صحافة

أمريكا ـ الخليج: خيار تحالفات عولمة أمن المنطقة!

عبدالله خليفة الشايجي

المشاركة
أمريكا ـ الخليج: خيار تحالفات عولمة أمن المنطقة!

يتأكد ويتعمق فجوة تراجع الثقة مع كل إدارة أمريكية جديدة منذ عقدين ونصف من خلال المواقف والشواهد أن الولايات المتحدة الحليف الدولي الأقوى تقوم بخفض أهمية منطقة الخليج والشرق الأوسط، والانصراف لمواجهة التهديدات الصاعدة والمتفاقمة لمواجهة التحولات في نظام عالمي يتجه للتعددية القطبية واحتواء الصعود الصيني والتهديدات من روسيا وذلك حتى قبل تحول الصين لمنافس هو الأقوى والمعادل للهيمنة الأمريكية، وحرب روسيا على أوكرانيا.

بدأ تآكل ثقة الحلفاء الإقليميين بالحليف الأمريكي من مطلع القرن العشرين، فجرتها حروب الرئيس بوش الابن الاستباقية بشعار "الحرب العالمية على الإرهاب" ـ والنتائج الكارثية للاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق خلال عامي2001 ـ 2003!! ما دفع دول مجلس التعاون الخليجي للتحوط بتنويع الخيارات الأمنية وبدء التفكير بجدية بالاعتماد أكثر على قدراتهم، والعمل على تشكيل تحالفات من خارج المنطقة لتنويع القدرات والخيارات الأمنية والعسكرية.

تتآكل الثقة والتعويل كليا على الحليف الأمريكي منذ إدارة الرئيس أوباما، واستراتيجية الاستدارة نحو آسيا برغم فشلها، وأعقبتها إدارة ترامب الأولى ومبدأ المقايضات والصفقات دون التخطيط الاستراتيجي. انعكس على تهور قراراته باغتيال القائد العسكري الإيراني وقائد فيلق القدس قاسم سليماني عام 2020. وقبلها عدم طمأنة الحلفاء الخليجيين باتخاذ مواقف رادعة ضد إيران بعد الاعتداء بأسلحة إيرانية على ناقلات النفط في الخليج العربي، والأخطر الاعتداء على منشآت أرامكو النفطية في أبقيق وخريص في السعودية بمسيرات وصواريخ إيرانية الصنع في سبتمبر 2019. وقبلها الخضوع للضغط الإسرائيلي بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في مايو 2018-بإدارة أوباما مع مجموعة (5+1)في يوليو 2015.

ولاحقا في إدارة ترامب الثانية بالتصعيد المتهور بالمشاركة مع إسرائيل في يونيو 2025 بقصف منشآت إيران النووية في فوردو وأصفهان في أول عمليات عسكرية مباشرة داخل إيران. ما دفع إيران لرد انتقامي بقصف قاعدة العديد الأمريكية في قطر-في اعتداء إيراني مباشر على قطر. لكن التصعيد الأخطر كان بسماح ترامب لإسرائيل بتغيير قواعد الاشتباك-بقصف مقر سكن قيادات حركة حماس في الدوحة. في محاولة فاشلة لاغتيال خليل الحية زعيم حركة حماس وقياديين في الحركة وهم يناقشون الرد على مقترح الرئيس ترامب لوقف حرب إبادة إسرائيل على غزة. ما شكل سابقة خطيرة بالاعتداء على الوسيط والحليف القطري. ما أثار غضب وردود أفعال قطرية وخليجية وعربية وإسلامية منددة وشاجبة بقوة للاعتداء الغادر.

وصف أمير قطر ورئيس الوزراء القطري الاعتداء الإسرائيلي بإرهاب دولة ـ وعقد قمة خليجية-عربية-إسلامية في الدوحة أظهرت الدعم والإسناد لدولة قطر ونددت بالعدوان الإسرائيلي. وكان ملفتا تعليق أمير قطر في الدوحة وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة- "يزورونا ثم يقصفوننا، لكن الضرر وهوة التشكيك تعمقت بالتعويل على ترامب وإدارته بتوفير الأمن برغم الأمر التنفيذي من الرئيس ترامب بحماية أمن قطر في حال تعرضت لاعتداء وتعهده بعدم تكرار الاعتداء واتصال نتنياهو من البيت الأبيض للاعتذار بطلب من الرئيس ترامب، وزيارة الرئيس ترامب ولقائه مع الشيخ تميم بن حمد في مطار حمد الدولي في الدوحة في طريقه إلى ماليزيا واليابان وكوريا الجنوبية ضمن جولته الآسيوية.

تثير تلك المواقف ردود أفعال مستحقة حول الآلية والاستراتيجية الأمثل في تنويع التحوطات الأمنية لتعزيز القدرات الدفاعية والأمنية. وذلك بالتفكير استراتيجيا، والعمل على تشكيل تحالفات جديدة تقلص الاعتماد الأحادي على الحليف الأمريكي وتنويع وتوسيع القدرات الأمنية والدفاعية لدول مجلس التعاون الخليجي بشبكة حلفاء وشركاء أمنيين وعسكريين واقتصاديين وفي مجال أمن الطاقة والاستثمارات. خاصة أن الصين باتت الشريك التجاري الأول لدول مجلس التعاون الخليجي وإيران….

وكان ملفتا التحول الكبير بتوقيع السعودية وباكستان(النووية) اتفاقية التعاون الأمني بعد اعتداء إسرائيل على قطر في سبتمبر الماضي. برغم طمأنة ترامب لقطر والشركاء الخليجيين بأمره التنفيذي.. وحتى احتمال توقيع السعودية اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة في زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان هذا الشهر. وتفاؤل الرئيس ترامب في مقابلته مع مجلة تايم بتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل. برغم تفهم ترامب ونائبه خرق إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار وقتل أكثر من 100 فلسطيني في قطاع غزة!

ورغم ذلك يتعمق تراجع الثقة بالتعويل على ترامب وإدارته بتوفير الأمن الخليجي. لذلك نلحظ تغير وإعادة تشكيل التحالفات وتنويع شبكة الشركات الأمنية (باكستان ـ روسيا ـ الصين ـ تركيا). وعقد اتفاقيات دفاعية واقتصادية لتوزيع المخاطر. دون أن تكون تلك التحالفات الناشئة بديلا أو تقود لتراجع التنسيق الدائم مع الولايات المتحدة. لكن سيكون لذلك تداعيات كبيرة على مستقبل العلاقات الخليجية-الأمريكية. وذلك بسبب الحساسية الكبيرة التي يظهرها ويعارضها الرئيس ترامب لأي تقارب أو دور مستقبلي للقوى الأخرى خاصة لروسيا والصين، يلحق الضرر بمصالح ودور وحضور الولايات المتحدة، في منطقة الخليج العربي.

نشرت قبل عام في "مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية" ـ في جامعة الكويت ـ بعنوان: "تأثير استراتيجية انكفاء الولايات المتحدة الأمريكية على أمن منطقة الخليج العربي ـ 2009 ـ 2024" ـ تغطي فترات رئاسة ثلاثة رؤساء أمريكيين أوباما ورئاسة الرئيس ترامب الأولى ورئاسة الرئيس بايدن. واستنتجنا في الدراسة أن انكفاء إدارة الرئيس أوباما واستدارته نحو آسيا فتحت لدول: الصين ـ روسيا ـ إيران وتركيا للعب دور في المنطقة. وكذلك عمّقت سياسات الرئيس ترامب في رئاسته الأولى بفشله بممارسة الدوري القيادي بحل الأزمة الخليجية بين السعودية ـ الإمارات ـ البحرين ومصر ـ (2017 ـ 2021) ـ وكانت جزءا من الأزمة وليس الحل. وعمّقت هامش غياب الثقة بالحليف الأمريكي! ما شكل تهديدا لأمن واستقرار منطقة الخليج.

لم تنجح سياسات ترامب في رئاسته الثانية ببناء الثقة، لغياب استراتيجية والتزام أمني واضح. وبدعمه الكلي لحرب إبادة إسرائيل على غزة، ومشاركته بقصف منشآت إيران النووية، ورد إيران الانتقامي بقصف قاعدة العديد، وسماحه لإسرائيل بقصف الدوحة لاغتيال قيادات حماس!!

(القدس العربي)

يتم التصفح الآن