صحافة

"المشهد اليوم"...تصعيد اسرائيلي في غزّة ولبنان وجهود مصرية لتجنب الحربالشرع في واشنطن لبحث العقوبات وتفعيل العلاقات وإيران تتعهد بإعادة بناء منشآتها النووية

من مراسم تشييع خمسة قتلى من "حزب الله" جراء غارات إسرائيلية على النبطية في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

تعتمد اسرائيل على الدعم الأميركي من أجل الاستمرار في خرق اتفاق وقف النار في قطاع غزة بينما تعرقل، عن سابق تصور وتصميم، الشروع في المرحلة الثانية التي تتضمن ملفات حساسة ينتظرها أهالي القطاع بفارغ الصبر، وعلى رأسها قضية إعادة الإعمار. فهذه القضية المحورية لحياة أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون وسط الركام والدمار وفي خيم مهترئة تفتقر لأدنى مقومات الحياة. بينما "يصارع" الوسطاء الوقت من أجل دفع اسرائيل للالتزام بتعهداتها السابقة كما بمنع الهدنة الهشة من الانهيار والعودة إلى الحرب التي لم تضع أوزارها بعد.

وبين هذا الواقع المرير تطل الأزمة الانسانية بسبب تحكم الاحتلال بالمعابر ورفض إدخال شاحنات المساعدات كما كان متفق عليه سابقًا، ما يعني استمرار طوابير الانتظار أمام التكيات والمطابخ الخيرية بظل غياب شبه تام للمياه النظيفة بسبب تدمير اسرائيل لكل البنى التحتية، وذلك ما يدفع المنظمات إلى دق ناقوس الخطر بسبب المخاوف من انتشار الأوبئة والأمراض وتأثيراتها المستقبلية. أما حركة "حماس"، المعني الأكبر بما يجري، فلا تزال تبحث عمن تبقى من رفات الأسرى الاسرائيليين وسط ظروف معقدة وغياب للمعدات الثقيلة والآليات المطلوبة وتمنّع اسرائيل عن السماح لفرق تركية وقطرية من الدخول إلى القطاع للمشاركة في البحث عن الجثث وتحديد أماكنها، فيما كانت الحركة الفلسطينية تعوّل على دخول هذا الفريق لتسهيل العملية. وكان مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن، مساء الأحد، أن تل أبيب تسلمت من الصليب الأحمر الدولي توابيت تحوي جثث 3 أسرى إسرائيليين عُثر عليها داخل أحد الأنفاق جنوبي قطاع غزة، وذلك ضمن إطار صفقة تبادل الأسرى.

ولكنه وعلى الرغم من هذه المساعي الدؤوبة تواصل القوات الاسرائيلية انتهكاتها وتعدياتها، حيث نفذت في الساعات الأخيرة قصفًا جويًا ومدفعيًا وعمليات نسف جديدة للمنازل في القطاع. وفي هذا السيّاق، أفاد المكتب الإعلامي الحكومي أن جيش الاحتلال ارتكب 194 خرقًا لاتفاق وقف إطلاق النار. وشملت هذه الخروقات تجاوز الجيش لما يُعرف بـ"الخط الأصفر"، ومنع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية وخيام النزوح والمنازل المتنقلة، إضافة إلى استمرار عمليات إطلاق النار والقصف والتوغل. سياسيًا، قالت الرئاسة المصرية إن الرئيس عبد الفتاح السيسي شدد خلال لقاء جمعه مع رئيس وزراء لوكسمبورغ ورئيس وزراء هولندا ورئيس وزراء بلجيكا، على أهمية "اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لتثبيت وقف إطلاق النار، وصياغة قرار مجلس الأمن المرتقب بما يضمن وضوح الالتزامات المترتبة على جميع الأطراف". وبحسب المتحدث الرسمي، فإن السيسي ورؤساء وزراء الدول الثلاث أكدوا "ضرورة تطبيق حلّ الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق السلام الدائم والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط".

