صحافة

"المشهد اليوم"…اسرائيل ترسخ معادلة "الأرض" مقابل "السلاح" برضى أميركياجتماع في البيت الابيض بشأن غزّة واستراليا تطرد السفير الايراني بتهمة "معاداة للسامية"

المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط توم برّاك ونائبته مورغان أورتاغوس في القصر الرئاسي بعد لقاء الرئيس جوزاف عون (د.ب.أ)

بينما تخوض اسرائيل الحروب العسكرية وتثبت احتلالها لقطاع غزة والضفة الغربية وتجاهر عنوة ببقائها في التلال الخمس التي احتلتها في لبنان كما بالمناطق التي سيطرت عليها في سوريا بعد سقوط النظام السابق، تسير الولايات المتحدة الاميركية في خطٍ موازٍ في اطار مساعي موفديها الى المنطقة من اجل التوصل الى اتفاقيات ترضي اسرائيل وتحفظ أمنها وتؤكد سيطرتها ونفوذها. ففي سوريا، تدفع الادارة الاميركية نحو تفاهمات امنية بين دمشق وتل أبيب قبيل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر المقبل، في خطوة تُعد الأولى من نوعها منذ عقود.

أما في لبنان، فالوضع لا يختلف بعد الزيارات الاميركية المتتالية للمبعوثين توم برّاك ونائبته مورغان أورتاغوس، والتي حملت في طياتها رسالة حازمة بأن لا انسحاب من جنوب لبنان قبل نزع سلاح "حزب الله" بالكامل، وهو ما أعلنه بوضوح السيناتور الأميركي ليندسي غراهام المعروف بتأييده الشرس لاسرائيل. وهذا ما يجعل الوضع في البلاد بغاية التعقيد خاصة أن "حزب الله" يطالب بخطوة معاكسة أي الانسحاب قبل الحديث عن السلاح. وبين هاتين المعادلتين يشعر اللبنانيون بالخوف مما قد تحمله الايام المقبلة من تصعيد لا تُحمد عقباه، لاسيما ان إسرائيل تريد وضع الدولة اللبنانية والجيش في مواجهة الحزب والعمل على سحب سلاحه ما يضعه امام سيناريوهين لا ثالث لهما: اما الاستمرار في رفض القرار الحكومي بحصر السلاح وبالتالي امكانية الصدام وتصعيد الموقف السياسي والتهديد بالشارع بما يعيد البلاد الى مرحلة الانقسام السابقة والخوف من الاقتتال الطائفي أو يقرر الحزب التفاوض بشكل جدي والتوصل الى تفاهمات على قاعدة اختبرها لبنان مرات عديدة "لا غالب ولا مغلوب".

الا ان المعطيات الحالية لا توحي بأن الحزب في وارد تقديم التنازلات بعدما كرست تل ابيب معادلة "الأرض" مقابل "السلاح"، فقد كان أمينه العام نعيم قاسم واضحًا بأن السلاح خط أحمر ولن تتنازل عنه المقاومة بسهولة، معلنًا رفض مبدأ "خطوة بخطوة". وعليه فإن كل هذه المواقف تشير الى أن المنطقة تسير نحو المزيد من التوترات والصراعات، خاصة ان الادارة الاميركية الحالية تتبنى الموقف الاسرائيلي بشكل كامل وتفاوض لتحقيق غايات تل أبيب ومخططاتها التوسعية على حساب هذه الدول وأراضيها وحقوقها الشرعية ما يجعل الحديث عن تفاهمات مجرد "وهم" لا يمكن تطبيقه على ارض الواقع، لان اسرائيل نفسها لم تلتزم بأي اتفاقيات سابقة والانتهاكات والتعديات اليومية خير دليل على المشاريع الهادفة لتفتيت هذه الدول وخلق كيانات هشّة لا تشكل اي خطر على اسرائيل وحدودها.

