سبق أن فرضت حكومات إسرائيل الحكم العسكري على الفلسطينيين الذين صمدوا في الداخل الفلسطيني بعد النكبة عام 1948 وحتى عام 1966، وترافق ذلك مع كل أشكال الاعتقال التعسفي وأنظمة منع التجوّل، بل وارتكاب المجازر الوحشية ضد المدنيين العزّل كما جرى في كفر قاسم عام 1956 أثناء العدوان الثلاثي على مصر.
وتزامن احتلال إسرائيل للضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة مع حملات اعتقالات بالآلاف، حتى وصل عدد عمليات الأسر والاعتقال إلى حوالى مليون حالة منذ بداية الاحتلال وحتى اليوم.
وبكلمات أخرى، فإنّ حوالى 45% من الرجال البالغين في الأراضي الفلسطينية تمّ إعتقالهم لفترات متفاوتة.
"الاعتقال الإداري" وسيلة انتقام ينفّذها ضباط مخابرات الاحتلال ضد المناضلين الفلسطينيين
وخلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي انفجرت عام 1987 ضدّ الاحتلال والقمع الإسرائيلي، أقدمت الحكومة الإسرائيلية بقيادة إسحق رابين وزير جيش الإحتلال في حينه، على الزجّ بما لا يقلّ عن مائة وعشرين ألف أسير وأسيرة من الشباب الفلسطيني في سجون الاحتلال، وفتحت معسكرات اعتقال جديدة في صحراء النقب، بعد أن امتلأت السجون بالأسرى.
وتستخدم إسرائيل القوانين الجائرة، بما في ذلك قانون الطوارئ البريطاني، الذي ألغي في بلده بريطانيا، لتنفيذ عمليات الاعتقال التعسّفي بما في ذلك ما يُسمّى بالاعتقال الإداري، والذي بموجبه يُحتجز اليوم 1300 أسير دون توجيه اتهام لهم، ودون محاكمة، ودون أن يعرفوا، أو يعرف محاموهم، سبب اعتقالهم، بحجة وجود ملفات أمنية سرّية.
وأصبح الاعتقال الإداري في الواقع وسيلة انتقام ينفّذها ضباط مخابرات الاحتلال ضدّ المناضلين الفلسطينيين، وضدّ من يرفعون أصواتهم ضد جرائم الاحتلال، وهناك حالات وصلت فيها مدة الاعتقال الإداري لعشر سنوات دون محاكمة، في تجسيد بشع لأسوأ أنواع التعسّف.
هناك اليوم 5200 أسير وأسيرة في سجون الاحتلال، منهم 160 طفلًا و34 أسيرة، ومنهم 599 أسيرًا يقضون أحكامًا بالسجن المؤبّد مدى الحياة.
تصرّ حكومة إسرائيل على عدم الإفراج عن جثامين 11 أسيرًا شهيدًا حتى انتهاء مدّة محكومياتهم
ومن بين الأسرى نائل البرغوثي صاحب أعلى زمن أسر في العالم وصل إلى 43 عامًا، وصاحب أعظم حكم في التاريخ عبد الله البرغوثي المحكوم بـ67 مؤبدًا بالإضافة إلى 5200 عام.
ولا يقتصر الأسر والاعتقال على الأحياء، إذ تواصل حكومة إسرائيل إحتجاز جثامين 11 أسيرًا شهيدًا استشهدوا أثناء وجودهم في الأسر، وتصرّ على عدم الإفراج عن جثامينهم حتى انتهاء مدّة محكومياتهم في تصرف تتجاوز حقارته كل الأعراف الإنسانية، وهم يمثلون جزءًا من 358 جثمانًا لشهداء فلسطينيين تواصل سلطات الاحتلال إحتجازها، ومنع أهلهم من مواراتهم الثرى بكرامة، والهدف هو تنفيذ تعذيب وعقوبات نفسية جماعية ضدّ أهالي المناضلين الفلسطينيين.
ومؤخرًا أقدم الفاشي بن غفير وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، على الإعلان عن سلسلة من الخطوات التصعيدية ضدّ الأسرى في سجون الاحتلال، ومنها تقليص الزيارات لهم، وحشرهم في زنازين مكتظّة، والمسّ بغذائهم، بالإضافة إلى مجموعة من الإجراءات التعسّفية. سبق للأسرى أن أفشلوا بنضالهم إجراءات بن غفير وردّوا الآن على قراراته بالتهديد بإضراب عام مفتوح عن الطعام، مما أثار موجة توتّر وقلق لدى كل أجهزة الأمن الإسرائيلية، التي تخشى أن يتحوّل إضراب الأسرى إلى إنفجار نضالي شامل في جميع الأراضي المحتلة.
ما لا يفهمه، ولن يفهمه الاحتلال، مثل كلّ استعمار قمعي، ومثل كلّ فاشية مصيرها الزوال، أنّ الأسر والاعتقال والقمع لا يزيد الفلسطينيين إلا إصرارًا على المقاومة، وأنّ سجون الاحتلال تتحوّل إلى جامعات نضالية لتخريج قادة الكفاح والمقاومة، وأنه ما من قوة في الدنيا قادرة على كسر إرادة شعب مصمّم على نيل الحريــة.
(خاص "عروبة 22")