أما تركيا، الوسيط الآخر إلى جانب مصر في الاتفاق المبرم، فتستضيف اليوم الاثنين اجتماعًا وزاريًا رفيع المستوى حول غزة، بدعوة من وزير الخارجية هاكان فيدان، وبمشاركة وزراء خارجية قطر والسعودية والإمارات والأردن وباكستان وإندونيسيا، لبحث سبل تثبيت وقف النار والتطرق للوضع الإنساني المتدهور في القطاع. وأشار مصدر بالخارجية التركية، في هذا الإطار، إلى أن فيدان سيدعو إلى اتخاذ ترتيبات عاجلة تضمن أمن الفلسطينيين وتمكينهم من إدارة قطاع غزة، مشددًا على أهمية العمل المُنسق بين الدول الإسلامية لتحويل وقف إطلاق النار إلى سلام دائم. ويأتي اجتماع إسطنبول بعد شهر من لقاء جمع قادة الدول المشاركة بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في نيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث ناقشوا حينها آفاق تنفيذ خطة السلام الأميركية في المنطقة، والتي لا تزال دونها الكثير من العقبات بظل التعنت الاسرائيلي الواضح ومطامعها التوسعية في المنطقة.

ومن القاهرة إلى اسطنبول فالدوحة، التي لها دور محوري ورئيسي في مفاوضات غزة، فقد لفت رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى أنه يجب صدور تفويض واضح للقوة الدولية التي سيتم نشرها في القطاع، موضحًا "نعمل مع واشنطن لاستصداره". وكان الأردن وألمانيا قد أكدا، في وقت سابق، أن القوة الدولية المزمع أن تنتشر في قطاع غزة يجب أن تحصل على تفويض من مجلس الأمن الدولي. وهذه التحركات وغيرها تتزامن مع تدهور متفاقم للأوضاع في الضفة الغربية المحتلة التي تشهد حربًا "مستترة" تقضي على حلم حل الدولتين مع توسع اوامر الاستيطان وتضييق الخناق على الفلسطينيين من خلال استهداف أرزاقهم وممتلكاتهم. وفي الساعات الأخيرة، استشهد فلسطينيان برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين في نابلس والخليل بالضفة على وقع عمليات هدم واعتقال مستمرة وسط عجز دولي عن وضع حدّ للاعتدءات الاسرائيلية غير المسبوقة.

لبنانيًا، الوضع ليس أفضل حال بظل مواصلة تل أبيب تحذيرها بيروت من الأسوأ على وقع تحركات عربية، ولاسيما مصرية، من أجل نزع فتيل الأزمة ومنع جرّ البلاد إلى حرب جديدة. وتهدف هذه الضغوط إلى دفع لبنان للتفاوض بشكل مباشر مع اسرائيل من جهة كما نزع سلاح "حزب الله" من جهة ثانية. وهذان الموضوعان يخيمان على الساحة الداخلية التي تعاني أصلًا من انقسام عامودي. في وقت تتصاعد حدة العمليات العسكرية حيث نفذت طائرة مسيّرة إسرائيلية، أمس الأحد، غارة بثلاثة صواريخ على طريق قرب النبطية بجنوب لبنان، ولكن من دون وقوع اي خسائر بشرية. وحذَّر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس من أن الجيش سيكثّف هجماته ضد "حزب الله" في جنوب لبنان. وقال "إن "حزب الله" يلعب بالنار، والرئيس اللبناني يماطل". وكلام كاتس ليس منفردًا عن سياق عام متكامل بعدما استخدم نتنياهو اللغة نفسها، إذ أوضح أنه "سنمارس حقنا في الدفاع عن أنفسنا كما نص اتفاق وقف النار مع لبنان، ولن نسمح للبنان بأن يتحول مجددًا إلى جبهةٍ ضدّنا"، مجددًا دعوته الحكومة اللبنانية إلى "تنفيذ التزاماتها بتجريد الحزب من السلاح".

وبالتزامن مع هذا التصعيد، جدد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي خلال لقائه رئيس الحكومة نواف سلام في القاهرة مطالبته إسرائيل بالانسحاب من النقاط الخمس التي تحتلها في جنوب لبنان. وكلام الأخير جاء خلال الاجتماع  العاشر للجنة العليا المشتركة بين مصر ولبنان فيما تجهد القاهرة بما تملكه من علاقات ايجابية للدخول على خط الازمة، وذلك بعد أيام من زيارة مدير المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد إلى بيروت، وحديث "هيئة البث الإسرائيلية" عن "خطة مصرية لتثبيت وقف إطلاق النار"، تشمل انسحاب إسرائيل من 5 نقاط حدودية، مقابل التزام "حزب الله" بوقف نشاطاته العسكرية في الجنوب. وكشف مصدر وزاري في بيروت لـ"الشرق الأوسط" أن اللواء رشاد أبدى خلال لقائه المسؤولين اللبنانيين الاستعداد لمساعدة لبنان، مشددًا على "الأضرار المترتبة على إضاعة الوقت". وبحسب المصدر؛ فإن رشاد نصح بأن "تُقدم الدولة على اتخاذ خطوة من شأنها تشجيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على التدخل للضغط على إسرائيل للانسحاب من الجنوب"، على غرار ما حصل في غزة.

على المقلب السوري، أعلن وزير الخارجية أسعد الشيباني، خلال مشاركته في منتدى "حوار المنامة" في البحرين، أن بلاده تسعى إلى بناء "شراكة قوية جدًا" مع الولايات المتحدة، خلال الزيارة التي سيقوم بها الرئيس أحمد الشرع إلى واشنطن في وقت لاحق من الشهر الجاري، مشددًا على أن هناك كثيرًا من المواضيع التي يمكن لدمشق بحثها "بداية من رفع العقوبات، وفتح صفحة جديدة بين البلدين"؛ حيث "لم يعد هناك أي مبرر لاستمرار العقوبات". وإذ أكد أن "سوريا لن تكون مركزًا للاستقطاب، وإنما تسير في مسار واحد يضم الجميع"، اشار إلى التزام الحكومة بـ"تعزيز السلم الأهلي، وجعل القانون هو الأساس في العلاقة بين جميع مكونات الشعب السوري". وفيما يخص ملف المفاوضات مع إسرائيل، أكد أن بلاده تتعامل بدبلوماسية مع "الاستفزازات الإسرائيلية، وتحرص على حماية مصالحها من دون الانجرار نحو التصعيد أو المواجهة". وحتى الساعة لم تفلح الضغوط الأميركية في الدفع نحو التوصل إلى اتفاق بين دمشق وتل أبيب على الرغم من المفاوضات المباشرة التي تمت بين الجانبين أكثر من مرة ولكن نقاط خلافية لا تزال تحول دون ذلك وأهمها تمسك اسرائيل بالمناطق التي احتلتها بعد سقوط النظام السابق.

إيرانيًا، تعيش طهران على وقع العقوبات الأممية المتجددة عليها والمخاوف من تجدد الحرب بينها وبين اسرائيل وسط تراشق كلامي لا يتوقف، خصوصًا بعد فشل التوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي. وفي السياق، قال الرئيس مسعود بزشكيان إن بلاده ستعيد بناء ما تضرر من منشآتها النووية جراء الهجمات الأميركية - الإسرائيلية في حزيران/ يونيو الماضي، لافتًا خلال زيارة تفقدية إلى المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية، إلى أن هدف بلاده من توسيع البرنامج النووي يتمثل في "تحسين حياة المواطنين وتعزيز رفاه البلاد". كما لفت إلى أن "إنتاج السلاح النووي ليس ضمن خطط إيران، وفقًا لما أورده موقع الرئاسة الإيرانية. وهذا الكلام تزامن مع تصريحات لنائب رئيس الأركان الإيراني، الجنرال أحمد وحيدي، أكد فيها "جاهزية" الوحدة البحرية في "الحرس الثوري" لمواجهة أي تهديدات خارجية، وذلك بعد يومين من تعيينه في منصبه الجديد بمرسوم من المرشد الإيراني علي خامنئي.

هذا ولا تزال الأوضاع في السودان ترخي بظلالها مع مواصلة قوات "الدعم السريع" عملياتها العسكرية وسط تحذيرات من كارثة انسانية. وعقبت "شبكة أطباء السودان" على ما يجري بالتأكيد بأن قوات الدعم لا تزال تحتجز آلاف المدنيين داخل مدينة الفاشر وتمنعهم من المغادرة، مضيفة أنها صادرت وسائل النقل التي كانت تُستخدم في إجلاء النازحين، وأعادت بعض الفارين إلى داخل المدينة "منهم مصابون بالرصاص وآخرون يعانون سوء التغذية". من جانبه، أقرّ رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس بعجز المجتمع الدولي الذي "لا يفعل الكثير"، داعيًا جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى "تصنيف "قوات الدعم السريع" منظمة إرهابية ومكافحتها بناءً على ذلك". في الشؤون الدولية، اتهم الرئيس الأميركي دولًا مسلحة نوويًا، بينها روسيا والصين، بإجراء تجارب نووية تحت الأرض دون الإعلان عنها. وقال في مقابلة إعلامية ردًا على سؤال حول أمره المفاجئ للبنتاغون باستئناف التجارب النووية، إن "روسيا تجري تجارب، والصين تجري تجارب، لكنهما لا تتحدثان عنها".