هذا ولم تخلُ زيارة برّاك وأورتاغوس الى لبنان من انتقادات وذلك بعد الكلام المهين الذي توجه به الاول من قصر بعبدا بحق الصحفيين اللبنانيين، حين قال "اذا لم تهدأوا واستمريتم في التصرف بفوضى حيوانية، سنرحل، وعليكم التصرف بحضارة". في وقت حاولت الرئاسة الاولى لملمة الوضع بإصدار بيان أعربت فيه عن أسفها لما قيل على منبرها، واعتبرته غير مقصود، لكنها لم تسمِّ برّاك بالإسم بما أثار حالة من الغضب والسخط ولقي ذلك ادانات من عدة جهات لبنانية اعلامية ونقابية خاصة أن التصريح احتوى على كلمات نابية وخارجة عن الاصول الدبلوماسية. يُذكر ان برّاك خلال لقائه أمس مع الرئيس جوزاف عون طرح موضوع المنطقة الاقتصادية في جنوب لبنان، والتي لا تزال معالمها غير واضحة، حيث قال "الهدف من هذه المنطقة هو مساعدة مقاتلي "حزب الله" الذين يتلقون أجرًا من إيران ومن الحزب"، غامزًا من قناة توفير الاموال الخليجية.

الرسالة الاميركية رمت الكرة في ملعب الحكومة اللبنانية التي بدورها ستقدم خطة وضعها الجيش لنزع السلاح ولكنها تدرك انها تسير على نار ملتهبة وان الضغط عليها، داخليًا وخارجيًا، سيشتد بظل اوضاع اقتصادية صعبة وعدم القدرة على المضي قدمًا في مسار اعادة الاعمار للقرى والمناطق التي تدمرت لان ذلك مربوط أيضًا بنزع سلاح "حزب الله". اما في ما يخص التجديد لقوات "اليونيفيل" العاملة في الجنوب فيبدو ان القرار اتخذ، بعد الكثير من الجدل والانقسام والاعتراضات الاميركية والاسرائيلية، حيث سيتم تمديد مهامها لسنة اضافية واحدة فقط. وكان التصويت أُرجىء الاثنين الى موعد غير محدد، بينما جاء في مسودة القرار الجديد "يُقرر إنهاء ولاية قوة "اليونيفيل" بتاريخ 31 كانون الثاني/ يناير 2026، على أن تبدأ بعد هذا التاريخ عملية تخفيض وانسحاب تدريجي ومنظم وآمن خلال سنة واحدة".

ومن لبنان الى الوضع في غزة الذي يشهد المزيد من المجازر اليومية واشتداد الوحشية الاسرائيلية التي تعمل على نسف ما تبقى من بيوت واحياء سكنية في مدينة غزة مستخدمة الروبوتات المتفجرة ومجبرة الاهالي على النزوح مجددًا من دون وجهة واضحة وبظل اوضاع كارثية وارتفاع معدلات الجوع وسوء التغذية التي تحصد يوميًا المزيد من الشهداء. وفي هذا الاطار، أعلنت وزارة الصحة في غزة أن مستشفيات القطاع سجلت خلال الساعات الـ24 الماضية استشهاد 3 أشخاص نتيجة المجاعة، ليرتفع العدد الإجمالي منذ بداية الحرب إلى 303 من بينهم 117 طفلًا. والوضع هناك يشهد المزيد من التردي مع استمرار التعنت الاسرائيلي ووضع عراقيل امام ادخال المساعدات الى القطاع المنكوب، حيث تتحكم قوات الاحتلال بما يدخل وتمنع قائمة طويلة من الاطعمة الاساسية للاطفال، كالبيض واللحوم والخضار والفواكه، كما تعرقل دخول معدات طبية واستشفائية ضرورية لانقاذ الارواح.

تزامناً، لا يزال الوسطاء ينتظرون الرد الاسرائيلي الرسمي على المقترح الذي وافقت عليه حركة "حماس" وتسلمته تل أبيب يوم 18 آب/أغسطس الجاري، في حين يبدو أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قرر السير نحو الامام وعرقلة أي صفقة، كما يفعل عادة، بينما يستمر في احتلال ما تبقى من قطاع غزة. ويبدو ان "المراوغة" الاسرائيلية ليست بمعزل عن الادارة الاميركية، التي حتى الساعة لم تضغط بإتجاه التوصل الى اتفاق، بل ان الرئيس دونالد ترامب تراجع عن تصريحاته السابقة والتي أكد فيها بأن الحرب في غزة ستنتهي "بشكل حاسم"، قائلًا : "لا يوجد حل نهائي، إنها مستمرة منذ فترة طويلة". من جهته أعلن المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، في تصريحات لشبكة "فوكس نيوز"، عن عقد اجتماع بشأن غزة في البيت الأبيض اليوم الأربعاء، مشيرًا إلى أن الاجتماع سيكون موسعًا وسيحضره ترامب. كما أكد "أن هناك خطة شاملة للغاية نعدها فيما يتعلق باليوم التالي لانتهاء الحرب في غزة".

الى ذلك، لم يتطرق مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي، الذي انعقد أمس، الى موضوع احتلال مدينة غزة او ملف الاسرى الاسرائيليين، بل تناول، بحسب وسائل اعلام اسرائيلية، "مراجعة اقليمية" عامة. بينما تظاهر العشرات من الاسرائيليين في تل أبيب مطالبين باتمام صفقة تبادل فورًا ووقف الحرب، لاسيما أن هناك مخاوف جدية على حياة الرهائن المحتجزين في القطاع نتيجة التصعيد العسكري الميداني وعدم وجود مؤشرات فعلية على مفاوضات يمكن ان تضع حدًا لحرب الابادة التي ستدخل عامها الثالث بعد شهرين. وكما في غزة كذلك في الضفة الغربية التي تمر بمرحلة هي الاصعب بعد تزايد الاعتداءات من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين، فلا يمر يوم دون أن تشهد هذه المناطق والمخيمات حملة اعتقالات ومداهمات واخطارات هدم وتعديات لا تُعد ولا تحصى. وخطفت رام الله أمس الاهتمامات، بعدما اقتحمها الجيش الاسرائيلي في ساعات الصباح الاولى، حيث داهم محل صيرفة واستولى على الاموال مما أدى الى مواجهات عنيفة أوقعت في حصيلة نهائية 58 جريحًا نتيجة الرصاص الحي والمغلّف بالمطاط. وكعادتها بررت اسرائيل ذلك بأنها "داهمت محل ينقل أموالًا إرهابية إلى عناصر "حماس"، معلنة اعتقال خمسة "مطلوبين يشتبه بممارستهم أنشطة إرهابية".

وفي سياق أخر، أوضح وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أن بلاده مستعدة لاستئناف المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة لكن بضمانات عدم اعتداء، مشددًا، في حديث خاص لصحيفة "الشرق الأوسط"، على "أن ما لم تحققه الضربات العسكرية على المنشآت النووية لن يتحقَّق في أي مفاوضات مقبلة مع واشنطن". وعن امكانية وقوع مواجهة جديدة مع اسرائيل، قال "إذا أرادوا تكرار هذا السيناريو فنحن مستعدون، لكن حرب الـ12 يومًا أثبتت أن الخيار العسكري ليس خيارًا ناجحًا، بل فاشل، لذلك أستبعد أن يعيدوا التجربة، ولكن إن أقدموا عليها فسيواجهون ردًا مماثلًا، بل أقوى". ويأتي ذلك في وقت أعلن فيه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي عن عودة أول فريق من المفتشين إلى إيران بعد طردهم في وقت سابق. كلام الاخير ترافق مع جولة المفاوضات التي جرت في جنيف بين إيران والترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) وذلك بهدف مناقشة البرنامج النووي، حيث شددت القوى الغربية بضرورة عودة عمليات التفتيش مهددة بفرض عقوبات كانت قد رُفعت بموجب اتفاق أُبرم عام 2015. 

وفي سياق ذات صلة، تفاعل طرد استراليا للسفير الايراني أحمد صادقي وامهاله 7 أيام لمغادرة البلاد كما تم إغلاق سفارة أستراليا في طهران، ونُقل الدبلوماسيون العاملون فيها إلى دولة ثالثة. وإذ اتهم رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز طهران بإصدار توجيهات لشن هجومين على الأقل معاديين للسامية في أكبر مدينتين بالبلاد سيدني وملبورن. دخلت اسرائيل على الخط محاولة استغلال الحادثة، حيث رأى المتحدث باسم الحكومة دافيد مينسر أن "التدخل الواضح" لنتنياهو وانتقاداته لقرار أستراليا الاعتراف بدولة فلسطينية ربما يكونان وراء الإجراء الذي اتخذته أستراليا بطرد السفير الإيراني. لكن الرد جاء على لسان وزير الشؤون الداخلية توني بيرك الذي وصف الكلام الاسرائيلي بـ "الهراء". وأضاف "لم تمر دقيقة واحدة بين تلقينا لهذا التقييم وشروعنا في العمل على ما سنفعله ردًا على ذلك".

وهنا نورد أبرز ما تناولته الصحف العربية الصادرة اليوم، والتي ركزت على المواضيع التالية:

أشارت صحيفة "الخليج" الاماراتية الى أن "الأجواء التي سبقت الاستعدادات لجولة المفاوضات النووية بين إيران والترويكا الأوروبية، توحي بأنها فرصة أخيرة لتحقيق تقدم يُحدث انفراجة في هذا الملف المعقد، أو يدفع الأزمة إلى المجهول"، معتبرة أن "الكل يريدون صفقة، الغرب عبر فتح السوق الإيرانية أمام الاستثمارات والمشاريع الكبيرة، وطهران تريد رفع العقوبات وبدء ورشة واسعة للتعافي الاقتصادي والاجتماعي. هذه الأهداف تضع ضغوطًا إضافية على الطرفين لاستئناف المفاوضات، التي يمكن أن تنجح إذا بقيت مقتصرة على هذا الملف، أما إذا تعدته إلى قضايا أخرى خلافية، فستعود الأزمة إلى المربع الأول وإلى ما قبل اتفاق 2015".

من جهتها، تطرقت صحيفة "عكاظ" السعودية الى ما يجري في محافظة السويداء ودور قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والتي تعتبر "كأحد أخطر التحديات أمام الإدارة السورية الجديدة، إذ تسعى هذه القوات بدعم خارجي إلى فرض وقائع على الأرض في الشمال الشرقي، مستهدفة وحدة الدولة ومحاولة تقويض سلطتها المركزية عبر تعزيز نزعات الانفصال وإقامة كيان ذاتي يبتعد عن العمق الوطني السوري"، لكنها خلصت الى أنه "ورغم المحن التي تحيط بها، أثبتت سوريا أنها قادرة على الصمود، بل وحققت إنجازات مهمة في مسار تثبيت الأمن في مناطق واسعة واستعادة القرار الوطني من قبضة الخارج".

صحيفة "الجريدة" الكويتية، من جهتها، قالت "لا يوجد في قاموس السياسة الحديثة، ولا في واقعها خلال نصف القرن الماضي ولا القرن الحالي "كيان سياسي" أو "دولة" دانتها المنظمات الأممية والإقليمية والإنسانية ومحاكم دولية أو وطنية على نحو متواصل ومتلاحق منذ عام 1967 وحتى اليوم، أكثر من الكيان الصهيوني"، مضيفة "ما لم يستيقظ العرب والمسلمون من غفلتهم ويغيّروا سلوكهم وموقفهم من هذا الكيان بمقاطعة وحصار سياسي ودبلوماسي واقتصادي، وحظر أجوائهم وموانئهم وحدودهم البرية، وغير ذلك، فإنهم يسمّنون هذا الكيان المارد حتى يأتي على دولهم الدور واحدة تلو الأخرى ليبتلعها"، بحسب وصفها.

في اطار مختلف، تحدثت صحيفة "البلاد" البحرينية عن استمرار صراع الهيمنة وتوسيع رقعة النفوذ بين القوى الكبرى، فنجد الولايات المتحدة الأميركية في كفة وجمهورية الصين الشعبية في الكفة الأخرى. وقالت "الصين التي اتخذت طريق الحياد في العديد من القضايا والمساواة بين الدول، وهي التي ترفض التدخل في شؤون الدول الأخرى وترفض الانتهاكات، وتريد بناء علاقات مع العالم بطريقة ذكية، هي البديل للوجود الأميركي"، جازمة بأن "الأيام القادمة كفيلة بأن تُبين لنا قوة الصين وقدرتها على الوصول إلى رأس الهرم الاقتصادي والعسكري"، على حدّ تعبيرها.

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن