعلي، وليس كأداة ضغط سياسية"، لافتة الى أن "ردود الفعل الإيرانية تظل ضمن دائرة التوقعات المتعددة، من استهداف محتمل للقواعد الأميركية في الخليج، إلى تحريك القوى التابعة لطهران في عدة مناطق، مما يفرض تحديات كبيرة على الدول المجاورة".

صحيفة "الأهرام" المصرية، من جهتها، قالت "إن الرئيس ترامب خدع العالم، والعالم يعلم ذلك، ولكنه يتمادى في خداعه ويطالب بجائزة نوبل، ويريد من إيران الاستسلام، ويرفض أن يكون أحد غير أمريكا صاحب القرار، حتى دول أوروبا"، موجهة انتقادات لاذعة للرئيس ترامب حيث "إن الرغبة في النجومية والزعامة والاستخفاف بالآخرين جعلته يشعر أنه سيد العالم، رغم أنه فشل في تحقيق السلام بين روسيا وأوكرانيا، وفشل في غزة، وسوف يفشل في إيران.. الجانب الوحيد الذي نجح فيه هو عقد الصفقات"، بحسب قولها.

الى ذلك، أعربت صحيفة "الغد" الأردنية عن توقعها بعدم حصول رد ايراني "يطاول القواعد والمصالح الأميركية في الشرق الأوسط،لأن ذلك يعني فتح الباب لهجمات أميركية واسعة على إيران، تضع نظامها السياسي في مهب الريح، وتفتح المجال لاحتمالات خطيرة على الداخل الإيراني"، موضحة أنه "ليس أمام طهران الآن سوى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مشروعها النووي، وتبيت أركان النظام السياسي، وضبط ردود الأفعال، تمهيدا لمرحلة جديدة مختلفة كليا".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن