صحافة

مصر: ماذا يحدث داخل المعارضة؟

عماد الدين حسين

المشاركة
مصر: ماذا يحدث داخل المعارضة؟

قبل أن أنتقد العديد من أحزاب المعارضة المصرية على سوء وعقم أدائها، يجب أن أسجل أولا أن الحكومات المصرية المتعاقبة تتحمل جزءًا من أسباب أزمة المعارضة المصرية، ومن التضييق عليها وأحيانًا حصارها.

أقول الجملة الاستهلالية السابقة بوضوح حتى لا يفهم كلامي التالس باعتباره ضربًا فى المعارضة لمصلحة الحكومة، بقدر ما هو دعوة لمصارحة حقيقية ينبغي أن تدرسها المعارضة المصرية مجتمعة أو فرادى، كي تستطيع أن تعالج أخطاءها إذا أرادت حقًا أن يكون لها دور حقيقى في المشهد السياسي المصري في المستقبل.

أتحدّث اليوم عن المعارضة المصرية في الداخل ولا أتناول ما يسمى بمعارضة الخارج لأن معظمها باع ورهن نفسه لأجهزة ودول أجنبية تتلاعب به كيفما تشاء وقد أعود إليها لاحقا للبرهنة على أنها ترتكب كل الأخطاء والخطايا وربما أكثر التي تتهم بها الحكومة.

معارضة الداخل ولا أعمم إطلاقًا لأنّ التعميم مضر جدًا وغير صحيح، لم تنجح حتى الآن في بلورة موقف سياسي موحّد تستطيع أن تواجه به الحكومة، ولعل الأزمة الأخيرة التي واجهتها «الحركة المدنية» بين الجناحين الأساسيين فيها وهما «التيار الليبرالي الحر» والقوى اليسارية، تبرهن بجلاء على أن ما يفرق بين هذه الأحزاب أكثر مما يجمعها خصوصا في موضوعين أساسيين الأول الملف الاقتصادي، والثاني الموقف من التطبيع مع إسرائيل.

أظنّ وهذا مجرد اجتهاد شخصي أن الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسى في ٢٦ أبريل ٢٠٠٢٢، وانطلق بصورة تنظيمية غير رسمية في يوليو من نفس العام ثم انعقد رسميًا ابتداءً من مايو الماضي، ووقع معظم توصياته للرئيس قبل أسابيع قليلة، قد لعب دورًا مهمًا في تغيير المشهد السياسي.

قبل الحوار فإن الممارسة السياسية كانت شبه منعدمة أو متكلّسة، والمعارضة تطلق خطابها السياسي الانتقادي للحكومة بصورة روتينية غير مثمرة. وحينما جلس الجميع سواء كانت حكومة أو معارضة أو خبراء في غرف مجلس أمناء الحوار الوطني، ثم في جلسات النقاش المفتوحة ثم التخصصية، فإن مياهًا كثيرة قد جرت فى النهر السياسي الآسن.

صحيح أن الخلافات ظلت موجودة بين الحكومة والمعارضة، لكن هذه المساحة ضاقت إلى حد ما، واكتشفت الحكومة أنّ المعارضة ليست كلها مجموعة من شياطين، كما اكتشفت المعارضة أنها يمكنها أن تتلاقى مع الحكومة في بعض القضايا والملفات وأن الجلوس معًا تحت سقف واحد قد ساهم في حل بعض القضايا خصوصا إطلاق سراح أكثر من ١٥٠٠ من محبوسي الرأي.

لكن الشيء المهم أيضا أنّ الحوار الوطني ومن بين أشياء كثيرة، كشف عن وجود مساحات اختلافات كثيرة بين قوى المعارضة المصرية الأساسية، خصوصا بين التيارين الرئيسيين، وقد ظهر ذلك واضحا بقوة حينما قررت القوى اليمنية تكوين التيار الليبرالي الحر فى آخر يونيو الماضي، وأصدرت بيانًا قاطعًا يقول بوضوح إنهم يريدون اقتصادًا ليبراليًا حرًا يقوده القطاع الخاص وتنسحب منه الحكومة بصورة شبه كاملة وبجميع صوره.

وبطبيعة الحال فإنّ القوى اليسارية داخل «الحركة المدنية» لا تؤمن بذلك، بل ترى دورًا محوريًا للقطاع العام واستمرار الدعم ودور الدولة فى العديد من القطاعات.

وللموضوعية فلا يمكن إنكار أن الطرفين الأساسيين داخل الحركة المدنية يتفقان على ضرورة حريات الرأي والتعبير وإطلاق سراح محبوسي الرأي وتعديل قوانين الانتخابات والأحزاب بما يدعم التعددية من وجهة نظر المعارضة.

من المنطقي والطبيعي أن تكون هناك خلافات فى الأفكار والآراء والتوجهات داخل أي حزب سياسي، فما بالكم بحركة سياسية تقول إنها تضم ١٢ حزبًا والعديد من الشخصيات العامة.

لكن الذي ليس منطقيًا أن يتطوّر الخلاف في الرؤى والتوجهات السياسية إلى خناقات شخصية، أضرت بالمعارضة كثيرًا ورسخت الصورة الذهنية لدى غالبية الرأي العام بأنها مجرد تجمعات للنخبة غير المرتبطة بالناس والجماهير خصوصًا أن ذلك يتم قبل الانتخابات الرئاسية بأسابيع.

("الشروق") المصرية

يتم التصفح الآن