المستجدات الراهنة وغيرها من المواضيع كانت محور اهتمام ومتابعة من الصحف العربية الصادرة اليوم في عالمنا. وهنا أبرز ما ورد فيها:

رأت صحيفة "اللواء" اللبنانية أن "رفض "حزب الله" نزع سلاحه يتسبب في تأجيج الاجواء السياسية بالداخل، لان معظم اللبنانيين، يدعمون قرار نزع سلاحه، والتشويش على انطلاقة الحكومة لتنفيذ مضمون بيانها الوزاري، لاسيما حل الازمات المتراكمة، واجراء الاصلاحات المطلوبة واعادة النهوض بالبلد عمومًا"، مشددة على أنه "يخشى ان يؤدي رفض الحزب هذا، اذا تباطأت الدولة في تسريع عملية نزع السلاح كما هو مطلوب منها، الى تكرار خطأ، تجاهل الحزب النصائح التي اسديت له من اكثر من دولة وطرف في السابق، للانسحاب من حرب "الاسناد" قبل فوات الاوان ، الى اعطاء مبرر لاسرائيل هذه المرة ايضاً، للاعتداء الموسع على لبنان،  كما يهدد قادة اسرائيل  بذلك، ليلًا ونهارًا".

أما صحيفة "القدس العربي"، فأشارت إلى أن "زيارة نواف سلام إلى العاصمة المصرية القاهرة، وذلك بعد زيارة قام بها حسن رشاد، مدير المخابرات المصرية إلى بيروت قبل أيام، تشير إلى تحرك مصريّ يمكن أن يؤمن غطاء عربيّا لقرارات الحكومة اللبنانية، الراغبة فعلا في نزع سلاح "حزب الله" والمتخوّفة، في الوقت نفسه، من التداعيات الخطيرة لمساعيها في باقي المناطق اللبنانية، ومخاوفها أيضا من إقدام إسرائيل على تصعيد كبير لا يؤدي إلى إضعاف الحزب فقط بل لاحتمال تصدّع التوازنات الداخلية في لبنان". وخلصت إلى ان "الضغوط السياسية الأمريكية ـ الإسرائيلية توحي بتصعيد متدّرج محسوب يغيّر ديناميّات القوة في الداخل اللبناني".

صحيفة "الدستور" الأردنية تناولت الوضع الفلسطيني موضحة أن "حكومة الاحتلال غير معنية بوقف إطلاق النار وان التهدئة القائمة حاليا لا تزال هشة للغاية"، داعية "المجتمع الدولي، وخاصة الدول الوسيطة، المطالبة بالوقف الفوري والكامل لانتهاكات اتفاق وقف إطلاق النار، وضمان استدامته واحترامه وتنفيذه، بهدف تخفيف معاناة السكان، وتسهيل عملية التعافي وإعادة الإعمار، وتسريع الانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة".

من جانبها، تطرقت صحيفة "الأهرام" المصرية إلى القضية السودانية المُعقدة التي شددت على أن إسرائيل صاغت استراتيجية "شد أطراف" الدول العربية أو "بترها" إذا لزم الأمر، تطبق هذه الاستراتيجية المسمومة عبر إثارة القلاقل في أطراف هذه الدول، استثمارا للخلافات العرقية، اعتمادا على مبدأ "فرق تسد". وأضافت قائلة "يقع السودان في قلب الاستراتيجية الإسرائيلية لتفكيك الدول العربية، على قاعدة: "سودان مجزأ وهش، خير من سودان قوى وموحد"، للتحكم بنهر النيل ذي الأهمية الوجودية لمصر والسودان، وتهديد الملاحة بالبحر الأحمر، وإضعاف التأييد الإفريقي للقضايا العربية"، بحسب وصفها.

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن