طرح الرئيس دونالد ترامب خطة أمريكية جديدة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، تمت صياغتها بالتشاور مع المبعوث الروسي، كيريل ديميترييف، وتداولها الأمريكيون مع مستشار الأمن القومي الأوكراني وقد تضمنت الخطة، التي استلهمت النهج الذي اتبعه ترامب في اتفاق سلام غزة، 28 نقطة، ضمن 4 محاور رئيسية تشمل: السلام في أوكرانيا، والضمانات الأمنية، والأمن في أوروبا، والعلاقات المستقبلية بين الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا وقد حدد الرئيس الأمريكي لكييف، يوم 27 نوفمبر (تشرين الثاني) لقبول خطته. ولذلك، انتظمت مفاوضات جنيف بين الأمريكيين والأوكرانيين لمناقشة الخطة.
تضمنت الخطة حصول روسيا على كامل إقليم دونباس شرقي أوكرانيا بمقاطعتيه دونيتسك ولوهانسك، على أن يكون منزوع السلاح، ولن يُسمح لموسكو بنشر قوات فيه، وتجميد خطوط السيطرة الحالية في منطقتَي خيرسون وزابوروجيا، وهذا يعني سيطرة روسيا على نحو 20% من المساحة الإجمالية لأوكرانيا، بما في ذلك مناطق ليست تحت سيطرتها حالياً، في المقابل، تعيد موسكو بعض المناطق الأوكرانية المحتلة، وفقاً لما قد يتم التفاوض عليه.
كما نصت الخطة على تقليص حجم الجيش الأوكراني إلى 600 ألف جندي، ووضع قيود على أسلحته بعيدة المدى مقابل ضمانات أمنية أمريكية، وعدم انضمام كييف مطلقاً لحلف الناتو، وعدم تمركز قوات تابعة للحلف أو أية قوات حفظ سلام أخرى على الأراضي الأوكرانية، وفي المقابل، تتعهد موسكو بعدم شن المزيد من الهجمات على أوكرانيا، أو على أي دولة أوروبية أخرى، مع التحذير من رد عسكري حاسم ومنسق في حال أي توغل روسي إضافي داخل أوكرانيا.
وبالنسبة لملف إعادة إعمار أوكرانيا، قررت خطة ترامب الأصلية تخصيص بعض الأصول الروسية المجمدة (100 مليار دولار) في جهود إعادة إعمار أوكرانيا، التي تقودها الولايات المتحدة، كما تضمنت الخطة مطالبة أوروبا بتقديم 100 مليار دولار إضافية لزيادة حجم الاستثمارات المتاحة لإعادة الإعمار، وفي كل الأحوال، رفع العقوبات عن روسيا، وإبرام اتفاق شراكة معها، وعودتها لمجموعة الثماني.
واجهت الخطة تحديات عدة، أبرزها: أنها تستجيب لشروط روسيا لإنهاء الحرب؛ أي تقوم على منطق "عدالة المنتصر"؛ حيث قامت وفق نظام الفائز "روسيا" يأخذ كل شيء، مع تمثيل شكلي للمصالح الأوكرانية، وعدم وضوح التعهدات الأمنية الأمريكية لكييف، وقد رفض الأوكرانيون التخلي عن أراضيهم؛ بسبب وجود عقبات دستورية وقانونية، ثم كان هناك رفض أوكراني-أوروبي لبعض بنود الخطة، ولاسيما تقليص الجيش الأوكراني، وتقييد أسلحته طويلة المدى، وكان هناك رفضٌ أوروبي يتعلق بمسألة الأصول الروسية المجمدة والإسهام المالي في إعادة إعمار أوكرانيا.
وفي ضوء التحديات العديدة التي واجهتها الخطة الأمريكية، أعلن الرئيس ترامب أنّ مقترحه ليس نهائياً، ومن هنا، نفهم انتظام مباحثات جنيف بين المسؤولين الأمريكيين والأوكرانيين. وخلصت هذه المباحثات إلى تفاهم بين الطرفين على خطة محدثة مكوّنة من 19 نقطة.
وفي هذا الخصوص، صرّح ترامب في 25 نوفمبر(تشرين الثاني) بأن أوكرانيا والولايات المتحدة قد "نقّحتا" خطة السلام الأولية المكوّنة من 28 نقطة بعد إدخال ملاحظات إضافية من أوكرانيا وروسيا، وأن هناك "عدداً قليلاً فقط" من نقاط الخلاف المتبقية. وذكر ترامب أنه وجّه المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، للقاء الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في موسكو، ووجّه وزير جيش الولايات المتحدة دانيال دريسكول للقاء وفد أوكراني في أبوظبي. وأضاف ترامب أنه يتطلع للقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وبوتين "قريباً"، ولكن فقط عندما يكون اتفاق السلام "نهائياً" أو "في مراحله الأخيرة".
ويبدو أنّ أوكرانيا راضيةٌ الآن عن خطة السلام المحدّثة، برغم عدم إعلان بنودها حتى الآن، ويواصل المسؤولون الأوكرانيون التعبير عن دعمهم لها، ويظهرون استعدادهم للانخراط في مزيد من المحادثات على القضايا المتبقية الأكثر حساسية ضمن اتفاق السلام المقترح، مثل القضايا الإقليمية والضمانات الأمنية الأمريكية لأوكرانيا، ويتطلع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إلى التفاوض على هذه مع ترامب مباشرة، واستكمال الخطوات النهائية و"إبرام الاتفاق" في واشنطن في نوفمبر الجاري. وليس هناك ضمانة لموافقة روسيا على الخطة المحدثة؛ حيث ما يفتأ مسؤولوها ترديد الأهداف القصوى لـ"العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا، والتي تم تضمين كثيرٍ منها في خطة ترامب الأصلية ذات الـ28 نقطة.
ومع ذلك، وعلى عكس اتفاق غزة، يبدو أن منطق "عقلية المنتصر" لن يسود تماماً في حالة أوكرانيا؛ بسبب مساندة حلفائها الأوروبيين لها، الذين يؤرقهم أكثر التهديد الروسي لدرجة أن دول الترويكا الأوروبية أعدت مقترحاً مضاداً لخطة السلام الأمريكية الأصلية؛ ما أدى إلى إجراء تعديلات عليها. ويبدو أن روسيا ستواجه على الأرجح سلسلة من التحديات العسكرية والاقتصادية على المدى المتوسط، وأن الولايات المتحدة (والدول الأوروبية) يمكنها استغلال الأدوات الاقتصادية إلى جانب مبيعات الأسلحة لأوكرانيا لدفع بوتين إلى طاولة المفاوضات وهو مستعد لتقديم تنازلات لإنهاء الحرب.
(الخليج الإماراتية)

